إصدارات PDFاللغة العربية

نثر كلام أهل الذكر حول مسائل زكاة عيد الفطر PDF الشيخ محمد سعيد رسلان

نَثْرُ كَلَاِم أَهْلِ الذِّكْر

 حَوْلَ مَسَائِلِ

زَكَاةِ عِيدِ الْفِطْر

فَضِيلَةِ الشَّيْخِ الدُّكْتُورِ/

مُحَمَّد سَعِيد رَسْلَان -حَفِظَهُ اللهُ-

تحميل الإصدار PDF

تحميل الإصدار مضغوطًا ZIP


فَإِنَّ اللهَ -تَبَارَكَ وَتَعَالَى- شَرَعَ لَنَا فِي خِتَامِ شَهْرِ رَمَضَانَ أَنْ نُؤَدِّيَ زَكَاةَ الْفِطْرِ قَبْلَ صَلَاةِ الْعِيدِ، وَزَكَاةُ الْفِطْرِ لَهَا حُكْمٌ، وَحِكْمَةٌ، وَجِنْسٌ، وَمِقْدَارٌ، وَوَقْتُ وُجُوبٍ، وَمَكَانُ صَرْفٍ.

فَأَمَّا حُكْمُهَا، فَهِيَ فَرِيضَةٌ فَرَضَهَا رَسُولُ اللهِ -صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَعَلَى آلِهِ وَسَلَّمَ- عَلَى الْمُسْلِمِينَ، وَمَا فَرَضَهُ رَسُولُ اللهِ -صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَعَلَى آلِهِ وَسَلَّمَ- أَوْ أَمَرَ بِهِ فَلَهُ حُكْمُ مَا فَرَضَهُ اللهُ تَعَالَى أَوْ أَمَرَ بِهِ؛ لِأَنَّ الرَّسُولَ -صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَعَلَى آلِهِ وَسَلَّمَ- لَا يَنْطِقُ عَنِ الْهَوَى، وَإِنَّمَا هُوَ مُبَلِّغٌ عَنْ رَبِّهِ -تَبَارَكَ وَتَعَالَى-، وَقَدْ قَالَ اللهُ -جَلَّ وَعَلَا-: {وَمَنْ يُطِعِ الرَّسُولَ فَقَدْ أَطَاعَ اللهَ وَمَنْ تَوَلَّى فَمَا أَرْسَلْنَاكَ عَلَيْهِمْ حَفِيظًا}.

وَقَالَ -جَلَّ وَعَلَا-: {وَمَنْ يُشَاقِقِ الرَّسُولَ مِنْ بَعْدِ مَا تَبَيَّنَ لَهُ الْهُدَى وَيَتَّبِعْ غَيْرَ سَبِيلِ الْمُؤْمِنِينَ نُوَلِّهِ مَا تَوَلَّى وَنُصْلِهِ جَهَنَّمَ وَسَاءَتْ مَصِيرًا}.

فَزَكَاةُ الْفِطْرِ فَرِيضَةٌ فَرَضَهَا اللهُ -تَبَارَكَ وَتَعَالَى- عَلَى لِسَانِ رَسُولِهِ -صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَعَلَى آلِهِ وَسَلَّمَ-، وَقَدْ قَالَ رَبُّنَا -جَلَّ وَعَلَا-: {وَمَا آتَاكُمُ الرَّسُولُ فَخُذُوهُ وَمَا نَهَاكُمْ عَنْهُ فَانْتَهُوا}.

وَزَكَاةُ الْفِطْرِ فَرِيضَةٌ عَلَى الْكَبِيرِ وَالصَّغِيرِ، وَالذَّكَرِ وَالْأُنْثَى، وَالْحُرِّ وَالْعَبْدِ، مِنَ الْمُسْلِمِينَ، فَهِيَ فَرِيضَةٌ عَلَى الرُّءُوسِ، قَالَ عَبْدُ اللهِ بْنُ عُمَرَ -رَضِيَ اللهُ عَنْهُمَا- كَمَا فِي الصَّحِيحَيْنِ: فَرَضَ رَسُولُ اللهِ -صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَعَلَى آلِهِ وَسَلَّمَ- زَكَاةَ الْفِطْرِ مِنْ رَمَضَانَ صَاعًا مِنْ تَمْرٍ، أَوْ صَاعًا مِنْ شَعِيرٍ، عَلَى الْعَبْدِ وَالْحُرِّ، وَالذَّكَرِ وَالْأُنْثَى، وَالصَّغِيرِ وَالْكَبِيرِ مِنَ الْمُسْلِمِينَ.

وَهَلْ تَجِبُ عَلَى الْحَمْلِ فِي الْبَطْنِ أَوْ لَا تَجِبُ؟!

لَا تَجِبُ عَنِ الْحَمْلِ الَّذِي فِي الْبَطْنِ إِلَّا أَنْ يَتَطَوَّعَ بِهَا، فَلَا بَأْسَ حِينَئِذٍ؛ يَعْنِي: إِذَا تَطَوَّعَ وَلِيُّهُ عَنْهُ، فَأَخْرَجَ زَكَاةَ الْفِطْرِ عَنِ الْحَمْلِ الَّذِي فِي الْبَطْنِ، فَلَا بَأْسَ، فَقَدْ كَانَ أَمِيرُ الْمُؤْمِنِينَ عُثْمَانُ -رَضِيَ اللهُ عَنْهُ- يُخْرِجُهاَ عَنِ الْحَمْلِ.

وَيَجِبُ إِخْرَاجُ زَكَاةِ الْفِطْرِ عَنْ نَفْسِهِ، وَكَذَلِكَ عَمَّنْ تَلْزَمُهُ مَئُونَتُهُ مِنْ زَوْجَةٍ أَوْ قَرِيبٍ إِذَا لَمْ يَسْتَطِيعُوا إِخْرَاجَهَا عَنْ أَنْفُسِهِمْ، فَإِنِ اسْتَطَاعُوا فَالْأَوْلَى أَنْ يُخْرِجُوهَا عَنْ أَنْفُسِهِمْ؛ لِأَنَّهُمُ الْمُخَاطَبُونَ بِهَا أَصْلًا.

فَإِذَا كَانَتِ الْمَرْأَةُ ذَاتَ مَالٍ، فَالْأَوْلَى أَنْ تُخْرِجَ هِيَ زَكَاةَ الْفِطْرِ عَنْ نَفْسِهَا مِنْ مَالِهَا؛ لِأَنَّهَا مُخَاطَبَةٌ بِهَا أَصْلًا.

وَلَا تَجِبُ إِلَّا عَلَى مَنْ وَجَدَهَا فَاضِلَةً زَائِدَةً عَمَّا يَحْتَاجُهُ مِنْ نَفَقَةِ يَوْمِ الْعِيدِ وَلَيْلَتِهِ، فَإِنْ لَمْ يَجِدْ إِلَّا أَقَلَّ مِنْ صَاعٍ، أَخْرَجَهُ. يَعْنِي: إِنْ لَمْ يَجِدْ إِلَّا أَقَلَّ مِنْ صَاعٍ فَاضِلًا زَائِدًا عَنْ حَاجَتِهِ وَنَفَقَتِهِ يَوْمَ الْعِيدِ وَلَيْلَتِهِ، أَخْرَجَ أَقَلَّ مِنَ الصَّاعِ وَالْوَاجِبُ عَلَيْهِ صَاعٌ، فَيُخْرِجُ حِينَئِذٍ مَا يَجِدُ؛ لِقَوْلِ اللهِ -تَبَارَكَ وَتَعَالَى-: {فَاتَّقُوا اللهَ مَا اسْتَطَعْتُمْ}، وَلِقَوْلِ النَّبِيِّ -صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَعَلَى آلِهِ وَسَلَّمَ-: ((إِذَا أَمَرْتُكُمْ بِأَمْرٍ فَائْتُوا مِنْهُ مَا اسْتَطَعْتُمْ)). وَالْحَدِيثُ فِي الصَّحِيحَيْنِ.

فَهَذَا حُكْمُ زَكَاةِ الْفِطْرِ: وَاجِبَةٌ وَفَرِيضَةٌ، فَرَضَهَا رَسُولُ اللهِ -صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَعَلَى آلِهِ وَسَلَّمَ- عَلَى الْمُسْلِمِينَ، وَهِيَ وَاجِبَةٌ وَفَرِيضَةٌ عَلَى الْكَبِيرِ وَالصَّغِيرِ وَالذَّكَرِ وَالْأُنْثَى وَالْحُرِّ وَالْعَبْدِ مِنَ الْمُسْلِمِينَ، يُخْرِجُهَا عَنْ نَفْسِهِ وَعَمَّنْ تَلْزَمُهُ مَئُونَتُهُ مِنْ زَوْجَةٍ أَوْ قَرِيبٍ إِلَّا إِذَا اسْتَطَاعُوا هُمْ وَكَانُوا مَالِكِينَ، فَإِنَّهُمْ حِينَئِذٍ يُخْرِجُونَهَا عَنْ أَنْفُسِهِمْ فَذَلِكَ الْأَوْلَى.

لَا تَجِبُ إِلَّا عَلَى مَنْ وَجَدَ صَدَقَةَ الْفِطْرِ –أَيِ: الصَّاعَ- فَاضِلًا زَائِدًا عَمَّا يَحْتَاجُهُ فِي يَوْمِ الْعِيدِ وَلَيْلَتِهِ، فَإِنْ لَمْ يَجِدْ إِلَّا أَقَلَّ مِنْ صَاعٍ، وَالَّذِي يَجِبُ عَلَيْهِ هُوَ الصَّاعُ، فَإِنَّهُ يُخْرِجُ ذَلِكَ الْأَقَلَّ مَا دَامَ زَائِدًا فَاضِلًا عَنْ نَفَقَتِهِ وَنَفَقَةِ مَنْ يَعُولُ فِي يَوْمِ الْعِيدِ وَلَيْلَتِهِ، لِقَوْلِ اللهِ -تَبَارَكَ وَتَعَالَى-: {فَاتَّقُوا اللهَ مَا اسْتَطَعْتُمْ}. وَلِقَوْلِ رَسُولِ اللهِ -صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَعَلَى آلِهِ وَسَلَّمَ-: ((إِذَا أَمَرْتُكُمْ بِأَمْرٍ فَائْتُوا مِنْهُ مَا اسْتَطَعْتُمْ)). وَلَا تَجِبُ عَنِ الْحَمْلِ فِي الْبَطْنِ إِلَّا أَنْ يَتَطَوَّعَ بِهَا فَلَا بَأْسَ. فَهَذَا حُكْمُ زَكَاةِ الْفِطْرِ.

وَأَمَّا حِكْمَتُهَا فَظَاهِرَةٌ، بَلْ ظَاهِرَةٌ جِدًّا:

فَفِيهَا إِحْسَانٌ إِلَى الْفُقَرَاءِ، وَكَفٌّ لَهُمْ عَنِ السُّؤَالِ فِي يَوْمِ الْعِيدِ، لِيُشَارِكُوا الْأَغْنِيَاءَ فِي فَرَحِهِمْ وَسُرُورِهِمْ بِالْعِيدِ، وَلِيَكُونَ الْعِيدُ عِيدًا لِلْجَمِيعِ.

فَفِيهَا الِاتِّصَافُ بِخُلُقِ الْكَرَمِ، وَحُبُّ الْمُوَاسَاةِ.

وَفِيهَا تَطْهِيرٌ لِلصَّائِمِ مِمَّا يَحْصُلُ فِي صِيَامِهِ مِنْ نَقْصٍ وَلَغْوٍ وَإِثْمٍ.

وَفِيهَا إِظْهَارُ شُكْرِ نِعْمَةِ اللهِ -تَبَارَكَ وَتَعَالَى- عَلَى الْعَبْدِ بِإِتْمَامِ صِيَامِ الشَّهْرِ وَقِيَامِهِ، وَفِعْلِ مَا تَيَسَّرَ مِنَ الْأَعْمَالِ الصَّالِحَةِ فِيهِ.

عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ -رَضِيَ اللهُ عَنْهُمَا- قَالَ: فَرَضَ رَسُولُ اللهِ زَكَاةَ الْفِطْرِ طُهْرَةً لِلصَّائِمِ مِنَ اللَّغْوِ وَالرَّفَثِ، وَطُعْمَةً لِلْمَسَاكِينِ، فَمَنْ أَدَّاهَا قَبْلَ الصَّلَاةِ –يَعْنِي: صَلَاةَ الْعِيدِ- فَهِيَ زَكَاةٌ مَقْبُولَةٌ، وَمَنْ أَدَّاهَا –أَيْ: أَخْرَجَهَا- بَعْدَ الصَّلَاةِ –أَيْ: بَعْدَ صَلَاةِ الْعِيدِ- فَهِيَ صَدَقَةٌ مِنَ الصَّدَقَاتِ، وَفَرَّطَ فِي الْوَاجِبِ الْمَفْرُوضِ عَلَيْهِ مِنْ إِخْرَاجِ زَكَاةِ الْفِطْرِ.

وَالْحَدِيثُ حَدِيثٌ حَسَنٌ، أَخْرَجَهُ أَبُو دَاوُدَ وَابْنُ مَاجَهْ.

وَفِيهِ نَصٌّ عَلَى الْحِكْمَةِ مِنْ إِخْرَاجِ زَكَاةِ الْفِطْرِ، قَالَ رَسُولُ اللهِ -صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَعَلَى آلِهِ وَسَلَّمَ- فِيمَا أَدَّى مَعْنَاهُ ابْنُ عَبَّاسٍ -رَضِيَ اللهُ عَنْهُمَا-، ((فَرَضَ رَسُولُ اللهِ -صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَعَلَى آلِهِ وَسَلَّمَ- زَكَاةَ الْفِطْرِ طُهْرَةً لِلصَّائِمِ مِنَ اللَّغْوِ وَالرَّفَثِ، وَطُعْمَةً لِلْمَسَاكِينِ)).

فَفِي إِخْرَاجِهَا إِغْنَاءٌ لِلْمَسَاكِينِ عَنْ مَدِّ الْيَدِ وَالتَّكَفُّفِ فِي يَوْمِ الْعِيدِ.

وَفِي إِخْرَاجِهَا مَحْوٌ لِلْأَحْزَانِ تُحِيطُ بِالْإِنْسَانِ فِي يَوْمٍ جَعَلَهُ اللهُ رَبُّ الْعَالَمِينَ يَوْمَ حُبُورٍ وَفَرَحٍ بِنِعْمَةِ اللهِ -تَبَارَكَ وَتَعَالَى- عَلَى الْمُسْلِمِينَ بِمَا أَدَّوْا مِنْ فَرْضِ الصِّيَامِ وَسُنَّةِ الْقِيَامِ فِي شَهْرِ رَمَضَانَ؛ لِأَنَّ الْعِيدَيْنِ كَمَا هُوَ مَعْلُومٌ يَكُونَانِ بِعَقِبِ أَدَاءِ فَرِيضَةٍ عَظِيمَةٍ مِنْ فَرَائِضِ رَبِّ الْعَالَمِينَ، وَرُكْنٍ مِنْ أَرْكَانِ الْإِسْلَامِ الْعَظِيمِ، فَعِيدُ الْفِطْرِ بِعَقِبِ أَدَاءِ فَرْضِ الصَّوْمِ فِي رَمَضَانَ، وَأَمَّا عِيدُ الْأَضْحَى فَإِنَّهُ بَعْدَ إِتْمَامِ عُظْمِ الْحَجِّ كَمَا هُوَ مَعْلُومٌ فِي مَنَاسِكِهِ.

فَالْإِنْسَانُ يَفْرَحُ بِنِعْمَةِ اللهِ عَلَيْهِ، بِمَا أَدَّى مِنْ طَاعَةِ اللهِ، {قُلْ بِفَضْلِ اللهِ وَبِرَحْمَتِهِ فَبِذَلِكَ فَلْيَفْرَحُوا هُوَ خَيْرٌ مِمَّا يَجْمَعُونَ}.

فَالْحِكْمَةُ فِي فَرْضِيَّةِ زَكَاةِ الْفِطْرِ ظَاهِرَةٌ جِدًّا.

وَأَمَّا جِنْسُ الْوَاجِبِ فِي الْفِطْرَةِ، وَالْفِطْرَةُ هِيَ زَكَاةُ الْفِطْرِ، فَهُوَ طَعَامُ الْآدَمِيِّينَ، مِنْ تَمْرٍ أَوْ بُرٍّ أَوْ أُرْزٍ أَوْ زَبِيبٍ أَوْ أَقِطٍ؛ وَالْأَقِطُ: هُوَ اللَّبَنُ الْمُجَفَّفُ لَمْ تُنْزَعْ زُبْدَتُهُ، أَوْ غَيْرِ ذَلِكَ مِنْ طَعَامِ بَنِي آدَمَ.

فَعَنِ ابْنِ عُمَرَ -رَضِيَ اللهُ عَنْهُمَا- قَالَ: فَرَضَ رَسُولُ اللهِ -صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَعَلَى آلِهِ وَسَلَّمَ- زَكَاةَ الْفِطْرِ مِنْ رَمَضَانَ صَاعًا مِنْ تَمْرٍ، أَوْ صَاعًا مِنْ شَعِيرٍ –وَكَانَ الشَّعِيرُ يَوْمَذَاكَ مِنْ طَعَامِهِمْ-.

وَالصَّاعُ: أَرْبَعَةُ أَمْدَادٍ.

وَالْمُدُّ: حِفْنَةٌ بِكَفَّيِ الرَّجُلِ الْمُعْتَدِلِ الْكَفَّيْنِ؛ أَنْ تَأْخُذَ بِجِمَاعِ يَدَيْكَ حَفْنَةً بِكَفَّيِ الرَّجُلِ الْمُعْتَدِلِ الْكَفَّيْنِ، هَذَا مُدٌّ.

مُدٌّ وَمُدٌّ وَمُدٌّ وَآخَرُ، أَرْبَعَةُ أَمْدَادٍ، هَذَا هُوَ الصَّاعُ.

فَأَرْبَعَةُ أَمْدَادٍ مِنْ طَعَامٍ، مِنْ تَمْرٍ أَوْ بُرٍّ أَوْ أُرْزٍ أَوْ زَبِيبٍ أَوْ أَقِطٍ، أَوْ غَيْرِ ذَلِكَ مِنْ طَعَامِ بَنِي آدَمَ؛ لِأَنَّ النَّبِيَّ -صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَعَلَى آلِهِ وَسَلَّمَ- فَرَضَ زَكَاةَ الْفِطْرِ مِنْ رَمَضَانَ صَاعًا مِنْ تَمْرٍ، أَوْ صَاعًا مِنْ شَعِيرٍ، وَكَانَ الشَّعِيرُ يَوْمَذَاكَ مِنْ طَعَامِهِمْ. كَمَا قَالَ أَبُو سَعِيدٍ الْخُدْرِيُّ -رَضِيَ اللهُ عَنْهُ-. ((كُنَّا نُخْرِجُ يَوْمَ الْفِطْرِ فِي عَهْدِ النَّبِيِّ -صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَعَلَى آلِهِ وَسَلَّمَ- صَاعًا مِنْ طَعَامٍ، وَكَانَ طَعَامُنَا الشَّعِيرَ وَالزَّبِيبَ وَالْأَقِطَ وَالتَّمْرَ)). وَالْحَدِيثُ أَخْرَجَهُ الْبُخَارِيُّ فِي ((الصَّحِيحِ)).

فَهُوَ مِنْ طَعَامِ بَنِي آدَمَ، تَخْرُجُ صَاعًا مِنْ طَعَامِ بَنِي آدَمَ، مِنَ الْأُرْزِ أَوْ مِنَ الْبُرِّ أَوْ مِنَ الدَّقِيقِ أَوْ مِنَ التَّمْرِ، إِلَى غَيْرِ ذَلِكَ مِمَّا هُوَ طَعَامُ بَنِي آدَمَ.

فَلَا يُجْزِئُ إِخْرَاجُ طَعَامِ الْبَهَائِمِ؛ لِأَنَّ النَّبِيَّ -صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَعَلَى آلِهِ وَسَلَّمَ- فَرَضَهَا طُعْمَةً لِلْمَسَاكِينِ، لَا طُعْمَةً لِلْبَهَائِمِ، وَلَا يُجْزِئُ إِخْرَاجُهَا مِنَ الثِّيَابِ، وَلَا مِنَ الْفُرُشِ، وَلَا مِنَ الْأَوَانِي، وَلَا مِنَ الْأَمْتِعَةِ، وَلَا مِنْ غَيْرِ ذَلِكَ مِمَّا سِوَى طَعَامِ الْآدَمِيِّينَ؛ لِأَنَّ النَّبِيَّ -صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَعَلَى آلِهِ وَسَلَّمَ- فَرَضَهَا مِنَ الطَّعَامِ، فَلَا تَتَعَدَّ مَا عَيَّنَهُ النَّبِيُّ -صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَعَلَى آلِهِ وَسَلَّمَ-.

وَلَا يُجْزِئُ إِخْرَاجُ قِيمَةِ الطَّعَامِ، كَمَا هُوَ الشَّائِعُ فِي هَذِهِ الْأَيَّامِ، يَعْنِي: مَنْ أَخْرَجَهَا مِنَ الْقِيمَةِ فَعَلَيْهِ أَنْ يُعِيدَ ذَلِكَ وَأَنْ يُخْرِجَهَا مَرَّةً أُخْرَى مِنَ الطَّعَامِ كَمَا فَرَضَهَا رَسُولُ اللهِ -صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَعَلَى آلِهِ وَسَلَّمَ-.

لَا يُجْزِئُ إِخْرَاجُ قِيمَةِ الطَّعَامِ؛ لِأَنَّ ذَلِكَ خِلَافُ مَا أَمَرَ بِهِ النَّبِيُّ -صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَعَلَى آلِهِ وَسَلَّمَ-، وَقَدْ ثَبَتَ عَنِ الرَّسُولِ -صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَعَلَى آلِهِ وَسَلَّمَ- قَوْلُهُ: ((مَنْ عَمِلَ عَمَلًا لَيْسَ عَلَيْهِ أَمْرُنَا فَهُوَ رَدٌّ)). وَالْحَدِيثُ عِنْدَ مُسْلِمٍ فِي ((الصَّحِيحِ)) مِنْ رِوَايَةِ عَائِشَةَ -رَضِيَ اللهُ عَنْهَا- وَأَخْرَجَهُ الْبُخَارِيُّ مُعَلَّقًا مَجْزُومًا بِهِ.

وَأَمَّا الرِّوَايَةُ الَّتِي فِي الصَّحِيحَيْنِ فَهِيَ: ((مَنْ أَحْدَثَ فِي أَمْرِنَا هَذَا مَا لَيْسَ مِنْهُ فَهُوَ رَدٌّ)).

((فَمَنْ عَمِلَ عَمَلًا لَيْسَ عَلَيْهِ أَمْرُنَا فَهُوَ رَدٌّ))، وَ((رَدٌّ))؛ يَعْنِي: مَرْدُودٌ. فَهُوَ مَرْدُودٌ عَلَيْهِ.

فَإِذَنْ؛ إِذَا خَالَفَ النَّبِيَّ -صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَعَلَى آلِهِ وَسَلَّمَ- فِيمَا فَرَضَ، فَهَذَا مَرْدُودٌ عَلَيْهِ، وَلَا يُجْزِئُ حِينَئِذٍ عَنْهُ بِإِسْقَاطِ الْفَرْضِ الَّذِي هُوَ مُطَالَبٌ بِهِ.

إِخْرَاجُ الْقِيمَةِ مُخَالِفٌ لِعَمَلِ الصَّحَابَةِ -رَضِيَ اللهُ عَنْهُمْ- حَيْثُ كَانُوا يُخْرِجُونَهَا صَاعًا مِنْ طَعَامٍ، وَقَدْ قَالَ النَّبِيُّ -صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَعَلَى آلِهِ وَسَلَّمَ-: ((عَلَيْكُمْ بِسُنَّتِي وَسُنَّةِ الْخُلَفَاءِ الرَّاشِدِينَ الْمَهْدِيِّينَ مِنْ بَعْدِي)).

وَزَكَاةُ الْفِطْرِ عِبَادَةٌ، وَهِيَ عِبَادَةٌ مَفْرُوضَةٌ مِنْ جِنْسٍ مُعَيَّنٍ، فَلَا يُجْزِئُ إِخْرَاجُهَا مِنْ غَيْرِ الْجِنْسِ الْمُعَيَّنِ، كَمَا لَا يُجْزِئُ إِخْرَاجُهَا فِي غَيْرِ الْوَقْتِ الْمُعَيَّنِ.

فَإِنَّ النَّبِيَّ -صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَعَلَى آلِهِ وَسَلَّمَ- قَالَ: ((وَمَنْ أَدَّاهَا بَعْدَ الصَّلَاةِ فَهِيَ صَدَقَةٌ مِنَ الصَّدَقَاتِ)). فَلَمْ تُجْزِئْ عَنْهُ وَلَمْ تُسْقِطِ الْفَرْضَ الَّذِي قَصَّرَ فِي أَدَائِهِ؛ لِأَنَّهُ إِنَّمَا أَدَّاهَا بَعْدَ الصَّلَاةِ، لَهَا وَقْتٌ، وَكَذَلِكَ لَهَا جِنْسٌ، وَلَا بُدَّ مِنَ الْتِزَامِ هَذَا وَهَذَا، وَإِلَّا فَإِنَّهُ لَا يَكُونُ آتِيًا بِمَا كُلِّفَ بِهِ، فَالْعِبَادَاتُ تَوْقِيفِيَّةٌ لَا بُدَّ فِيهَا مِنَ الْوُقُوفِ عِنْدَ حُدُودِ النَّصِّ، وَمَنْ خَرَجَ عَنِ الْوَارِدِ عَنْ نَبِيِّنَا -صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَعَلَى آلِهِ وَسَلَّمَ- فَقَدْ أَسَاءَ وَتَعَدَّى وَظَلَمَ.

لَا يُجْزِئُ إِخْرَاجُهَا مِنْ غَيْرِ الْجِنْسِ الْمُعَيَّنِ، كَمَا لَا يُجْزِئُ إِخْرَاجُهَا فِي غَيْرِ الْوَقْتِ الْمُعَيَّنِ، وَلِأَنَّ النَّبِيَّ -صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَعَلَى آلِهِ وَسَلَّمَ- عَيَّنَهَا مِنْ أَجْنَاسٍ مُخْتَلِفَةٍ وَأَقْيَامُهَا مُخْتَلِفَةٌ فِي الْغَالِبِ، فَلَوْ كَانَتِ الْقِيمَةُ مُعْتَبَرَةً لَكَانَ الْوَاجِبُ صَاعًا مِنْ جِنْسٍ وَمَا يُقَابِلُ قِيمَتَهُ مِنَ الْأَجْنَاسِ الْأُخْرَى، وَلَكِنَّ النَّبِيَّ -صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَعَلَى آلِهِ وَسَلَّمَ- حَدَّدَ فِيهَا أَجْنَاسًا، وَهَذِهِ الْأَجْنَاسُ مُخْتَلِفَةٌ، وَهِيَ مُخْتَلِفَةٌ فِي قِيمَتِهَا، فَكَيْفَ تُضْبَطُ الْقِيمَةُ إِذَنْ؟!

إِخْرَاجُ الْقِيمَةِ يُخْرِجُ الْفِطْرَةَ عَنْ كَوْنِهَا شَعِيرَةً ظَاهِرَةً إِلَى كَوْنِهَا صَدَقَةً خَفِيَّةً، فَإِنَّ إِخْرَاجَهَا صَاعًا مِنْ طَعَامٍ يَجْعَلُهَا ظَاهِرَةً بَيْنَ الْمُسْلِمِينَ مَعْلُومَةً لِلصَّغِيرِ وَالْكَبِيرِ، يُشَاهِدُونَ كَيْلَهَا وَتَوْزِيعَهَا، وَيَتَبَادَلُونَهَا بَيْنَهُمْ بِخِلَافِ مَا لَوْ كَانَتْ دَرَاهِمَ يُخْرِجُهَا الْإِنْسَانُ خِفْيَةً بَيْنَهُ وَبَيْنَ الْآخِذِ.


تحميل الإصدار PDF

تحميل الإصدار مضغوطًا ZIP

‫9 تعليقات

  1. بسم الله الرحمن الرحيم
    الحمد لله على نعمة اﻹسلام و حفظكم الله، والله لقد إتضحت لنا أمور جهلناها عن ديننا؛ وحفظ الله شيخنا محمد سعيد رسلان

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى