إصدارات PDFاللغة العربية

مظلومية الإخوان المسلمين .. أحداث رابعة العدوية بمصر نموذجا – الشيخ محمد سعيد رسلان

  مَظْلُومِيَّةُ الْإِخْوَانِ الْمُسْلِمِينَ

(أَحْدَاثُ رَابِعَةَ الْعَدَوِيَّةِ بِمِصْرَ أُنْمُوذَجًا)

للشيخ الدكتور/ مُحَمَّد سَعِيد رَسْلَان -حفظه الله-

تحميل الإصدار PDF

تحميل الإصدار مضغوطًا ZIP


[الْخُطْبَةُ الْأُولَى]

إِنَّ الْحَمْدَ لِلَّهِ نَحْمَدُهُ، وَنَسْتَعِينُهُ وَنَسْتَغْفِرُهُ، وَنَعُوذُ بِاللَّهِ مِنْ شُرُورِ أَنْفُسِنَا وَمِنْ سَيِّئَاتِ أَعْمَالِنَا، مَنْ يَهْدِهِ اللهُ فَلَا مُضِلَّ لَهُ، وَمَنْ يُضْلِلْ فَلَا هَادِيَ لَهُ، وَأَشْهَدُ أَنْ لَا إِلَهَ إِلَّا اللهُ وَحْدَهُ لَا شَرِيكَ لَهُ، وَأَشْهَدُ أَنَّ مُحَمَّدًا عَبْدُهُ وَرَسُولُهُ -صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَعَلَى آلِهِ وَسَلَّمَ-.

﴿يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُواْ اتَّقُواْ اللّهَ حَقَّ تُقَاتِهِ وَلاَ تَمُوتُنَّ إِلاَّ وَأَنتُم مُّسْلِمُونَ﴾ [آل عمران:102].

﴿يَا أَيُّهَا النَّاسُ اتَّقُواْ رَبَّكُمُ الَّذِي خَلَقَكُم مِّن نَّفْسٍ وَاحِدَةٍ وَخَلَقَ مِنْهَا زَوْجَهَا وَبَثَّ مِنْهُمَا رِجَالًا كَثِيرًا وَنِسَاء وَاتَّقُواْ اللّهَ الَّذِي تَسَاءلُونَ بِهِ وَالأَرْحَامَ إِنَّ اللّهَ كَانَ عَلَيْكُمْ رَقِيبًا﴾ [النساء:1].

﴿يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ وَقُولُوا قَوْلًا سَدِيدًا. يُصْلِحْ لَكُمْ أَعْمَالَكُمْ وَيَغْفِرْ لَكُمْ ذُنُوبَكُمْ وَمَن يُطِعْ اللَّهَ وَرَسُولَهُ فَقَدْ فَازَ فَوْزًا عَظِيمًا﴾ [الأحزاب:70-71].

أَمَّا بَعْدُ:

فَإِنَّ أَصْدَقَ الْحَدِيثِ كِتَابُ اللهِ، وَخَيْرَ الْهَدْيِ هَدْيُ مُحَمَّدٍ -صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَعَلَى آلِهِ وَسَلَّمَ-، وَشَرَّ الْأُمُورِ مُحْدَثَاتُهَا، وَكُلَّ مُحْدَثَةٍ بِدْعَةٌ، وَكُلَّ بِدْعَةٍ ضَلَالَةٌ، وَكُلَّ ضَلَالَةٍ فِي النَّارِ.

أَمَّا بَعْدُ:

فَقَدْ كَانَ اسْتَشْكَلَ بَعْضُ إِخْوَانِنَا مَا ذَكَرْتُهُ مِنْ أَنَّ الْحَدَّادِيَّةَ هُمْ مِنَ الْخَوَارِجِ، بَلْ هُمْ مِنْ غُلَاةِ الْخَوَارِجِ، وَأَنَّ مَصِيرَهُمْ إِلَى السَّيْفِ، اسْتَشْكَلُوا ذَلِكَ، وَاسْتَفْظَعُوا تَبَعًا أَنْ نُحَذِّرَ مِنْ رُءُوسِهِمْ كَهِشَامٍ الْبِيَلِيِّ وَغَيْرِهِ مِنْ غُلَاةِ الْحَدَّادِيَّةِ التَّكْفِيرِيِّينَ الَّذِينَ شَابَهُوا الرَّوَافِضَ، وَصَارُوا مِثْلَهُمْ حَذْوَ النَّعْلِ بِالنَّعْلِ، فَإِذَا مَا أَدْرَكَهُمُ الْغَرَقُ أَخَذُوا بِالتَّقِيَّةِ فِعْلَ الْخَوَارِجِ الْمَلَاعِينِ.

وَهَذَا وَاحِدٌ مِنْ غُلَاةِ الْحَدَّادِيَّةِ؛ لِيَعْلَمَ النَّاسُ كُلُّ النَّاسِ فِي مِصْرَ وَخَارِجَهَا أَنَّ الْخَطَرَ الْقَادِمَ عَلَى مِصْرَ هُوَ مِنَ الْحَدَّادِيَّةِ، وَأَنَّ هَؤُلَاءِ التَّكْفِيرِيِّينَ سَيَحْمِلُونَ السِّلَاحَ يَوْمًا وَيَعِيثُونَ فِي الْأَرْضِ فَسَادًا.

جَنُوبِيٌّ مُغَفَّلٌ اسْمُهُ: عِمَادٌ فَرَّاجٌ. وَأَصْلُ مَوْضُوعِهِ عِنْدَ عَلِيٍّ الْحَلَبِيِّ الْمِسْكِينِ الضَّالِّ الَّذِي صَارَ مُنْتَدَاهُ مَبَاءَةً لِكُلِّ جُرْثُومَةٍ حَاقِدَةٍ عَلَى السُّنَّةِ وَأَهْلِهَا.

يَقُولُ ابْنُ فَرَّاجٍ: هَلْ كَفَرَ ابْنُ رَسْلَانَ؟!

يَقُولُ: وَلِأَنَّ مِثْلَهُ -يَعْنِينِي؛ وَكُلُّ ذَلِكَ مِنْ أَجْلِ الْخُطْبَةِ الَّتِي كَانَتْ قَبْلَ هَذِهِ- يَقُولُ: وَلِأَنَّ مِثْلَهُ أَهْلٌ لِكُلِّ سُوءٍ، فَقَدِ انْتَقَلَ عَلَى بَصِيرَةٍ مِنَ الْإِرْجَاءِ إِلَى الْكُفْرِ.

وَهِيَ إِنْ شَاءَ اللهُ رَبُّ الْعَالَمِينَ كَمَا قَالَ النَّبِيُّ -صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَعَلَى آلِهِ وَسَلَّمَ- : ((إِلَّا حَارَتْ عَلَيْهِ)).

هَذَا لَا يَعْنِينَا، وَهَذَا لَا يُسَاوِي وَزْنَهُ تُرَابًا، وَمَا بَالَيْتُ بِهِ يَوْمًا، وَلَوْلَا أَنِّي أُرِيدُ أَنْ أَجْعَلَهُ الْيَوْمَ مِثَالًا لِمَنْ وَرَاءَهُ مِنَ الْحَدَّادِيَّةِ، مَا دَنَّسْتُ فَمِي بِذِكْرِ اسْمِهِ.

يَقُولُ: فَقَدِ انْتَقَلَ عَلَى بَصِيرَةٍ مِنَ الْإِرْجَاءِ إِلَى الْكُفْرِ، فَرَضِيَ بِهِ، وَدَعَا لَهُ، وَنَافَحَ عَنْ أَرْبَابِهِ، بَلْ أَقَرَّ -يَعْنِينِي- أَنَّ الشَّعْبَ هُوَ الَّذِي يُرَجِّحُ كَمَا قَضَى اللهُ، كَذَا قَالَ لَعَنَهُ اللهُ -اللَّعْنُ مِنْهُ لِي، وَأَسْأَلُ اللهَ أَنْ يَرُدَّهُ عَلَيْهِ-.

يَقُولُ: فَاللَّهُمَّ عَلَيْكَ بِهِ وَبِأَمْثَالِهِ مِمَّنْ يَنْقُضُونَ عُرَى الْإِسْلَامِ عُرْوَةً عُرْوَةً.

فَهَلْ صَدَّقَ الْمَخْدُوعُونَ الَّذِينَ لَا يُبَالُونَ بِنُصْرَةِ السُّنَّةِ مِمَّنْ سَوَّفُوا فِي حَرْبِ ذَلِكَ الْحَدَّادِيِّ الْمُكَفِّرِ الْخَارِجِيِّ هِشَامٍ الْبِيَلِيِّ حَتَّى اسْتَشْرَى شَرُّهُ، وَصَارَ مَنْ حَوْلَهُ مِنَ الْمَارِقِينَ الْخَوَنَةِ لِدِينِ اللهِ، وَلِهَذَا الْوَطَنِ، وَلِجَيْشِهِ، وَلِهَذِهِ الْأُمَّةِ، حَتَّى يَعْلَمَ أُولَئِكَ الَّذِينَ قَصَّرُوا عَلَى بَصِيرَةٍ أَنَّهُمْ كَانُوا مُخْطِئِينَ، بَلْ كَانُوا خَاطِئِينَ، بَلْ كَانُوا ظَالِمِينَ، فَعَسَى اللهُ أَنْ يَهْدِيَهُمْ لِلْفَيْءِ إِلَى الْحَقِّ حَتَّى يَأْخُذُوا عَلَى أَيْدِي أُولَئِكَ الْخَوَارِجِ الْمَارِقِينَ.

الْحَدَّادِيَّةُ مِنَ الْخَوَارِجِ التَّكْفِيرِيِّينَ، وَهَذَا ذَنَبٌ مِنْ أَذْنَابِهِمْ، فَكَيْفَ بِرَأْسِهِمْ فِي كَفْرِ الشَّيْخِ، وَهُوَ يُوَزِّعُ التَّكْفِيرَ وَالْخُرُوجَ، وَيَعِيثُ فِي الْأَرْضِ فَسَادًا.

كُلُّ هَذَا لَا يَعْنِينَا فِي شَيْءٍ، وَإِنَّمَا هِيَ النَّصِيحَةُ لِطُلَّابِ الْعِلْمِ، وَلِلْمِصْرِيِّينَ كُلِّهِمْ؛ إِنَّ الْحَدَّادِيَّةَ هِيَ الْخَطَرُ الْقَادِمُ عَلَى مِصْرَ، فَاحْذَرُوهُمْ، خُذُوا عَلَى أَيْدِيهِمْ، لَا تَتْرُكُوهُمْ كَالْخَلَايَا السَّرَطَانِيَّةِ، وَإِلَّا فَسَتَخْرُجُ فِتْنَةٌ أُخْرَى، وَإِنْ كُنَّا عَلَى يَقِينٍ مِنْ أَنَّهُ كُلَّمَا طَلَعَ قَرْنٌ قُطِعَ.

وَأَمَّا الْحَلَبِيُّ فَعَلَيْهِ أَنْ يَتُوبَ إِلَى اللهِ مِنْ فَتْحِ مُنْتَدَاهُ لِلْتَكْفِيرِيِّينَ، وَعَلَيْهِ أَنْ يَعُودَ إِلَى السُّنَّةِ، وَأَنْ يَعْلَمَ أَنَّ مِصْرَ الَّتِي تَفْتَحُ ذِرَاعَيْهَا لَهُ كُلَّمَا أَتَى إِلَيْهَا فِي مِثْلِ هَذَا الْوَقْتِ مِنْ كُلِّ عَامٍ، يَنْبَغِي عَلَيْهَا أَنْ تَقِفَ فِي وَجْهِهِ، بَلْ أَنْ تَصْفَعَهُ عَلَى قَفَاهُ.

لَقَدْ دَأَبَتِ الْفِرَقُ الْمُنْحَرِفَةُ، بَلْ وَالْمِلَلُ الْكَافِرَةُ فِي الْقَدِيمِ وَالْحَدِيثِ عَلَى صُنْعِ مَا يُمْكِنُ أَنْ نُسَمِّيَهُ ((الْمَظْلُومِيَّةَ)) لِتَكُونَ ذَرِيعَةً لَدَى الْأَتْبَاعِ وَالْمُتَعَاطِفِينَ إِلَى اسْتِخْدَامِ الْعُنْفِ وَسَفْكِ الدِّمَاءِ، وَلِتَكُونَ حَافِزًا لَدَى الْمُتَعَصِّبِينَ لِأَخْذِ الثَّأْرِ وَتَقْطِيعِ الْأَشْلَاءِ، وَلِتَكُونَ مَثَارًا لِجَلْبِ الْعَطْفِ عَلَيْهِمْ، وَالْمَيْلِ إِلَيْهِمْ، بِاسْمِ الْإِنْسَانِيَّةِ تَارَةً، وَبِاسْمِ الْمَبَادِئِ وَالْقِيَمِ تَارَةً، وَبِاسْمِ رَدِّ الْعُدْوَانِ عَنِ الْمَظْلُومِينَ الْمُسْتَضْعَفِينَ تَارَاتٍ.

وَلَقَدْ حَرِصَ الْيَهُودُ قَدِيمًا وَحَدِيثًا عَلَى تَرْسِيخِ الْمَظْلُومِيَّةِ فِي أَذْهَانِ الشُّعُوبِ وَالْحُكُومَاتِ بِادِّعَاءِ أَنَّهُمْ مُضْطَهَدُونَ مُحَاطُونَ بِالْأَعْدَاءِ مِنْ كُلِّ جَانِبٍ، وَأَنَّهُمْ شُتِّتُوا وَذُبِّحُوا وَقُتِّلُوا فِي كُلِّ عَصْرٍ، فِي كُلِّ أُمَّةٍ مِنْ كُلِّ جِيلٍ.

وَلَمَّا وَقَعَ مَا وَقَعَ سَنَةَ سَبْعٍ وَسِتِّينَ مِنَ الْقَرْنِ الْمَاضِي، وَدَخَلَ الْيَهُودُ بَيْتَ الْمَقْدِسِ، دَنَّسُوا الْمَسْجِدَ الْأَقْصَى وَهُمْ يَتَقَافَزُونَ كَالْقُرُودِ وَيَصِيحُونَ: يَا لَثَارَاتِ خَيْبَرَ! يَا لَثَارَاتِ قُرَيْظَةَ!

يُشِيرُونَ بِذَلِكَ إِلَى مَظْلُومِيَّةٍ ابْتَدَعُوهَا، لِيُبَرِّرُوا الْعُدْوَانَ وَيُسَوِّغُوا الطُّغْيَانَ، وَلَوْ مَلَأُوا الْأَرْضَ مَعَ ذَلِكَ دِمَاءً وَأَشْلَاءً.

وَفِي الْعَصْرِ الْحَدِيثِ جَعَلُوا مَا عُرِفَ بِالْمَحْرَقَةِ أَوِ (الْهُولُوكُوست) مَظْلُومِيَّةً عُظْمَى، فَكَمَّمُوا بِهَا الْأَفْوَاهَ، وَقَيَّدُوا بِهَا الْآرَاءَ، وَحَجَّرُوا بِهَا الْأَفْكَارَ، حَتَّى صَدَرَ مَا يُعْرَفُ بِقَانُونِ: مُعَادَاةِ السَّامِيَّةِ. وَقَدْ أَعْطَى ذَلِكَ الْقَانُونُ الْحَقَّ فِي مُقَاضَاةِ وَتَجْرِيمِ كُلِّ مَنْ قَالَ رَأْيًا أَوْ أَصْدَرَ بَيَانًا يُشَمُّ مِنْهُ مُعَادَاةٌ لِلْيَهُودِ، أَوْ تَكْذِيبٌ بِـ (الْهُولُوكُوست) أَوْ بَحْثٌ لِلْمَحْرَقَةِ تَارِيخِيًّا لِبَيَانِ هَلْ هِيَ حَقِيقَةٌ أَمْ خَيَالٌ؟

وَتَتِمُّ مُحَاكَمَةُ مَنْ يُعَادِي السَّامِيَّةَ -أَيِ: الْيَهُودَ- أَمَامَ الْمَحْكَمَةِ الدَّوْلِيَّةِ، لِأَنَّهَا جَرِيمَةٌ عَابِرَةٌ لِلْقَارَّاتِ.

وَمَا زَالَ الْيَهُودُ يَتَّخِذُونَ مَظْلُومِيَّةَ الْمَحْرَقَةِ سَبَبًا لِحِمَايَتِهِمْ، وَالْإِنْفَاقِ عَلَيْهِمْ، وَحَرْبِ كَلِّ مَنْ عَادَاهُمْ بِأَيِّ سَبِيلٍ.

وَعَلَى الدَّرْبِ نَفْسِهِ مَضَى الرَّوَافِضُ الْأَنْجَاسُ، وَمِنْ قَدِيمٍ وَهُمْ يَتَّخِذُونَ مَظْلُومِيَّةَ مَقْتَلِ الْحُسَيْنِ -رَضِيَ اللهُ عَنْهُ- مُبَرِّرًا لِإِحْدَاثِ الْفِتَنِ، وَإِشْعَالِ نِيرَانِ الثَّوَرَاتِ، وَقَتْلِ أَهْلِ السُّنَّةِ، وَمُوَالَاةِ الْكَافِرِينَ، وَتَكْفِيرِ الصَّحَابَةِ -رَضِيَ اللهُ عَنْهُمْ أَجْمَعِينَ-.

وَقَدْ بَدَأُوا ذَلِكَ بِزَعْمِ أَنَّ عَلِيًّا -رَضِيَ اللهُ عَنْهُ- قَدْ ظُلِمَ، وَسُلِبَ حَقًّا هُوَ لَهُ، وَأَنَّ الْوَصِيَّةَ لَمْ تُنَفَّذْ، وَأَنَّ حَقَّ آلِ الْبَيْتِ قَدْ جَحَدَهُ الْأَصْحَابُ -رَضِيَ اللهُ عَنْهُمْ- . ثُمَّ وَقَعَ بَعْدَ ذَلِكَ الِاعْتِدَاءُ عَلَى أَهْلِ الْبَيْتِ فِي كَرْبَلَاءَ، وَقُتِلَ الْحُسَيْنُ -رَضِيَ اللهُ عَنْهُ- ، وَقُتِلَ مَنْ قُتِلَ مِنْ آلِ الْبَيْتِ -رَضِيَ اللهُ عَنْهُمْ- .

فَاتَّخَذَ الرَّوَافِضُ مِنْ ذَلِكَ مَظْلُومِيَّةً كُبْرَى، جَعَلُوهَا سَبَبًا لِتَحْرِيكِ بَوَاعِثِ مَحَبَّةِ آلِ الْبَيْتِ فِي اتِّجَاهِ الْأَخْذِ بِالثَّأْرِ، لِكَيْ تَكُونَ نِيرَانًا تَتَلَظَّى لِتُحْرِقَ ثَوَابِتَ الِاعْتِقَادِ مِنْ مَحَبَّةِ الصَّحَابَةِ، وَأُمَّهَاتِ الْمُؤْمِنِينَ، وَالنَّظَرِ بِعَيْنِ الْكَرَاهِيَةِ وَالْحِقْدِ إِلَى جِيلِ الصَّحَابَةِ وَمَنْ تَبِعَهُمْ بِإِحْسَانٍ بِزَعْمِ أَنَّهُمْ غَيَّرُوا الدِّينَ، وَبَدَّلُوا الْمِلَّةَ، وَحَرَّفُوا الْقُرْآنَ، وَأَعَانُوا الظَّالِمِينَ.

وَمَا زَالَ الرَّوَافِضُ إِلَى الْيَوْمِ يَعْمِدُونَ إِلَى إِثَارَةِ كَوَامِنِ الْأَحْزَانِ، وَاسْتِجْلَابِ دَوَافِعِ الْكَرَاهِيَةِ بِمَا يَصْنَعُونَ فِي عَاشُورَاءَ وَغَيْرِ عَاشُورَاءَ مِنْ أُمُورٍ تَعِفُّ الْبَهَائِمُ عَنْ فِعْلِهَا، وَلَا يَسْتَجْلِبُونَ بِهَا فِي الْحَقِيقَةِ سِوَى سُخْرِيَةِ النَّاسِ بِهِمْ، وَازْدِرَائِهِمْ لَهُمْ، وَلَكِنَّهَا مَظْلُومِيَّةُ الرَّوَافِضِ عَلَى كُلِّ حَالٍ.

وَعَلَى خُطَى الْيَهُودِ وَالرَّوَافِضِ، سَارَ وَيَسِيرُ الْإِخْوَانُ الْمُسْلِمُونَ، وَلَمْ يَكُنْ لَهُمْ وُجُودٌ يَوْمًا إِلَّا بِالْمَظْلُومِيَّةِ، وَالْإِخْوَانُ يَتَشَبَّهُونَ بِالْيَهُودِ وَالرَّوَافِضِ فِي كَثِيرٍ مِنَ الْأُمُورِ، وَمِنْهَا: صُنْعُ الْمَظْلُومِيَّةِ.

وَهُمْ كَانُوا وَيُرِيدُونَ اسْتِجْلَابَ الْعَطْفِ وَالْمُؤَازَرَةِ بِادِّعَاءِ الْعُدْوَانِ عَلَيْهِمْ وَالظُّلْمِ لَهُمْ، وَلَمْ يَكُنْ لَهُمْ قَبُولٌ فِي الْمُجْتَمَعِ الْمِصْرِيِّ قَبْلَ أَحْدَاثِ الْخَامِسِ وَالْعِشْرِينَ مِنْ يَنَايِرَ إِلَّا بِهَذَا السَّبَبِ، وَكَانَ الْمِصْرِيُّونَ يَتَعَاطَفُونَ مَعَهُمْ عَلَى أَنَّهُمْ قَدْ ظُلِمُوا طَوِيلًا، وَعُذِّبُوا كَثِيرًا، وَمَا لَهُمْ مِنْ ذَنْبٍ إِلَّا أَنَّهُمْ يَنْصُرُونَ الدِّينَ، وَيَحْمِلُونَ الْخَيْرَ لِلْمِصْرِيِّينَ.

فَلَوْ مُدَّ الْخَطُّ عَلَى اسْتِقَامَتِهِ بِالتَّعَاطُفِ مَعَهُمْ، وَالثِّقَةِ بِهِمْ، قَبْلَ أَنْ يَقَعَ مَا وَقَعَ فِي الْخَامِسِ وَالْعِشْرِينَ، لَوَقَعَتْ أَحْدَاثٌ سِوَى الْأَحْدَاثِ الَّتِي وَقَعَتْ، وَلَكِنْ مُدَّ عَلَى اسْتِقَامَتِهِ بِالتَّعَاطُفِ مَعَهُمْ وَالثِّقَةِ بِهِمْ حَتَّى آلَ الْأَمْرُ إِلَيْهِمْ فِي حُكْمِ مِصْرَ، وَانْتَظَرَ النَّاسُ مِنَ الْمَظْلُومِينَ الْحَاكِمِينَ رِعَايَةَ الْمَظْلُومِينَ الْمَحْكُومِينَ، فَلَمْ يَزِيدُوهُمْ إِلَّا ظُلْمًا وَتَكَبُّرًا وَعُدْوَانًا، وَحَسِبَ النَّاسُ أَنَّ مَنْ ذَاقَ مَرَارَةَ الظُّلْمِ وَقَسْوَةَ الْحِرْمَانِ سَيَكُونُ أَشْفَقَ النَّاسِ عَلَى الْبُؤَسَاءِ، وَأَحْنَى الْخَلْقِ عَلَى التُّعَسَاءِ.

وَلَكِنْ: حَكَمَ الْإِخْوَانُ النَّاسَ عَلَى طَرِيقَةِ (أَحْسِنْ إِلَيَّ وَأَنَا مَوْلَاكَ).

وَالْحَقُّ أَنَّ الْإِخْوَانَ مَا كَانُوا يَوْمًا إِلَّا ظَالِمِينَ؛ لَقَدْ ظَلَمُوا أَنْفُسَهُمْ، وَظَلَمُوا دِينَ اللهِ، ظَلَمُوا النَّاسَ وَخَانُوهُمْ، وَاسْتَعْدَوْا عَلَيْهِمْ أَعْدَاءَ اللهِ وَالدِّينِ.

ثُمَّ وَقَعَ الْإِخْوَانُ عَلَى حَدَثٍ رَاحُوا يُعَامِلُونَهُ مُعَامَلَةَ الْمَحْرَقَةِ؛ لِيَكُونَ مَظْلُومِيَّةً كُبْرَى مَدْعَاةً لَهُمْ فِي هَذَا الْعَصْرِ، وَكَمَا نَسَجَ الْيَهُودُ الْأَسَاطِيرَ حَوْلَ الْهُولُوكُوست أَوِ الْمَحْرَقَةِ، وَكَمَا حَاكَ الرَّوَافِضُ الْأَكَاذِيبَ حَوْلَ كَرْبَلَاءَ، رَاحَ الْإِخْوَانُ وَأَشْيَاعُهُمْ يَكْذِبُونَ وَيَفْتَرُونَ، وَجَعَلُوا لِمَحْرَقَتِهِمُ الْمَزْعُومَةِ شِعَارًا يُشِيرُ إِلَيْهَا، وَلَوْنًا يَدُلُّ عَلَيْهَا، وَصِدَامًا وَصِرَاعًا لِلْأَخْذِ بِثَأْرِهَا، وَهُمْ فِي هَذَا كُلِّهِ يَتَوَقَّعُونَ نَتَائِجَ عَاجِلَةً، وَيَنْتَظِرُونَ نَتَائِجَ آجِلَةً.

يَتَوَقَّعُونَ التَّعَاطُفَ مَعَهُمْ، وَالْمُؤَازَرَةَ لَهُمْ، وَيَنْتَظِرُونَ تَرْسِيخَ دَلَالَةِ الْحَدَثِ حَتَّى يَصِيرَ أَمْرُ رَابِعَةَ عِنْدَ الْأَجْيَالِ الْمُقْبِلَةِ حَقِيقَةً ثَابِتَةً لَا يَعْتَوِرُهَا شَكٌّ، وَلَا يَلْحَقُهَا رَيْبٌ.

وَلَكِنْ لَمْ يُفْلِحْ خِدَاعُهُمْ فِيمَا اتَّخَذُوهُ مِنَ الْمَظْلُومِيَّةِ، وَفِيمَا ابْتَدَعُوهُ مِنَ الْحَدَثِ، لَمْ يُفْلِحْ فِي إِثَارَةِ التَّعَاطُفِ مَعَهُمْ وَالدِّفَاعِ عَنْهُمْ، فَلَجَئُوا إِلَى أَمْرٍ مُرِيبٍ عَجِيبٍ نَعْرِفُهُ إِذَا أَجَبْنَا عَنْ هَذَا السُّؤَالِ:

مَاذَا يُرِيدُ الْإِخْوَانُ فِي مِصْرَ؟!

الْإِخْوَانُ يُرِيدُونَ الْفَوْضَى، وَالِانْفِلَاتَ، وَهَدْمَ الدَّوْلَةِ؛ لِأَنَّهُمْ لَنْ يَتَسَنَّى لَهُمْ أَنْ يَحْكُمُوا مِصْرَ مَعَ وُجُودِ جَيْشٍ، وَشُرْطَةٍ، وَمُؤَسَّسَاتٍ، وَدَوْلَةٍ. وَالطَّرِيقُ الْوَحِيدُ أَمَامَهُمْ إِلَى الْحُكْمِ أَنْ يَتَقَوَّضَ ذَلِكَ كُلُّهُ فَيَتَمَهَّدَ السَّبِيلُ إِلَى الْكُرْسِيِّ وَلَوْ عَلَى أَكْوَامٍ مِنَ الْأَشْلَاءِ فِي بِرَكٍ مِنَ الدِّمَاءِ.

وَلَمَّا كَانَ الْحَدَثُ الرَّبْعَاوِيُّ ذَا أَثَرٍ عَكْسِيٍّ فِيمَا أَمَّلُوهُ، وَذَا نَتِيجَةٍ سَلْبِيَّةٍ فِيمَا أَرَادُوهُ، لَمْ يَبْقَ إِلَّا صُنْعُ مَظْلُومِيَّةٍ أُخْرَى تُثِيرُ الشَّفَقَةَ، وَتَسْتَجْلِبُ الْمُسَانَدَةَ، وَتَكُونُ ذَرِيعَةً لِلتَّدَخُّلِ الْأَجْنَبِيِّ، وَلَيْسَ أَمَامَهُمْ مِنْ سَبِيلٍ إِلَى ذَلِكَ إِلَّا بِاسْتِعْمَالِ أَقْصَى الْعُنْفِ مَعَ الْجَيْشِ، وَالشُّرْطَةِ، وَالنَّاسِ؛ بِالْقَتْلِ، وَالتَّمْثِيلِ بِالْجُثَثِ، وَالْحَرْقِ، وَالتَّفْجِيرِ الْمُبَالَغِ فِيهِ، وَالْقِيَامِ بِالْأَعْمَالِ الشَّنِيعَةِ، وَالصَّنَائِعِ الْفَظِيعَةِ، حَتَّى يَفْقِدَ مَنْ يُوَاجِهُهَا عَقْلَهُ، وَيَخْرُجَ عَنْ مَشَاعِرِهِ، وَسَيْطَرَتِهِ عَلَى رِدَّةِ فِعْلِهِ، فَيَرُدُّ رَدًّا عَنِيفًا مُبَالَغًا فِيهِ، وَحِينَئِذٍ يُقَالُ: اسْتُعْمِلُ الْعُنْفُ الْمُبَالَغُ فِيهِ، وَوَقَعَ إِرْهَابُ دَوْلَةٍ فِي مُوَاجَهَةِ إِرْهَابِ أَفْرَادٍ!!

فَتَنْشَأُ الْمَظْلُومِيَّةُ الْمُبْتَغَاةُ، وَتَتَحَوَّلُ الْمَشَاعِرُ مِنْ مَحْضِ التَّعَاطُفِ مَعَ الْمَظْلُومِ إِلَى حَتْمِيَّةِ الْعَمَلِ لِأَخْذِ حَقِّ الْمَظْلُومِ مِنْ ظَالِمِهِ، وَيَأْتِي لِذَلِكَ مَنْ يَأْتِي مِنْ خَارِجٍ، وَيَنْهِقُ بِهِ مَنْ يَنْهِقُ بِهِ فِي الدَّاخِلِ، وَتَقَعُ الْفَوْضَى.

يَا لَلَّهِ الْعَجَبُ! مَاذَا صَنَعَ الْإِخْوَانُ بِأَنْفُسِهِمْ، وَبِالْمُسْلِمِينَ، وَبِبِلَادِ الْمُسْلِمِينَ، وَبِدِينِ الْإِسْلَامِ الْعَظِيمِ؟!

أَمَّا أَنْفُسُهُمْ، فَقَدْ بَاعُوهَا رَخِيصَةً، تُقَدَّمُ قَرَابِينَ عَلَى مَذَابِحِ الْوَهْمِ الْمَزْعُومِ أَنَّهُ جِهَادٌ، وَجَهِلُوا الدِّينَ، وَخَسِرُوا الدُّنْيَا، وَتَدَنَّسَتْ أَيْدِيهِمْ بِالدِّمَاءِ الْمَعْصُومَةِ، كَمَا تَدَنَّسَتْ أَرْوَاحُهُمْ بِالْبِدْعَةِ، وَقُلُوبُهُمْ بِالْهَوَى، وَاحْتَرَفُوا الْكَذِبَ وَالْبُهْتَانَ، وَقَلْبَ الْحَقَائِقِ، وَتَزْيِيفَ الْوَاقِعِ.

وَأَمَّا الْمُسْلِمُونَ فَقَدْ دَمَّرَ الْإِخْوَانُ عَلَيْهِمْ دِينَهُمْ، وَبَغَّضُوهُمْ فِي صَحِيحِهِ وَصَرِيحِهِ، وَتَرَكُوا النَّاسَ حَيَارَى يَضْرِبُونَ أَخْمَاسًا فِي أَسْدَاسٍ، بَلْ أَلْجَئُوا كَثِيرًا مِنَ الْمُسْلِمِينَ إِلَى حَرْبِ الْإِسْلَامِ نَفْسِهِ، وَهُمْ يَعْتَقِدُونَ مِنْ حَيْثُ لَا يَشْعُرُونَ أَنَّهُمْ يُحَارِبُونَ الْإِرْهَابَ، وَجَرَّءُوا كَثِيرًا مِنَ الْمُسْلِمِينَ عَلَى احْتِقَارِ ثَوَابِتَ مِنَ الدِّينِ كَانُوا قَبْلَ ابْتِلَائِهِمْ بِالْإِخْوَانِ يُحِبُّونَهَا، وَيَعْتَقِدُونَهَا، وَيَتَمَسَّكُونَ بِهَا، لَقَدْ فَسَدَ الْإِخْوَانُ الْمُسْلِمُونَ وَأَفْسَدُوا الْمُسْلِمِينَ؛ حَتَّى صَارَ كَثِيرٌ مِنْهُمْ يَعْتَقِدُ أُمُورًا يُكَفَّرُ الْمُسْلِمُ بِهَا، وَلَا يَعْتَقِدُهَا هَذَا الَّذِي يَعْتَقِدُهَا إِلَّا لِأَنَّهَا مُخَالِفَةٌ لِلْإِخْوَانِ الْمُسْلِمِينَ.

أَمَّا بِلَادُ الْمُسْلِمِينَ، فَقَدْ تَآمَرَ الْإِخْوَانُ مَعَ أَعْدَاءِ الْإِسْلَامِ عَلَيْهَا، حَتَّى أَنْزَلُوا الْفَوْضَى بِسَاحَاتِهَا، وَاسْتَجْلَبُوا الْخَرَابَ إِلَى ثَرْوَاتِهَا، وَصَارَتِ الدُّوَلُ الْإِسْلَامِيَّةُ هَزِيلَةً مُحْتَقَرَةً، لَا تَقْوَى عَلَى ضَبْطِ أَحْوَالِهَا الدَّاخِلِيَّةِ، وَتَنْظِيمِ شُئُونِهَا وَأَحْوَالِهَا، وَزَالَتْ هَيْبَةُ أَعْدَائِهَا لَهَا، وَصَارَتِ الدُّوَلُ الْإِسْلَامِيَّةُ بِسَبَبِ الْإِخْوَانِ وَأَشْيَاعِهِمْ مَلْعَبًا لِلدُّوَلِ الْكُبْرَى الِاسْتِعْمَارِيَّةِ الطَّامِعَةِ بِأَفْكَارِهَا وَمَبَادِئِهَا وَمُعْتَقَدَاتِهَا وَاسْتِخْبَارَاتِهَا وَمُؤَامَرَاتِهَا وَعُمَلَائِهَا وَجَشَعِهَا وَطَمَعِهَا، وَمَا شِئْتَ … .

إِنَّهَا الْخِيَانَةُ لِلدِّينِ، ثُمَّ الْخِيَانَةُ لِلْوَطَنِ.

وَأَمَّا الْإِسْلَامُ، فَقَدْ غَيَّرُوهُ وَبَدَّلُوهُ، وَحَرَّفُوا فِيهِ مَا حَرَّفُوهُ، وَعَرَضُوا عَلَى النَّاسِ أُمُورًا كَثِيرَةً عَلَى أَنَّهَا مِنْ صَحِيحِ الدِّينِ، وَحَقِيقَةِ الْإِسْلَامِ الْعَظِيمِ، وَلَيْسَتْ بِالَّتِي تَمُتُّ إِلَى الْإِسْلَامِ بِصِلَةٍ، وَلَا تَرْتَبِطُ بِهِ بِسَبَبٍ.

فَأَيُّ جَمَاعَةٍ مُنْحَرِفَةٍ هَذِهِ؟!

وَمَاذَا جَنَتْ عَلَى الْإِسْلَامِ وَالْمُسْلِمِينَ فِي هَذَا الْعَصْرِ؟!

وَكَمْ نَحْتَاجُ مِنْ وَقْتٍ وَبَذْلِ جُهْدٍ لِتَرْمِيمِ مَا صَدَّعُوهُ، وَبِنَاءِ مَا هَدَّمُوهُ، وَإِصْلَاحِ مَا أَفْسَدُوهُ، وَإِلَى اللهِ الْمُشْتَكَى وَهُوَ حَسْبُنَا وَنِعْمَ الْوَكِيلُ!!

لَقَدْ جَاءَتْ لَحْظَةٌ فَارِقَةٌ فِي تَارِيخِ مِصْرَ، كَانَتْ مِصْرُ فِيهَا بِسَبَبِ الْإِخْوَانِ مِنَ الِارْتِبَاكِ فِي غَايَةٍ، وَمِنَ التَّخَالُفِ وَالتَّضَارُبِ فِي نِهَايَةٍ، وَتَصَدَّرَ الْإِخْوَانُ  الصُّفُوفَ حَاكِمِينَ، فَهَوَوْا إِلَى الْقَاعِ مُسْرِعِينَ، وَتَسَارَعُوا إِلَى الْإِخْفَاقِ مُهْطِعِينَ، وَهُمْ يَزْعُمُونَ أَنَّهُمْ يَحْكُمُونَ بِاسْمِ الدِّينِ!!

وَالَّذِي لَا يَنْقَضِي مِنْهُ الْعَجَبُ أَنَّ بَعْضَ قَادَتِهِمْ مُدْرَجٌ فِي قَائِمَةِ أَغْنَى أَغْنِيَاءِ الْعَالَمِ، فَكَيْفَ لَمْ يَجُدْ عَلَى بَلَدِهِ وَأَهْلِهِ بِنِصْفِ ثَرْوَتِهِ، بِثُلُثِهَا، بِرُبُعِهَا، بِخُمُسِهَا، بِعُشْرِهَا؟!

بَلْ كَيْفَ لَمْ يَقْبِضْ يَدَهُ عَنِ اقْتِصَادِ بَلَدِهِ، وَمَالِ أَهْلِ وَطنِهِ، الَّذِينَ أَحْسَنُوا الظَّنَّ بِهِ وَبِرِفَاقِهِ، وَأَتَوْا بِهِمْ إِلَى سُدَّةِ الْحُكْمِ؟!

فَرَاحُوا يَحْكُمُونَ جَمَاعَةً؛ لِأَنَّ حُكْمَ الْجَمَاعَةِ أَفْضَلُ عِنْدَهُمْ مِنْ حُكْمِ الْفَرْدِ بِسَبْعٍ وَعِشْرِينَ دَرَجَةً!

حَكَمُوا جَمَاعَةً لِتَتَنَزَّلَ الْبَرَكَةُ، وَطُوبَى لِمَنْ تَصَدَّقَ بِبَعْضِ مَهَامِّ مَنْصِبِهِ -وَلَوْ كَانَ رِئَاسَةً- عَلَى أَخِيهِ -وَلَوْ كَانَ أَحْمَقَ جَاهِلًا- وَلَا بَأْسَ، فَصَدَقَةٌ قَلِيلَةٌ تَمْنَعُ بَلَاوِيَ كَثِيرَةً!

إِنَّ بَاعَةَ الْبَصَلِ يُنَادُونَ عَلَيْهِ فِي أَسْوَاقِنَا بِالرُّمَّانِ، وَبَاعَةَ التِّرْمِسِ يَصِيحُونَ عَلَيْهِ: يَا لَوْزُ! وَهَيْهَاتَ أَنْ يَنْطَلِيَ هَذَا الدَّلَالُ عَلَى أَحَدٍ!

وَلِلَّهِ فِي خَلْقِهِ شُؤُونٌ، وَهُوَ تَعَالَى يُعِزُّ وَيُذِلُّ، وَيَضَعُ وَيَرْفَعُ، وَيُعْطِي وَيَمْنَعُ، هُوَ تَعَالَى فَعَّالٌ لِمَا يُرِيدُ، وَهُوَ -سُبْحَانَهُ- عَلَى كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ:

فَبَيْنَا نَسُوسُ النَّاسَ وَالْأَمْرُ أَمْرُنَا = إِذَا نَحْنُ فِيهِمْ سُوقَةٌ نَتَنَصَّفُ

فَأُفٍّ لِدُنْيَا لَا يَدُومُ نَعِيمُهَا = تَقَلَّبُ تَارَاتٍ بِنَا وَتَصَرَّفُ

إِنَّ أَيَّةَ مُجْتَمَعٍ تَهِي فِيهِ عُرَى الْأَخْلَاقِ، وَتَضْعُفُ فِيهِ مُقَوِّمَاتُ النُّفُوسِ الْكَبِيرَةِ، هَيْهَاتَ أَنْ يُوَفَّقَ إِلَى تَأْسِيسِ دَوْلَةٍ مَتِينَةٍ، أَوْ إِقَامَةِ حُكْمٍ رَشِيدٍ.

إِنَّ النُّفُوسَ الدُّنْيَا لَا يُمْكِنُهَا أَنْ تُقِيمَ أَحْكَامَ الْعَلِيِّ الْأَعْلَى، وَلَا تَسْتَطِيعُ وَهِيَ مُخْلِدَةٌ إِلَى الْأَرْضِ أَنْ تَسْتَجِيبَ لِتَعَالِيمِ الْوَحْيِ، أَوْ تَسْتَقِيمَ مَعَ جُوِّهِ النَّقِيِّ الطَّهُورِ.

وَالنُّفُوسُ الَّتِي انْحَصَرَتْ فِي أَهْوَائِهَا الصَّغِيرَةِ لَا تَفْقَهُ الدِّينَ، وَلَوْ فَقِهَتْهُ مَا أَصْلَحَتْ بِهِ شَيْئًا، فَضْلًا عَنْ أَنْ تَصْلُحَ هِيَ بِهِ.

وَإِذَا رَأَيْتَ رَجُلًا يَشْتَغِلُ بِجِهَادِ النَّاسِ، وَهُوَ مَذْهُولٌ عَنْ جِهَادِ نَفْسِهِ، فَاعْلَمْ أَنَّهُ خَطَّافٌ نَهَّابٌ، يُرِيدُ الِاشْتِغَالَ بِالسَّلْبِ وَالنَّهْبِ تَحْتَ سِتَارِ الدِّينِ.

إِنَّ أَوْلَى النَّاسِ بِاللَّهِ مَنْ حَكَّمُوا اللهَ فِي أَنْفُسِهِمْ، وَخَضَعُوا لِدِينِهِ فِي طَوَايَاهُمْ، وَعَاشُوا لَهُ فِي شُئُونِهِمُ الَّتِي لَا يَرَاهَا إِلَّا هُوَ -جَلَّ اسْمُهُ- قَبْلَ أَنْ يَتَظَاهَرُوا بِالْعَيْشِ لَهُ فِي كُلِّ زِحَامٍ، وَالْغَضَبِ لَهُ فِي كُلِّ خِصَامٍ.

إِنَّ أَوْلَى النَّاسِ بِاللَّهِ مَنْ يُقِيمُ فِي نَفْسِهِ سُلْطَانَ الْحَقِّ، وَيَهْزِمُ نَوَازِعَ الْهَوَى، فَإِذَا أَذِنَتْ لَهُ الْأَقْدَارُ الَّتِي قَدَّرَهَا اللهُ رَبُّ الْعَالَمِينَ أَزَلًا بِامْتِدَادٍ كَانَ الْبِرُّ بِعِبَادِ اللهِ أَوَّلَ مَا يُنْتَظَرُ مِنْهُ، وَكَانَ الْجَوْرُ عَنِ الطَّرِيقِ آخِرَ مَا يُرْمَى بِهِ.

لَقَدْ رَوَّعَ الْإِخْوَانُ النَّاسَ، وَأَفْقَدُوهُمْ نِعْمَةَ الْأَمْنِ، وَمِنَّةَ الْأَمَانِ، وَقَدْ أَخْرَجَ التِّرْمِذِيُّ وَابْنُ مَاجَهْ مِنْ رِوَايَةِ ابْنِ مِحْصَنٍ -رَضِيَ اللهُ عَنْهُ- قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللهِ -صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَعَلَى آلِهِ وَسَلَّمَ- : ((مَنْ أَصْبَحَ مِنْكُمْ آمِنًا فِي سِرْبِهِ، مُعَافًى فِي جَسَدِهِ، عِنْدَهُ قُوتُ يَوْمِهِ، فَكَأَنَّمَا حِيزَتْ لَهُ الدُّنْيَا بِحَذَافِيرِهَا)). وَقَدْ حَسَّنَهُ الْأَلْبَانِيُّ فِي غَيْرِ مَوْضِعٍ.

وَقَوْلُهُ -صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَعَلَى آلِهِ وَسَلَّمَ- : ((مَنْ أَصْبَحَ مِنْكُمْ آمِنًا فِي سِرْبِهِ)) رُوِيَ: ((مَنْ أَصْبَحَ مِنْكُمْ آمِنًا فِي سَرْبِهِ))، وَأَيْضًا: ((مَنْ أَصْبَحَ مِنْكُمْ آمِنًا فِي سَرَبِهِ)).

فَأَمَّا قَوْلُهُ -صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَعَلَى آلِهِ وَسَلَّمَ- : ((مَنْ أَصْبَحَ مِنْكُمْ آمِنًا فِي سِرْبِهِ))؛ أَيْ: فِي نَفْسِهِ.

وَقَوْلُهُ: ((مَنْ أَصْبَحَ مِنْكُمْ آمِنًا فِي سَرْبِهِ))؛ أَيْ: فِي مَسْلَكِهِ.

وَ((فِي سَرَبِهِ))؛ أَيْ: فِي بَيْتِهِ.

فَذَكَرَ النَّبِيُّ -صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَعَلَى آلِهِ وَسَلَّمَ- نِعْمَةَ الْأَمْنِ الَّتِي امْتَنَّ اللهُ بِهَا عَلَى عَبْدِهِ، وَبَدَأَ بِهَا النَّبِيُّ -صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَعَلَى آلِهِ وَسَلَّمَ- فِيمَا ذَكَرَهُ وَعَدَّدَهُ مِنَ النِّعَمِ الْعَظِيمَةِ وَالْمِنَنِ الْجَسِيمَةِ الَّتِي إِذَا أَنْعَمَ اللهُ تَعَالَى بِهَا عَلَى عَبْدٍ وَامْتَنَّ عَلَيْهِ بِهَا، فَكَأَنَّمَا حِيزَتْ -أَيْ: جُمِعَتْ- لَهُ الدُّنْيَا بِحَذَافِيرِهَا -أَيْ: مِنْ جَمِيعِ أَقْطَارِهَا، عَلَى جَمِيعِ صُوَرِ نِعَمِهَا، وَتَنُوِّعِ أَشْكَالِ مِنَنِهَا-.

وَبَدَأَ النَّبِيُّ -صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَعَلَى آلِهِ وَسَلَّمَ- بِنِعْمَةِ الْأَمْنِ عَلَى عَبْدِهِ فِي بَدَنِهِ، وَفِي مَسْلَكِهِ، وَفِي بَيْتِهِ، وَفِي وَطَنِهِ، بَدَأَ بِهَا الرَّسُولُ -صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَعَلَى آلِهِ وَسَلَّمَ- ؛ لِأَنَّ نِعْمَةَ الْأَمَانِ عَلَى الْإِنْسَانِ مِنْ أَجَلِّ نِعَمِ اللهِ الرَّحِيمِ الرَّحْمَنِ عَلَى الْعَبْدِ فِي هَذِهِ الْحَيَاةِ الدُّنْيَا.

فَذَكَرَ رَسُولُ اللهِ -صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَعَلَى آلِهِ وَسَلَّمَ- أَوَّلَ مَا ذَكَرَ هَذِهِ النِّعْمَةَ الْعَظِيمَةَ؛ أَنْ يَكُونَ الْإِنْسَانُ آمِنًا فِي نَفْسِهِ، لَا يُقْلِقُهُ خَوْفٌ وَلَا يُزْعِجُهُ؛ لِأَنَّ الْخَوْفَ يُدَمِّرُ النَّفْسَ الْإِنْسَانِيَّةَ تَدْمِيرًا، فَلَا يَأْتِي مِنْهَا مَعَ الْخَوْفِ خَيْرٌ أَبَدًا.

وَقَدْ سُئِلَ أَحَدُ الْعُلَمَاءِ: الْأَمْنُ أَهَمُّ لِلْإِنْسَانِ أَمِ الصِّحَّةُ؟!

فَقَالَ: الْأَمْنُ أَهَمُّ لِلْإِنْسَانِ مِنَ الصِّحَّةِ، وَالدَّلِيلُ عَلَى ذَلِكَ أَنَّ شَاةً لَوْ كُسِرَتْ ذِرَاعُهَا فَإِنَّهَا تُحْجِمُ عَنِ الطَّعَامِ وَالشَّرَابِ مُدَّةً مِنَ الزَّمَانِ، ثُمَّ تُقْبِلُ عَلَيْهِمَا بَعْدُ، وَتَصِحُّ مِمَّا أَصَابَهَا، وَلَوْ أَنَّا ارْتَبَطْنَا تِلْكَ الشَّاةَ بِجِوَارِ ذِئْبٍ قَدْ رَبَطْنَاهُ بِحَيْثُ تَرَاهُ، فَإِنَّ الْخَوْفَ يَمْنَعُهَا حِينَئِذٍ عَنِ الطَّعَامِ وَالشَّرَابِ حَتَّى تَهْلِكَ.

وَهَذَا يَدُلُّ عَلَى أَنَّ الْخَوْفَ مُدَمِّرٌ، وَأَنَّهُ يُتَبِّرُ الْأَحْيَاءَ تَتْبِيرًا، وَأَنَّ الْأَمَانَ أَهَمُّ لِلْإِنْسَانِ مِنَ الصِّحَّةِ وَمُقَدَّمٌ عَلَيْهَا.

لَقَدْ ذَكَرَ النَّبِيُّ -صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَعَلَى آلِهِ وَسَلَّمَ- نِعْمَةَ الْأَمَانِ مِنَ اللهِ تَعَالَى عَلَى الْإِنْسَانِ فِي رُبُوعِ الْأَوْطَانِ، وَهِيَ مِنْ أَجَلِّ نِعَمِ الرَّحِيمِ الرَّحْمَنِ.

قَالَ -صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَعَلَى آلِهِ وَسَلَّمَ- : ((مَنْ أَصْبَحَ مِنْكُمْ آمِنًا فِي سِرْبِهِ، مُعَافًى فِي بَدَنِهِ، عِنْدَهُ قُوتُ يَوْمِهِ، فَكَأَنَّمَا حِيزَتْ لَهُ الدُّنْيَا بِحَذَافِيرِهَا)).

لَا بَأْسَ عَلَيْهِ بَعْدُ إِذَا فَقَدَ شَيْئًا أَوْ لَمْ يُحَصِّلْهُ، أَوْ إِذَا فَاتَهُ أَمْرٌ فَلَمْ يُدْرِكْهُ، لَا بَأْسَ عَلَيْهِ مَا دَامَ قَدْ آتَاهُ اللهُ تَعَالَى الْأَمْنَ فِي النَّفْسِ، وَالْأَمْنَ فِي الْبَيْتِ، وَالْأَمْنَ فِي الْوَطَنِ، وَالْأَمْنَ فِي الْمَسْلَكِ وَالطَّرِيقِ، وَآتَاهُ اللهُ تَعَالَى مَطْعَمًا يَغْذُوهُ اللهُ -تبارك وتعالى- بِهِ فِي لَيْلِهِ وَفِي صَبَاحِهِ.

((مَنْ أَصْبَحَ مِنْكُمْ آمِنًا فِي سِرْبِهِ، مُعَافًى فِي بَدَنِهِ)) فَقَدَّمَ الْأَمْنَ عَلَى  الصِّحَّةِ، ((عِنْدَهُ قُوتُ يَوْمِهِ، فَكَأَنَّمَا حِيزَتْ لَهُ الدُّنْيَا بِحَذَافِيرِهَا)).

وَاللَّهُ -جَلَّ وَعَلَا- ذَكَرَ دُعَاءَ خَلِيلِهِ إِبْرَاهِيمَ -عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ- إِذْ قَالَ: {رَبِّ اجْعَلْ هَذَا الْبَلَدَ آمِنًا وَاجْنُبْنِي وَبَنِيَّ أَنْ نَعْبُدَ الْأَصْنَامَ}، فَبَدَأَ بِطَلَبِ هَذِهِ النِّعْمَةِ الْجَلِيلَةِ وَهِيَ أَنْ يَجْعَلَ اللهُ تَعَالَى الْبَلَدَ الْحَرَامَ بَلَدًا آمِنًا، وَقَدَّمَ ذِكْرَ هَذِهِ النِّعْمَةِ بِطَلَبِهَا؛ لِعَظِيمِ خَطَرِهَا، وَلِجَلِيلِ أَثَرِهَا، وَلِأَنَّهُ مَعَ الْخَوْفِ لَا يَصِحُّ لِلْإِنْسَانِ أَمْرٌ، لَا يَسْتَقِيمُ لَهُ طَلَبٌ فِي مَصْلَحَةٍ يَطْلُبُهَا فِي دُنْيَا وَلَا فِي دِينٍ.

وَقَدِ اسْتَجَابَ اللهُ -تبارك وتعالى- دُعَاءَ الْخَلِيلِ -عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ- فَجَعَلَ حَرَمًا آمِنًا، وَامْتَنَّ اللهُ تَعَالَى عَلَيْهِمْ بِأَمْنِهِ، {أَوَلَمْ يَرَوْا أَنَّا جَعَلْنَا حَرَمًا آمِنًا وَيُتَخَطَّفُ النَّاسُ مِنْ حَوْلِهِمْ أَفَبِالْبَاطِلِ يُؤْمِنُونَ وَبِنِعْمَةِ اللهِ يَكْفُرُونَ}.

فَعَجَّبَ اللهُ تَعَالَى مِنْ أَمْرِهِمْ وَمِنْ سُلُوكِهِمْ وَمِنْ رِدَّةِ فِعْلِهِمْ؛ إِذْ قَابَلُوا هَذِهِ النِّعْمَةَ الْعَظِيمَةَ بِجُحُودِهَا وَكُفْرِهَا، وَكَفَرُوا بِاللَّهِ -جَلَّ وَعَلَا- الَّذِي جَعَلَهُمْ آمِنِينَ عَلَى قِلَّةِ الْعَدَدِ، وَعَلَى قِلَّةِ الْعَتَادِ وَالْعُدَدِ، مَعَ كَثْرَةِ مَنْ حَوْلَهُمْ مِمَّنْ يَنُوشُهُمْ، وَلَكِنْ أَنْعَمَ اللهُ -تبارك وتعالى- عَلَيْهِمْ بِالْبَيْتِ الَّذِي جَعَلَهُ مَثَابَةً لِلنَّاسِ وَأَمْنًا، وَأَنْعَمَ اللهُ تَعَالَى عَلَيْهِمْ بِسَبَبِ هَذَا الْبَيْتِ، وَبِالنَّبِيِّ -صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَعَلَى آلِهِ وَسَلَّمَ- الَّذِي يَبْعَثُهُ دَاعِيًا إِلَى اللهِ تَعَالَى مِنْهُ.

أَنْعَمَ اللهُ تَعَالَى عَلَيْهِمْ بِهَذَا كُلِّهِ، وَدَلَّهُمْ عَلَى الْمَسْلَكِ الْأَرْشَدِ، وَأَنَّهُمْ يَنْبَغِي عَلَيْهِمْ أَنْ يُقَابِلُوا أَنْعُمَ اللهِ تَعَالَى بِشُكْرِهَا، وَأَنَّ نِعْمَةَ أَمْنِهِمْ فِي وَطَنِهِمْ فِي الْوَقْتِ الَّذِي يُتَخَطَّفُ فِيهِ النَّاسُ مِنْ حَوْلِهِمْ، وَتَسْتَعِرُ الْحُرُوبُ بَيْنَ الْقَبَائِلِ تَدُومُ عُقُودًا مِنَ الزَّمَانِ لِأَتْفَهِ الْأَسْبَابِ، وَهُمْ آمِنُونَ مَعَ ذَلِكَ فِي رِحْلَتَيْهِمْ إِلَى الشَّمَالِ وَإِلَى الْجَنُوبِ؛ لِأَنَّ اللهَ تَعَالَى جَعَلَ الْقُلُوبَ مُنْصَبَّةً إِلَى هَذَا الْبَيْتِ الْآمِنِ الْحَرَامِ، فَكَانَتْ جَمِيعُ الْقَبَائِلِ تَرْهَبُ جَانِبَهُمْ، وَتَرْعَى حَقَّهُمْ رِعَايَةً لِلْبَيْتِ الَّذِي أَنْعَمَ اللهُ تَعَالَى عَلَيْهِمْ بِجِوَارِهِ، فَذَكَرَ اللهُ تَعَالَى هَذِهِ النِّعْمَةَ، وَعَجَّبَ مِنْ رِدَّةِ فِعْلِهِمْ عَلَى نِعَمِ اللهِ عَلَيْهِمْ.

{أَوَلَمْ يَرَوْا} هَذَا الِاسْتِفْهَامُ لِلتَّعَجُّبِ وَالِاسْتِنْكَارِ.

{أَوَلَمْ يَرَوْا أَنَّا جَعَلْنَا حَرَمًا آمِنًا وَيُتَخَطَّفُ النَّاسُ مِنْ حَوْلِهِمْ}، وَقَوْلُهُ -جَلَّ وَعَلَا- {وَيُتَخَطَّفُ النَّاسُ مِنْ حَوْلِهِمْ} مَعَ التَّضْعِيفِ وَالزِّيَادَةِ فِي الْفِعْلِ لِلدَّلَالَةِ عَلَى الزِّيَادَةِ فِيمَا يَقَعُ مِنَ الْفِعْلِ، فَفِي هَذَا دَلَالَةٌ عَلَى مَا كَانَتْ تَمُوجُ بِهِ الْجَزِيرَةُ حَوْلَهُمْ مِنَ الِاضْطِرَابَاتِ وَالْقَلَاقِلِ وَالْفِتَنِ وَالتَّقَاتُلِ، وَمَعَ ذَلِكَ كَانُوا مِنْ ذَلِكَ كُلِّهِ آمِنِينَ.

{أَوَلَمْ يَرَوْا أَنَّا جَعَلْنَا حَرَمًا آمِنًا وَيُتَخَطَّفُ النَّاسُ مِنْ حَوْلِهِمْ أَفَبِالْبَاطِلِ يُؤْمِنُونَ وَبِنِعْمَةِ  اللهِ يَكْفُرُونَ} فَعَجَّبَ -جَلَّ وَعَلَا- مِنْ عَدَمِ رِعَايَتِهِمْ لِهَذِهِ النِّعْمَةِ الْجَلِيلَةِ، وَهُوَ تَعْجِيبٌ مِنْ كُلِّ مَا شَابَهَهُمْ فِي هَذَا الْحَالِ، أَوْ صَارَ أَمْرُهُ  إِلَى هَذَا الْمَآلِ.

لِأَنَّ الْإِنْسَانَ إِذَا أَلِفَ النِّعْمَةَ، لَمْ يَرْعَ حَقَّهَا، وَلَمْ يَلْتَفِتْ إِلَيْهَا، بَلْ لَمْ يَعُدَّهَا نِعْمَةً، وَرُبَّمَا ثَقُلَتْ عَلَيْهِ النِّعْمَةُ حَتَّى عَدَّهَا نِقْمَةً، هَذَا مَعْرُوفٌ فِي وَاقِعِ النَّاسِ؛ لِأَنَّ إِلْفَ الْعَادَةِ يُؤَدِّي بَعْدَ حِينٍ إِلَى نُكْرَانِ النِّعْمَةِ وَجُحُودِهَا.

فَمَا مِنْ إِنْسَانٍ يَلْتَفِتُ إِلَى أَنَّهُ يَمْضِي فِي الطَّرِيقِ آمِنًا، لَا يَهِيجُهُ أَحَدٌ، وَلَا يَغْتَصِبُ لَهُ مَالًا، لَا يَعْدُو عَلَيْهِ بِأَذًى، وَيَبِيتُ فِي بَيْتِهِ، لَا يَجِدُ أَحَدًا يَعْتَدِي عَلَيْهِ، وَلَا يَجِدُ مَنْ يَهِيجُهُ، وَلَا مَنْ يَظْلِمُهُ، إِذَا مَا كَانَ ذَلِكَ كَذَلِكَ وَأَلِفَهُ النَّاسُ، فَإِنَّهُمْ لَا يَعُدُّونَهُ نِعْمَةً، فَإِذَا فَقَدُوهُ عَلِمُوا أَنَّ اللهَ -تبارك وتعالى- لَمَّا جَحَدُوا نِعْمَتَهُ، وَلَمْ يَشْكُرُوهُ عَلَيْهَا سَلَبَهَا مِنْهُمْ، وَحِينَئِذٍ يَعْرِفُونَ قَدْرَهَا.

فَالصِّحَةُ يُؤْتِيهَا اللهُ تَعَالَى عِبَادَهُ، فَيَأْلَفُونَ تِلْكَ النِّعْمَةَ الْوَاصِلَةَ إِلَيْهِمْ مِنْ رَبِّهِمْ، وَلَا يُدْرِكُونَ قَدْرَهَا، وَلَا يُحِسُّونَ بِهَا إِلَّا حِينَ فَقْدِهَا، وَهَذَا مِنْ لُؤْمِ النَّفْسِ وَخُبْثِ طَبْعِهَا.

فَعَجَّبَ تَعَالَى مِنْ حَالِ هَؤُلَاءِ إِذْ أَلِفُوا نِعْمَةَ الْأَمْنِ عَلَيْهِمْ فَجَحَدُوهَا، وَكَانَ يَجِبُ عَلَيْهِمْ إِذْ جَعَلَ تَعَالَى لَهُمُ الْبَيْتَ الَّذِي رَفَعَ أَرْكَانَهُ وَدَعَائِمَهُ وَأَقَامَ بُنْيَانَهُ إِبْرَاهِيمُ وَإِسْمَاعِيلُ، جَعَلَهُ آمِنًا، وَجَعَلَهُمْ مُصْطَفَيْنِ مِنْ جِوَارِهِ وَسُكَّانِهِ أَنْ يَكُونُوا شَاكِرِينَ لِلَّهِ رَبِّ الْعَالَمِينَ بِتَوْحِيدِهِ، وَبِتَطْهِيرِ الْبَيْتِ الْحَرَامِ مِنْ جَمِيعِ الْأَوْثَانِ وَالْأَصْنَامِ، وَلَكِنَّهُمْ لَمْ يَفْعَلُوا، وَكَفَرُوا نِعْمَةَ اللهِ تَعَالَى وَجَحَدُوهَا، وَكَذَلِكَ يَصْنَعُ النَّاسُ!

احْذَرُوا إِلْفَ النِّعْمَةِ، فَإِنَّهَا تُعَدُّ عِنْدَ مَنْ أَلِفَهَا نِقْمَةً، فَإِنَّهُ رُبَّمَا وَدَّ بَاطِنًا لَوْ زَالَتْ عَنْهُ، وَالدَّلِيلُ عَلَى ذَلِكَ أَنَّ اللهَ سُبْحَانَهُ لَمَّا ذَكَّرَ سَبَأً بِنِعْمَتِهِ، ذَكَرَ فِي سِيَاقِ مَا عَدَّدَ مِنَ النِّعَمِ عَلَيْهِمْ قَوْلَهُ: {وَجَعَلْنَا بَيْنَهُمْ وَبَيْنَ الْقُرَى الَّتِي بَارَكْنَا فِيهَا قُرًى ظَاهِرَةً وَقَدَّرْنَا فِيهَا السَّيْرَ سِيرُوا فِيهَا لَيَالِيَ وَأَيَّامًا آمِنِينَ}.

فَكَانُوا يَخْرُجُونَ مِنَ الْيَمَنِ إِلَى الشَّامِ يَرَوْنَ الْقُرَى الظَّاهِرَةَ، يَرَوْنَهَا لَائِحَةً بَادِيَةً ظَاهِرَةً، فَلَا يُدْرِكُ أَحَدًا مِنْهُمْ نَصَبٌ، وَلَا يَحِلُّ بِهِ تَعَبٌ حَتَّى يَكُونَ قَدْ نَزَلَ قَرْيَةً مِنْ تِلْكَ الْقُرَى الظَّاهِرَةِ، وَجَعَلَهَا اللهُ -تَبَارَكَ وَتَعَالَى- مَعَ ذَلِكَ آمِنَةً، وَقَدَّرَ اللهُ تَعَالَى فِيهَا السَّيْرَ.

{سِيرُوا فِيهَا لَيَالِيَ وَأَيَّامًا آمِنِينَ}، وَقَدَّمَ سُبْحَانَهُ ذِكْرَ اللَّيَالِي عَلَى الْأَيَّامِ، وَإِذَا اجْتَمَعَا كَمَا هُوَ مَعْلُومٌ أَفَادَا اللَّيْلَ وَالنَّهَارَ، فَقَدَّمَ اللهُ تَعَالَى ذِكْرَ اللَّيْلِ عَلَى النَّهَارِ.

ثُمَّ ذَكَرَ مَا فِي هَذَيْنِ مِنَ الْأَمْنِ وَالْأَمَانِ، وَمِنَ الِاطْمِئْنَانِ، لِكَيْ يَدُلَّ اللهُ عَلَى أَنَّ اللَّيْلَ الَّذِي هُوَ مَظِنَّةُ الْمَخَافَةِ وَالْخَوْفِ، وَالَّذِي تَجْتَالُ فِيهِ الظُّنُونُ الْعُقُولَ، وَتَعْبَثُ فِيهِ النُّفُوسُ وَالْأَرْوَاحُ مِنْ كُلِّ شِرِّيرٍ وَشِرِّيرَةٍ بِكُلِّ آمِنٍ وَآمِنَةٍ.

إِنَّ اللهَ تَعَالَى جَعَلَ تِلْكَ اللَّيَالِيَ بِالْمَسِيرِ فِيهَا آمِنَةً مُطْمَئِنَّةً، فَنَعَّمَ اللهُ زج أُولَئِكَ بِالْأَمْنِ وَالْأَمَانِ، وَالرَّغَدِ وَالِاطْمِئْنَانِ.

وَقَدَّمَ تَعَالَى فِي الْمَثَلِ الَّذِي ضَرَبَهُ ذِكْرَ الْأَمَانِ عَلَى ذِكْرِ الرِّزْقِ، فَقَالَ -جَلَّ وَعَلَا-: {وَضَرَبَ اللهُ مَثَلًا قَرْيَةً كَانَتْ آمِنَةً مُطْمَئِنَّةً يَأْتِيهَا رِزْقُهَا رَغَدًا مِنْ كُلِّ مَكَانٍ فَكَفَرَتْ بِأَنْعُمِ اللهِ فَأَذَاقَهَا اللهُ لِبَاسَ الْجُوعِ وَالْخَوْفِ بِمَا كَانُوا يَصْنَعُونَ}.

{كَانَتْ آمِنَةً مُطْمَئِنَّةً}، فَذَكَرَ الْأَمْنَ وَالِاطْمِئْنَانَ.

{يَأْتِيهَا رِزْقُهَا رَغَدًا مِنْ كُلِّ مَكَانٍ}، فَقَدَّمَ ذِكْرَ الْأَمْنِ عَلَى ذِكْرِ الرِّزْقِ.

فَلَمَّا كَفَرُوا بِنِعْمَةِ اللهِ عَلَيْهِمْ بِجُحُودِهَا وَنُكْرَانِهَا، وَقَدْ أَنْعَمَ سُبْحَانَهُ عَلَيْهِمْ بِالْأَمَانِ وَالِاطْمِئْنَانِ وَبِالرِّزْقِ الرَّغَدِ يَأْتِيهِمْ مِنْ كُلِّ مَكَانٍ، فَكَفَرَتْ بِأَنْعُمِ اللهِ، فَأَذَاقَهَا اللهُ لِبَاسَ الْجُوعِ وَالْخَوْفِ بِمَا كَانُوا يَصْنَعُونَ؛ لِأَنَّ الْأَمْنَ وَالْأَمَانَ، وَلِأَنَّ الرِّزْقَ يَأْتِي رَغَدًا مِنْ كُلِّ مَكَانٍ، فَيَنْبَغِي أَنْ يُشْكَرَ، فَهَذِهِ مِنْ نِعَمِ اللهِ -تَبَارَكَ وَتَعَالَى- عَلَى الْعَبْدِ، وَنِعْمَةُ اللهِ -تَبَارَكَ وَتَعَالَى- عَلَى الْعَبْدِ لَا تُقَيَّدُ وَلَا تَدُومُ إِلَّا بِشُكْرِ اللهِ تَعَالَى.

فَلَمَّا كَفَرُوا بِتِلْكَ النِّعْمَةِ الْعَظِيمَةِ -نِعْمَةِ الْأَمْنِ، وَالرِّزْقِ الرَّغَدِ يَأْتِي مِنْ كُلِّ مَكَانٍ- سَلَبَهُمُ اللهُ -تَبَارَكَ وَتَعَالَى- النِّعْمَتَيْنِ مَعًا.

ثُمَّ أَذَاقَهُمُ اللهُ -جَلَّ وَعَلَا- لِبَاسَ الْجُوعِ وَالْخَوْفِ يُحِيطُ بِأَجْسَادِهِمْ وَأَرْوَاحِهِمْ، فَأَمَّا الْجُوعُ فَإِنَّهُ يَطْحَنُ مَعِدَاتِهِمْ وَأَجْسَادِهِمْ طَحْنًا، وَأَمَّا الْخَوْفُ فَإِنَّهُ يَفْرِي أَرْوَاحَهُمْ وَنُفُوسَهُمْ فَرْيًا.

أَتَاهُمُ النَّكَالُ وَالْعَذَابُ مِنْ كُلِّ صَوْبٍ، وَأَحَاطَ بِهِمْ آتِيًا مِنْ كُلِّ حَدَبٍ، لَا يَظْلِمُ رَبُّكَ أَحَدًا، وَلَوْ شَكَرُوا نِعْمَةَ اللهِ عَلَيْهِمْ، لَقَيَّدُوهَا لَدَيْهِمْ، وَحِينَئِذٍ يُبْقِي اللهُ تَعَالَى عَلَيْهِمْ مَا أَنْعَمَ عَلَيْهِمْ بِهِ، وَيَزِيدُهُمْ مِنْهُ، وَهِيَ سُنَّتُهُ تَعَالَى فِي خَلْقِهِ؛ أَنَّهُمْ إِذَا أُنْعِمَ عَلَيْهِمْ فَشَكَرُوا اللهَ تَعَالَى زَادَهُمْ، وَإِذَا أُنْعِمَ عَلَيْهِمْ فَجَحَدُوا نِعْمَةَ اللهِ وَكَفَرُوهَا سَلَبَهَا وَأَزَالَهَا عَنْهُمْ.

فَهَذِهِ سُنَّةُ اللهِ فِي الْأَفْرَادِ، وَفِي الْمُجْتَمَعَاتِ: أَنَّ النِّعْمَةَ لَا تَدُومُ إِلَّا بِشُكْرِهَا، وَأَنَّ النِّعْمَةَ تَزُولُ بِجَحْدِهَا وَكُفْرِهَا.

فَإِذَا كَانَ الْإِنْسَانُ لَا يَعْرِفُ النِّعْمَةَ، وَالنَّاسُ أَعْدَاءُ مَا جَهِلُوا، إِذَا كَانَ الْإِنْسَانُ لَا يَعُدُّ النِّعْمَةَ نِعْمَةً، فَإِنَّهُ حِينَئِذٍ لَا يُظَنُّ بِحَالٍ أَنْ يَقُومَ هَذَا بِشُكْرِهَا؛ إِذْ هُوَ جَاهِلٌ بِهَا أَوْ هُوَ جَاحِدٌ لَهَا، بَلْ هُوَ  كَافِرٌ بِكَوْنِهَا نِعْمَةً، بَلْ رُبَّمَا عَدَّهَا نِقْمَةً.

إِذَا كَانَ النَّاسُ فِي أَوْطَانِهِمْ آمِنِينَ؛ تَسِيرُ الظَّعِينَةُ مِنْ أَسْوَانَ إِلَى رَأْسِ الْبَرِّ لَا تَخْشَى إِلَّا اللهَ وَالذِّئْبَ عَلَى غَنَمِهِ، إِذَا كَانَ النَّاسُ فِي وَطَنِهِمْ آمِنِينَ، ثُمَّ لَا يُرَاعُونَ هَذِهِ النِّعْمَةَ، لَا يَقْدُرُونَهَا قَدْرَهَا، وَيَعْبَثُونَ بِهَا، وَيَكْفُرُونَهَا جَاحِدِينَ إِيَّاهَا، فَإِنَّ اللهَ زج يَسْلُبُهُمْ تِلْكَ النِّعْمَةَ، وَيُذِيقُهُمْ لِبَاسَ الْخَوْفِ يَتَلَدَّدُونَ؛ يَخْشَوْنَ عَلَى أَعْرَاضِهِمْ، وَيَخْشَوْنَ عَلَى أَنْفُسِهِمْ وَأَرْوَاحِهِمْ، وَيَخْشَوْنَ عَلَى ثَرْوَاتِهِمْ وَدِيَارِهِمْ، تُقْطَعُ سُبُلُهُمْ، وَتُزْهَقُ أَرْوَاحُهُمْ، وَتُسْلَبُ ثَرْوَاتُهُمْ، وَتُحْرَقُ بُيُوتُهُمْ، تَحْدُثُ الْفَوْضَى الْعَامَّةُ نَسْأَلُ اللهَ الْعَافِيَةَ.

الْإِنْسَانُ مَدَنِيٌّ بِالطَّبْعِ؛ بِمَعْنَى أَنَّهُ لَا يُمْكِنُ أَنْ يَحْيَا وَحْدَهُ، الْإِنْسَانُ مَخْلُوقٌ بِفِطْرَةٍ مَغْرُوزَةٍ فِيهِ، هِيَ أَنَّهُ: لَا يُمْكِنُ أَنْ يَحْيَا وَحْدَهُ، لَا أَنْ يَسْتَغْنِيَ عَنْ إِخْوَانِهِ مِنْ بَنِي الْبَشَرِ، الْإِنْسَانُ مَدَنِيٌّ بِالطَّبْعِ.

فَإِذَا كَانَ ذَلِكَ كَذَلِكَ، فَإِنَّ الشَّرْعَ الْأَغَرَّ قَدْ حَدَّدَ الْعَلَاقَاتِ بَيْنَ الْإِنْسَانِ وَأَخِيهِ، وَحَدَّدَ الْعَلَاقَةَ بَيْنَ الْإِنْسَانِ وَمُجْتَمَعِهِ، فَإِذَا لَمْ يَعْرِفِ الْإِنْسَانُ دِينَ رَبِّهِ، فَإِنَّهُ حِينَئِذٍ لَا يُمْكِنُ أَنْ يُؤَدِّيَ عَلَيْهِ حَقَّهُ، وَلَا يُمْكِنُ أَنْ يَعْرِفَ وَاجِبَهُ؛ لِأَنَّهُ يَكُونُ جَاهِلًا مُتَخَبِّطًا، وَرُبَّمَا زَيَّنَ لَهُ الشَّيْطَانُ سَبِيلَ الْغِوَايَةِ يَظُنُّهَا إِحْسَانًا، وَحِينَئِذٍ يَسْلُكُ سُبُلَ الْغِوَايَةِ وَيَجْتَنِبُ سَبِيلَ الرَّشَادِ، وَهَذَا مِنَ الْخَطَرِ بِمَكَانٍ.

إِنَّ الْإِنْسَانَ فِي حَالَةِ السِّلْمِ لَهُ مُطْلَقُ الْحُرِّيَّةِ أَنْ يُوقِدَ مِصْبَاحًا عَلَى رَأْسِ بَيْتِهِ فَوْقَ سَطْحِهِ، هَلْ يَلُومُهُ عَلَى ذَلِكَ أَحَدٌ؟! هَلْ يُجَرِّمُهُ قَانُونٌ؟! هَلْ يُحَرِّمُ ذَلِكَ شَرْعٌ؟!

لَهُ أَنْ يُوقِدَهُ مَتَى شَاءَ، وَأَنْ يُطْفِئَهُ مَتَى أَرَادَ، لَا يُرَاجَعُ فِي ذَلِكَ، لَا يُرَاجَعُ إِلَّا إِذَا كَانَ سَفِيهًا مُبَدِّدًا، إِلَّا إِذَا كَانَ مُسْرِفًا لَا يَعْرِفُ أَيْنَ يَضَعُ مَالَهُ وَلَا كَيْفَ يُنْفِقُهُ، وَأَمَّا مَا دُونَ ذَلِكَ فَإِنَّ الْإِنْسَانَ يَكُونُ مُطْلَقَ الْحُرِّيَّةِ فِي أَنْ يَفْعَلَ مَا يَشَاءُ فِي مِثْلِ هَذَا الْأَمْرِ، إِذَا كَانَ الزَّمَانُ زَمَانَ سِلْمٍ، إِذَا كَانَتِ الْحَيَاةُ رَخَاءً، وَالْأَمْرُ يَمْضِي بِلَا عَنَتٍ.

وَأَمَّا فِي لَيْلِ الْغَارَةِ، فَإِنَّ مَنْ أَشْعَلَ عُودَ ثِقَابٍ يُعَدُّ خَائِنًا خِيَانَةً عُظْمَى، يَدُلُّ الْعَدُوَّ عَلَى عَوْرَةِ إِخْوَانِهِ مِنَ الْمُسْلِمِينَ فِي مُجْتَمَعِهِمُ الْمُسْلِمِ، وَيَجْتَلِبُ الدَّمَارَ وَالْخَرَابَ بِهَذَا الْفِعْلِ وَإِنْ بَدَا فِي الْعَيْنِ يَسِيرًا، وَإِنْ لَمْ يَكُنْ فِي حَقِيقَةِ الْأَمْرِ كَبِيرَ الْخَطَرِ وَلَا عَظِيمَ الشَّأْنِ، وَهُوَ يَقُولُ: مَا صَنَعْتُ؟ إِنَّمَا أَشْعَلْتُ عُودَ ثِقَابٍ وَلَمْ أَزِدْ!

لَكِنَّهُ فِي لَيْلِ الْغَارَةِ تُطْلَبُ الْعَوْرَةُ مِنَ الْمُجْتَمَعِ الْمُسْلِمِ، فَإِذَا دَلَّ الْعَدُوَّ عَلَيْهَا يَكُونُ خَائِنًا؛ خَائِنًا لِدِينِهِ، خَائِنًا لِرَبِّهِ، خَائِنًا لِنَبِيِّهِ -صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَعَلَى آلِهِ وَسَلَّمَ- ، خَائِنًا لِلْمُجْتَمَعِ الْمُسْلِمِ، خَائِنًا لِلْوَطَنِ الْإِسْلَامِيِّ، مَنْ قُتِلَ بَعْدُ، وَمَا خُرِّبَ، فَالذَّنْبُ فِيهِ لَاحِقُهُ، كُلُّ ذَلِكَ لِأَنَّهُ أَشْعَلَ عُودَ ثِقَابٍ فِي لَيْلِ الْغَارَةِ؟ نَعَمْ.

هَذَا فِي حَالِ الْخَطَرِ وَالْحَرْبِ، كَذَلِكَ الْعَبَثُ بِأَمْنِ الْوَطَنِ فِي مِثْلِ هَذَا الْوَقْتِ مِنْ كَلِمَةٍ تُقَالُ، أَوْ فِعْلٍ يُفْعَلُ، مِنْ حَرَكَةٍ يَتَحَرَّكُهَا مُتَحَرِّكٌ يَبْغِي بِهَا فِتْنَةً، أَوْ سَكَنَةٍ يَسْكُنُهَا سَاكِنٌ يُرِيدُ بِهَا فِتْنَةً، مِنْ بِنْتِ شَفَةٍ يُلْقِي بِهَا يُرِيدُ فِتْنَةً، هَذَا كَالَّذِي أَوْقَدَ عُودَ الثِّقَابِ فِي لَيْلِ الْغَارَةِ، فَدَلَّ الْعَدُوَّ عَلَى الْعَوْرَةِ، وَدُمِّرَ بِسَبَبِ ذَلِكَ مَا دُمِّرَ، وَقُتِّلَ بِسَبَبِ ذَلِكَ مَنْ قُتِّلَ.

إِنَّ الْوَطَنَ فِي خَطَرٍ، وَكُلُّ عَابِثٍ يَنْبَغِي أَنْ يُؤْخَذَ عَلَى يَدَيْهِ، لَا وَقْتَ لِلْمُهَادَنَةِ، لَا وَقْتَ لِلْهَوَادَةِ.

مَعْشَرَ الْأَفَّاكِينَ، السَّوْطُ فِي الْيَدِ، وَجُلُودُكُمْ لِهَذَا السَّوْطِ قَدْ خُلِقَتْ، أَغْثَيْتُمْ نُفُوسَنَا أَغْثَى اللهُ نُفُوسَكُمُ الْقَلِيلَةَ، لَا هَوَادَةَ بَعْدَ الْيَوْمِ، وَاللَّهُ الْمُسْتَعَانُ، وَعَلَيْهِ التُّكْلَانُ.

لَا تَكُونُوا أَصْحَابَ الْمَنْطِقِ الذُّبَابِيِّ، فَإِنَّ الذُّبَابَ إِذَا رَأَى الْعَسَلَ، قَالَ: مَنْ يُوصِلُنِي إِلَيْهِ وَلَهُ دِرْهَمَانِ. فَإِذَا وَصَلَ إِلَيْهِ فَوَقَعَ فِيهِ، قَالَ: مَنْ يُخْرِجُنِي مِنْهُ وَلَهُ أَرْبَعَةُ دَرَاهِمَ، وَقَدْ كَانَ مَا كَانَ، وَاللَّهُ الْمُسْتَعَانُ.

وَصَلَّى اللهُ وَسَلَّمَ عَلَى نَبِيِّنَا مُحَمَّدٍ وَعَلَى آلِهِ وَأَصْحَابِهِ أَجْمَعِينَ.

 

[الْخُطْبَةُ الثَّانِيَةُ]

الْحَمْدُ لِلَّهِ رَبِّ الْعَالَمِينَ، وَأَشْهَدُ أَنْ لَا إِلَهَ إِلَّا اللهُ وَحْدَهُ لَا شَرِيكَ لَهُ هُوَ يَتَوَلَّى الصَّالِحِينَ، وَأَشْهَدُ أَنَّ مُحَمَّدًا عَبْدُهُ وَرَسُولُهُ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَعَلَى آلِهِ وَسَلَّمَ صَلَاةً وَسَلَامًا دَائِمَيْنِ مُتَلَازِمَيْنِ إِلَى يَوْمِ الدِّينِ.

أَمَّا بَعْدُ:

فَإِنَّ كَثِيرًا مِنَ النَّاسِ لَا يُرَاعِي مَآلَاتِ الْأُمُورِ، وَمَعْلُومٌ أَنَّ الْعَاقِلَ لَيْسَ هُوَ الَّذِي يَعْرِفُ الْخَيْرَ مِنَ الشَّرِّ، فَإِنَّ هَذَا جَعَلَهُ اللهُ تَعَالَى مَرْكُوزًا فِي النَّفْسِ الْإِنْسَانِيَّةِ، بَلْ جَعَلَ اللهُ -تَبَارَكَ وَتَعَالَى- شَيْئًا مِنَ التَّمْيِيزِ بَيْنَ الْخَيْرِ وَالشَّرِّ فِي بَعْضِ النُّفُوسِ الْحَيَوَانِيَّةِ:

فَإِنَّ الْقِطَّةَ إِذَا أَعْطَيْتَهَا مِنَ اللَّحْمِ قِطْعَةً فَإِنَّهَا تَأْكُلُهَا مُمْتَنَّةً لَكَ، مُتَمَسِّحَةً بِكَ، مُظْهِرَةً لِامْتِنَانِهَا لَكَ، وَأَمَّا إِذَا عَدَتْ عَلَى قِطْعَةِ اللَّحْمِ فَاخْتَطَفَتْهَا، فَإِنَّهَا تَجْرِي بِهَا تَذْهَبُ بِهَا بَعِيدًا، كَأَنَّمَا تَعْلَمُ أَنَّهَا أَتَتْ بِجَرِيرَةٍ وَوَقَعَتْ فِي ذَنْبٍ، وَهِيَ غَيْرُ عَاقِلَةٍ، لَا يَبِينُ لَهَا الْحَقُّ مِنَ الْبَاطِلِ.

إِنَّ اللهَ -تَبَارَكَ وَتَعَالَى- جَعَلَ ذَلِكَ قَائِمًا عَلَى وَجْهِهِ فِي النَّفْسِ الْإِنْسَانِيَّةِ، وَجَعَلَهُ مَرْكُوزًا فِيهَا تُمَيِّزُ بِهِ بَيْنَ الْخَيْرِ وَالشَّرِّ، وَبَيْنَ الْهُدَى وَالضَّلَالِ، قَدْ تَفْسُدُ الْفِطْرَةُ فَتَحْتَاجُ إِلَى إِزَالَةِ الْفَاسِدِ وَإِلَى مَحْوِ الْغَبَشِ، وَلَكِنْ عَلَى أَصْلِ الْفِطْرَةِ النَّقِيَّةِ يُمَيِّزُ الْإِنْسَانُ بَيْنَ الْخَيْرِ وَالشَّرِّ.

إِذَنْ؛ فَلَيْسَ الْعَاقِلُ الَّذِي يُمَيِّزُ بَيْنَ الْخَيْرِ وَالشَّرِّ، وَلَكِنَّ الْعَاقِلَ الَّذِي يَعْرِفُ خَيْرَ الْخَيْرَيْنِ حَتَّى يَتَّبِعَهُ، وَشَرَّ الشَّرَّيْنِ حَتَّى يَجْتَنِبَهُ، هَذَا هُوَ الْعَاقِلُ.

الْعَاقِلُ هُوَ الَّذِي إِذَا عَرَضَ شَرَّانِ، نَظَرَ فِي شَرِّهِمَا فَاجْتَنَبَهُ، لَا يَتَوَرَّطُ، بَلْ يَقَعُ فِي أَخَفِّ الضَّرَرَيْنِ، رِعَايَةً لِلْمَصَالِحِ، وَاجْتِنَابًا لِلْمَفَاسِدِ، فَهَذَا هُوَ الْعَاقِلُ حَقًّا.

وَالنَّبِيُّ -صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَعَلَى آلِهِ وَسَلَّمَ- رَاعَى حُقُوقَ الْمُجْتَمَعِ الْمُسْلِمِ كَمَا عَلَّمَهُ اللهُ تَعَالَى، وَعَلَّمَنَا النَّبِيُّ -صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَعَلَى آلِهِ وَسَلَّمَ- أَنَّ هَذَا الْمُجْتَمَعَ لَا يَصْلُحُ وَالنَّاسُ فِيهِ فَوْضَى لَا سَرَاةَ لَهُمْ، لَا يَصْلُحُونَ إِذَا جُهَّالُهُمْ سَادُوا، كَمَا قَالَ النَّبِيُّ -صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَعَلَى آلِهِ وَسَلَّمَ- لِلرَّجُلِ الَّذِي جَاءَ يَسْأَلُ عَنِ السَّاعَةِ، فَأَعْرَضَ عَنْهُ، ثُمَّ أَعْرَضَ عَنْهُ، فَلَمَّا انْتَهَى الْمَجْلِسُ قَالَ: أَيْنَ السَّائِلُ عَنِ السَّاعَةِ؟!

فَقَالَ: أَنَا ذَا يَا رَسُولَ اللهِ.

فَقَالَ النَّبِيُّ -صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَعَلَى آلِهِ وَسَلَّمَ- : ((إِذَا ضُيِّعَتِ الْأَمَانَةُ فَانْتَظِرِ السَّاعَةَ)). أَخْرَجَهُ الْبُخَارِيُّ.

لَمْ يُجِبْهُ النَّبِيُّ -صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَعَلَى آلِهِ وَسَلَّمَ- عَنْ سُؤَالِهِ، وَإِنَّمَا أَجَابَ عَنْ أَمْرٍ آخَرَ؛ لِأَنَّ الْجَوَابَ عَنِ السُّؤَالِ الْأَوَّلِ وَهُوَ (مَتَى السَّاعَةُ) هَذَا فِي غَيْرِ مَقْدُورِهِ، لَا يَعْلَمُ ذَلِكَ إِلَّا اللهُ، كَمَا قَالَ النَّبِيُّ -صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَعَلَى آلِهِ وَسَلَّمَ- لِجِبْرِيلَ -عَلَيْهِ السَّلَامُ-، لَمَّا قَالَ: أَخْبِرْنِي عَنِ السَّاعَةِ. قَالَ: ((مَا الْمَسْئُولُ عَنْهَا بِأَعْلَمَ مِنَ السَّائِلِ)).

فَدَلَّهُ عَلَى مَا يَنْفَعُهُ، مَا تَصْنَعُ بِعِلْمِ السَّاعَةِ وَقَدْ أَخْفَاهَا اللهُ تَعَالَى عَنْ خَلْقِهِ، لَوْ كَانَ ذَلِكَ نَافِعًا إِيَّاهُمْ لَأَعْلَمَهُمُ اللهُ تَعَالَى بِهِ، إِنَّمَا أَخْبَرَهُمْ بِوُقُوعِهَا، وَجَعَلَهُ غَيْبًا لَا يُعْلَمُ، حَتَّى يَجْتَهِدُوا فِي طَلَبِ الْخَيْرِ، حَتَّى يَجِدُّوا فِي الْبُعْدِ عَنِ الشَّرِّ، فَدَلَّهُ النَّبِيُّ -صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَعَلَى آلِهِ وَسَلَّمَ- عَلَى مَا يَنْفَعُهُ، فَقَالَ: ((إِذَا ضُيِّعَتِ الْأَمَانَةُ فَانْتَظِرِ السَّاعَةَ)).

قَالَ: وَكَيْفَ إِضَاعَةُ الْأَمَانَةِ يَا رَسُولَ اللهِ؟!

قَالَ: ((إِذَا وُسِّدَ الْأَمْرُ إِلَى غَيْرِ أَهْلِهِ، فَانْتَظِرِ السَّاعَةَ)).

لَا يَصْلُحُ النَّاسُ فَوْضَى لَا سَرَاةَ لَهُمْ، وَلَا يَصْلُحُونَ أَيْضًا إِذَا جُهَّالُهُمْ سَادُوا، إِذَا كَانَ الَّذِينَ يَتَسَنَّمُونَ ذُرَى مَا يُقَالُ لَهُ (دَعْوَةٌ)، وَيَتَقَدَّمُونَ صُفُوفَ مَنْ يُقَالُ لَهُمْ (دُعَاةٌ)، إِذَا كَانَ الَّذِينَ يُمَضُّونَ اللَّيَالِيَ وَصْلًا بِالْأَسْحَارِ الْعُلَى، بَلِ انْتِظَارًا إِلَى شُرُوقِ الشَّمْسِ، وَهُمْ يُجَاهِدُونَ عَلَى لَوْحَاتِ الْمَفَاتِيحِ أَكْلًا فِي لُحُومِ الْبَشَرِ، وَاغْتِيَابًا لِلْمُسْلِمِينَ، وَتَحْرِيضًا بَيْنَ الْغَافِلِينَ، وَإِثَارَةً لِلْفِتَنِ، إِذَا كَانَ ذَلِكَ كَذَلِكَ، وَلَمْ يُعْقَدْ عَلَى أَيْدِي هَؤُلَاءِ، فَهَذَا هُوَ الْخَطَرُ عَلَى الْأُمَّةِ حَقًّا.

إِنَّ الْمُبْطِلِينَ مَعْلُومُونَ! إِنَّ الْمُبْطِلِينَ مَعْلُومُونَ!

وَإِنَّ الَّذِي يُحَادُّ دِينَ اللهِ رَبِّ الْعَالَمِينَ وَيُفْسِدُ فِي الْأَرْضِ يَنْبَغِي أَنْ يُؤْخَذَ عَلَى يَدِهِ كَمَا قَالَ الرَّسُولُ -صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَعَلَى آلِهِ وَسَلَّمَ- فِي شَأْنِ الْقَوْمِ الَّذِينَ اسْتَهَمُوا فِي سَفِينَةٍ، قَالَ: ((فَلَوْ أَخَذُوا عَلَى أَيْدِيهِمْ لَنَجَوْا وَنَجَوْا جَمِيعًا، وَلَوْ تَرَكُوهُمْ لَغَرِقُوا وَغَرِقُوا جَمِيعًا)).

فَالْهَلَاكُ هُوَ تَرْكُ أُولَئِكَ يَصْنَعُونَ مَا يَصْنَعُونَ.

كَانَ شُعْبَةُ إِذَا مَرَّ بِرَجُلٍ يَرْوِي الْحَدِيثَ عَنِ النَّبِيِّ -صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَعَلَى آلِهِ وَسَلَّمَ- هَدَّدَهُ: لَتَكُفَّنَّ أَوْ لَأَرْفَعَنَّ الْأَمْرَ إِلَى السُّلْطَانِ.

دَعُوكُمْ مِنْ تِلْكَ الْعَوَاطِفِ فَإِنَّهَا لَنْ تُجْدِيَكُمْ شَيْئًا، سَتُدَمِّرُكُمْ، وَتُدَمِّرُ أَبْنَاءَكُمْ، تُدَمِّرُ حَفَدَتَكُمْ، وَتُدَمِّرُ مُسْتَقْبَلَكُمْ، سَتُدَمِّرُ وَطَنَكُمْ، وَالْأُمَّةَ مِنْ خَلْفِهِ، اتَّقُوا اللهَ فِيهِ، اسْتَعِينُوا بِاللَّهِ -تَبَارَكَ وَتَعَالَى- عَلَى الْمُبْطِلِينَ، أَسْأَلُ اللهَ أَنْ يَأْخُذَهُمْ أَجْمَعِينَ، إِنَّهُ تَعَالَى عَلَى كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ.

وَصَلَّى اللهُ وَسَلَّمَ عَلَى نَبِيِّنَا مُحَمَّدٍ وَعَلَى آلِهِ وَأَصْحَابِهِ وَالتَّابِعِينَ لَهُمْ بِإِحْسَانٍ إِلَى يَوْمِ الدِّينِ.

‫2 تعليقات

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى