الإخوان والعيد القومي للأحزان – الشيخ محمد سعيد رسلان PDF
وَالْعِيدُ الْقَوْمِيُّ لِلْأَحْزَانِ
للشيخ الدكتور/ مُحَمَّد سَعِيد رَسْلَان -حفظه الله-
[الْخُطْبَةُ الْأُولَى]
إِنَّ الْحَمْدَ لِلَّهِ نَحْمَدُهُ، وَنَسْتَعِينُهُ وَنَسْتَغْفِرُهُ، وَنَعُوذُ بِاللَّهِ مِنْ شُرُورِ أَنْفُسِنَا وَمِنْ سَيِّئَاتِ أَعْمَالِنَا، مَنْ يَهْدِهِ اللهُ فَلَا مُضِلَّ لَهُ، وَمَنْ يُضْلِلْ فَلَا هَادِيَ لَهُ، وَأَشْهَدُ أَنْ لَا إِلَهَ إِلَّا اللهُ وَحْدَهُ لَا شَرِيكَ لَهُ، وَأَشْهَدُ أَنَّ مُحَمَّدًا عَبْدُهُ وَرَسُولُهُ -صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَعَلَى آلِهِ وَسَلَّمَ-.
﴿يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُواْ اتَّقُواْ اللّهَ حَقَّ تُقَاتِهِ وَلاَ تَمُوتُنَّ إِلاَّ وَأَنتُم مُّسْلِمُونَ﴾ [آل عمران:102].
﴿يَا أَيُّهَا النَّاسُ اتَّقُواْ رَبَّكُمُ الَّذِي خَلَقَكُم مِّن نَّفْسٍ وَاحِدَةٍ وَخَلَقَ مِنْهَا زَوْجَهَا وَبَثَّ مِنْهُمَا رِجَالًا كَثِيرًا وَنِسَاء وَاتَّقُواْ اللّهَ الَّذِي تَسَاءلُونَ بِهِ وَالأَرْحَامَ إِنَّ اللّهَ كَانَ عَلَيْكُمْ رَقِيبًا﴾ [النساء:1].
﴿يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ وَقُولُوا قَوْلًا سَدِيدًا. يُصْلِحْ لَكُمْ أَعْمَالَكُمْ وَيَغْفِرْ لَكُمْ ذُنُوبَكُمْ وَمَن يُطِعْ اللَّهَ وَرَسُولَهُ فَقَدْ فَازَ فَوْزًا عَظِيمًا﴾ [الأحزاب:70-71].
أَمَّا بَعْدُ:
فَإِنَّ أَصْدَقَ الْحَدِيثِ كِتَابُ اللهِ، وَخَيْرَ الْهَدْيِ هَدْيُ مُحَمَّدٍ -صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَعَلَى آلِهِ وَسَلَّمَ-، وَشَرَّ الْأُمُورِ مُحْدَثَاتُهَا، وَكُلَّ مُحْدَثَةٍ بِدْعَةٌ، وَكُلَّ بِدْعَةٍ ضَلَالَةٌ، وَكُلَّ ضَلَالَةٍ فِي النَّارِ.
أَمَّا بَعْدُ:
فَقَدْ قَالَ الْإِمَامُ الشَّوْكَانِيُّ -رَحِمَهُ اللهُ-:
وَهَاهُنَا تُسْكَبُ الْعَبَرَاتُ, وَيُنَاحُ عَلَى الْإِسْلَامِ وَأَهْلِهِ بِمَا جَنَاهُ التَّعَصُّبُ فِي الدِّينِ عَلَى غَالِبِ الْمُسْلِمِينَ مِنَ التَّرَامِي بِالْكُفْرِ, لَا لِسُنَّةٍ, وَلَا لِقُرْآنٍ, وَلَا لِبَيَانٍ مِنَ اللهِ, وَلَا لِبُرْهَانٍ, بَلْ لَمَّا غَلَتْ بِهِ مَرَاجِلُ الْعَصَبِيَّةِ فِي الدِّينِ, وَتَمَكَّنَ الشَّيْطَانُ الرَّجِيمُ مِنْ تَفْرِيقِ كَلِمَةِ الْمُسْلِمِينَ، لَقَّنَهُمْ إِلْزَامَاتِ بَعْضِهِمْ لِبَعْضٍ بِمَا هُوَ شَبِيهُ الْهَبَاءِ فَي الْهَوَاءِ, وَالسَّرَابِ بِقِيعَةٍ!
فَيَا لَلَّهِ وَلِلْمُسْلِمِينَ مِنْ هَذِهِ الْفَاقِرَةِ الَّتِي هِيَ أَعْظَمُ فَوَاقِرِ الدِّينِ, وَالرَّزِيَّةِ الَّتِي مَا رُزِئَ بِمِثْلِهَا سَبِيلُ الْمُؤْمِنِينَ … .
وَالْأَدِلَّةُ الدَّالَّةُ عَلَى وُجُوبِ صِيَانَةِ عِرْضِ الْمُسْلِمِ وَاحْتِرَامِهِ يَدُلُّ بِفَحْوَى الْخِطَابِ عَلَى تَجَنُّبِ الْقَدْحِ فِي دِينِهِ بِأَيِّ قَادِحٍ, فَكَيْفَ إِخْرَاجُهُ عَنِ الْمِلَّةِ الْإِسْلَامِيَّةِ إِلَى الْمِلَّةِ الْكُفْرِيَّةِ؟!!
فَإِنَّ هَذِهِ جِنَايَةٌ لَا تَعْدِلُهَا جِنَايَةٌ, وَجُرْأَةٌ لَا تُمَاثِلُهَا جُرْأَةٌ.
وَأَيْنَ هَذَا الْمُجْتَرِئُ عَلَى تَكْفِيرِ أَخِيهِ مِنْ قَوْلِ رَسُولِ اللهِ -صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَعَلَى آلِهِ وَسَلَّمَ-: ((الْمُسْلِمُ أَخُو الْمُسْلِمِ, لَا يَظْلِمُهُ وَلَا يُسْلِمُهُ))؟!
وَأَيْنَ هُوَ مِنْ قَوْلِ النَّبِيِّ -صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَعَلَى آلِهِ وَسَلَّمَ-: ((سِبَابُ الْمُسْلِمِ فُسُوقٌ وَقِتَالُهُ كُفْرٌ))؟!
وَقَوْلِهِ -صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَعَلَى آلِهِ وَسَلَّمَ-: ((إِنَّ دِمَاءَكُمْ وَأَمْوَالَكُمْ وَأَعْرَاضَكُمْ عَلَيْكُمْ حَرَامٌ))؟!
وَفِي ((تَخْلِيصِ الْعِبَادِ)):
لَقَدْ قَاتَلَ عَلِيُّ بْنُ أَبِي طَالِبٍ -رَضِيَ اللهُ عَنْهُ- الْخَوَارِجَ الْأُوَلَ، وَكَانَ مَعَهُ أَبُو أَيُوبَ الْأَنْصَارِيُّ -رَضِيَ اللهُ عَنْهُ- وَغَيْرُهُ مِنَ الصَّحَابَةِ.
قَالَ ابْنُ كَثِيرٍ فِي ((الْبِدَايَةِ وَالنِّهَايَةِ)) (10/588): [قَالَ أَبُو أَيُّوبَ: وَطَعَنْتُ رَجُلًا مِنَ الْخَوَارِجِ بِالرُّمْحِ فَأَنْفَذْتُهُ مِنْ ظَهْرِهِ، وَقُلْتُ لَهُ: أَبْشِرْ -يَا عَدُوَّ اللهِ- بِالنَّارِ، فَقَالَ: سَتَعْلَمُ أَيُّنَا أَوْلَى بِهَا صِلِيًّا!!].
وَأَوْرَدَ ابْنُ سَعْدٍ فِي ((الطَّبَقَاتِ الْكُبْرَى)) (3/39-40) قِصَّةَ عَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنَ مُلْجَمٍ الْخَارِجِيَّ الَّذِي قَتَلَ عَلِيًّا -رَضِيَ اللهُ عَنْهُ- وَذَكَرَ (أَنَّ عَبْدَ اللهِ بْنَ جَعْفَرٍ قَطَعَ يَدَيْهِ وَرِجْلَيْهِ فَلَمْ يَجْزَعْ وَلَمْ يَتَكَلَّمْ، فَكَحَلَ عَيْنَيْهِ بِمِسْمَارٍ مُحْمًى فَلَمْ يَجْزَعْ، وَجَعَلَ يَقُولُ: إِنَّكَ لَتَكْحُلُ عَيْنَيْ عَمِّكَ بِمُلْمُولٍ مَضٍّ -وَالْمُلْمُولُ: هُوَ الْمِيلُ الَّذِي يُكْتَحَلُ بِهِ، وَأَمَّا الْمَضُّ فَهُوَ الْحَارُّ-.
وَجَعَلَ يَقُولُ: {اقْرَأْ بِاسْمِ رَبِّكَ الَّذِي خَلَقَ* خَلَقَ الْإِنْسَانَ مِنْ عَلَقٍ}، حَتَّى أَتَى عَلَى آخِرِ السُّورَةِ كُلِّهَا وَإِنَّ عَيْنَيْهِ لَتَسِيلَانِ!!
ثُمَّ أَمَرَ بِهِ فَعُولِجَ عَنْ لِسَانِهِ لِيَقْطَعَهُ فَجَزَعَ، فَقِيلَ لَهُ: قَطَعْنَا يَدَيْكَ وَرِجْلَيْكَ وَسَمَلْنَا عَيْنَيْكَ -يَا عَدُوَّ اللهِ- فَلَمْ تَجْزَعْ، فَلَمَّا صِرْنَا إِلَى لِسَانِكَ جَزَعْتَ؟!
فَقَالَ: مَا ذَاكَ مِنِّي مِنْ جَزَعٍ، إِلَّا أَنِّي أَكْرَهُ أَنْ أَكُونَ فِي الدُّنْيَا فُوَاقًا لَا أَذْكُرُ اللهَ!).
وَالْفُوَاقُ هُنَا هُوَ عَلَى مَعْنَى الزَّمَنِ الَّذِي بَيْنَ فَتْحِ يَدِكَ وَقَبْضِهَا عَلَى الضَّرْعِ عِنْدَ الْحَلْبِ، وَمَعْنَاهُ أَنَّ هَذَا الْمُجْرِمَ الَّذِي قَتَلَ عَلِيًّا -رَضِيَ اللهُ عَنْهُ- جَزَعَ مِنْ أَنْ تَمُرَّ عَلَيْهِ اللَّحْظَةُ الْقَصِيرَةُ وَلَا يَذْكُرُ فِيهَا اللهَ!
وَقَدْ كَانَ الْخَوَارِجُ لَا يَتَوَرَّعُونَ مِنْ عَدِّ أَصْحَابِ رَسُولِ اللهِ -صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَعَلَى آلِهِ وَسَلَّمَ- الْمُبَشَّرِينَ بِالْجَنَّةِ مِنْ أَئِمَّةِ الْكُفْرِ؛ فَفِي ((فَتْحِ الْبَارِي)) لِابْنِ حَجَرٍ (8/426) قَالَ: [وَقَدْ رَوَى ابْنُ مَرْدُويَهْ مِنْ طَرِيقِ أَبِي عَوْنٍ عَنْ مُصْعَبٍ، قَالَ: نَظَرَ رَجُلٌ مِنَ الْخَوَارِجِ إِلَى سَعْدٍ (أَيِ ابْنِ أَبِي وَقَّاصٍ -رَضِيَ اللهُ عَنْهُ-)، فَقَالَ: هَذَا مِنْ أَئِمَّةِ الْكُفْرِ!!
فَقَالَ لَهُ سَعْدٌ: كَذَبْتَ! أَنَا قَاتَلْتُ أَئِمَّةَ الْكُفْرِ.
فَقَالَ لَهُ آخَرُ: هَذَا مِنَ الْأَخْسَرِينَ أَعْمَالًا!!
فَقَالَ لَهُ سَعْدٌ -رَضِيَ اللهُ عَنْهُ-: كَذَبْتَ! {أُولَئِكَ الَّذِينَ كَفَرُوا بِآيَاتِ رَبِّهِمْ} [الكهف: 105] الْآيَةَ.
وَصَدَقَ الْإِمَامُ ابْنُ كَثِيرٍ إِذْ يَقُولُ فِي ((الْبِدَايَةِ وَالنِّهَايَةِ)) (10/580): [وَهَذَا الضَّرْبُ مِنَ النَّاسِ مِنْ أَغْرَبِ أَشْكَالِ بَنِي آدَمَ، فَسُبْحَانَ مَنْ نَوَّعَ خَلْقَهُ كَمَا أَرَادَ، وَسَبَقَ فِي قَدَرِهِ ذَلِكَ، وَمَا أَحْسَنَ مَا قَالَ بَعْضُ السَّلَفِ فِي الْخَوَارِجِ: إِنَّهُمُ الْمَذْكُورُونَ فِي قَوْلِهِ تَعَالَى: {قُلْ هَلْ نُنَبِّئُكُمْ بِالْأَخْسَرِينَ أَعْمَالًا* الَّذِينَ ضَلَّ سَعْيُهُمْ فِي الْحَيَاةِ الدُّنْيَا وَهُمْ يَحْسَبُونَ أَنَّهُمْ يُحْسِنُونَ صُنْعًا* أُولَئِكَ الَّذِينَ كَفَرُوا بِآيَاتِ رَبِّهِمْ وَلِقَائِهِ فَحَبِطَتْ أَعْمَالُهُمْ فَلَا نُقِيمُ لَهُمْ يَوْمَ الْقِيَامَةِ وَزْنًا} (الكهف: 103-105)!
وَالْمَقْصُودُ أَنَّ هَؤُلَاءِ الْجَهَلَةَ الضُّلَّالَ، وَالْأَشْقِيَاءَ فِي الْأَقْوَالِ وَالْأَفْعَالِ، اجْتَمَعَ رَأْيُهُمْ عَلَى الْخُرُوجِ مِنْ بَيْنِ أَظْهُرِ الْمُسْلِمِينَ… .
وَهُنَالِكَ حِكَايَاتٌ كَثِيرَةٌ غَرِيبَةٌ وَرَدَتْ عَنْهُمْ فِي كُتُبِ سَلَفِنَا الصَّالِحِينَ، إِذَا مَا نَظَرْنَا فِيهَا تَبَيَّنَ لَنَا وَجْهُ التَّشَابُهِ بَيْنَ الْمُتَقَدِّمِينَ مِنَ الْخَوَارِجِ وَالْمُعَاصِرِينَ:
وَمِنْهَا مَا رَوَاهُ عَبْدُ الْمَلِكِ بْنُ أَبِي حَرَّةَ [أَنَّ عَلِيًّا لَمَّا بَعَثَ أَبَا مُوسَى لِإِنْفَاذِ الْحُكُومَةِ، اجْتَمَعَ الْخَوَارِجُ فِي مَنْزِلِ عَبْدِ اللهِ بْنِ وَهْبٍ الرَّاسِبِيِّ، فَخَطَبَهُمْ خُطْبَةً بَلِيغَةً، زَهَّدَهُمْ فِي هَذِهِ الْحَيَاةِ الدُّنْيَا، وَرَغَّبَهُمْ فِي الْآخِرَةِ وَالْجَنَّةِ، وَحَثَّهُمْ عَلَى الْأَمْرِ بِالْمَعْرُوفِ وَالنَّهْيِ عَنِ الْمُنْكَرِ، ثُمَّ قَالَ: فَاخْرُجُوا بِنَا –إِخْوَانَنَا- مِنْ هَذِهِ الْقَرْيَةِ الظَّالِمِ أَهْلُهَا إِلَى جَانِبِ هَذَا السَّوَادِ، إِلَى بَعْضِ كُوَرِ الْجِبَالِ، أَوْ بَعْضِ هَذِهِ الْمَدَائِنِ مُنْكِرِينَ لِهَذِهِ الْأَحْكَامِ الْجَائِرَةِ.
ثُمَّ قَامَ حُرْقُوصُ بْنُ زُهَيْرٍ، فَقَالَ بَعْدَ حَمْدِ اللهِ وَالثَّنَاءِ عَلَيْهِ: إِنَّ الْمَتَاعَ بِهَذِهِ الدُّنْيَا قَلِيلٌ، وَإِنَّ الْفِرَاقَ لَهَا وَشِيكٌ، فَلَا تَدْعُوَنَّكُمْ زِينَتُهَا وَبَهْجَتُهَا إِلَى الْمُقَامِ بِهَا، وَلَا تَلْفِتَنَّكُمْ عَنْ طَلَبِ الْحَقِّ وَإِنْكَارِ الظُّلْمِ؛ فَإِنَّ اللهَ مَعَ الَّذِينَ اتَّقَوْا وَالَّذِينَ هُمْ مُحْسِنُونَ.
فَقَالَ سِنَانُ بْنُ حَمْزَةَ الْأَسَدِيُّ: يَا قَوْمِ! إِنَّ الرَّأْيَ مَا رَأَيْتُمْ، وَإِنَّ الْحَقَّ مَا ذَكَرْتُمْ، فَوَلُّوا أَمْرَكُمْ رَجُلًا مِنْكُمْ، فَإِنَّهُ لَا بُدَّ لَكُمْ مِنْ عِمَادٍ وَسِنَادٍ، وَمِنْ رَايَةٍ تَحُفُّونَ بِهَا وَتَرْجِعُونَ إِلَيْهَا.
فَبَعَثُوا إِلَى زَيْدِ بْنِ حِصْنٍ الطَّائِيِّ وَكَانَ مِنْ رُءُوسِهِمْ، فَعَرَضُوا عَلَيْهِ الْإِمَارَةَ عَلَيْهِمْ فَأَبَى، ثُمَّ عَرَضُوهَا عَلَى حُرْقُوصِ بْنِ زُهَيْرٍ فَأَبَى، ثُمَّ عَرَضُوهَا عَلَى حَمْزَةَ بْنِ سِنَانٍ فَأَبَى، ثُمَّ عَرَضُوهَا عَلَى شُرَيْحِ بْنِ أَبِي أَوْفَى الْعَبْسِيِّ فَأَبَى، ثُمَّ عَرَضُوهَا عَلَى عَبْدِ اللهِ بْنِ وَهْبٍ الرَّاسِبِيِّ فَقَبِلَهَا، وَقَالَ: أَمَا -وَاللَّهِ!- لَا أَقْبَلُهَا رَغْبَةً فِي الدُّنْيَا، وَلَا أَدَعُهَا فَرَقًا مِنَ الْمَوْتِ.
وَاجْتَمَعُوا أَيْضًا فِي بَيْتِ زَيْدِ بْنِ حِصْنٍ الطَّائِيِّ السَّنْبَسِيِّ، فَخَطَبَهُمْ وَحَثَّهُمْ عَلَى الْأَمْرِ بِالْمَعْرُوفِ وَالنَّهْيِ عَنِ الْمُنْكَرِ، وَتَلَا عَلَيْهِمْ آيَاتٍ مِنَ الْقُرْآنِ، مِنْهَا قَوْلُهُ تَعَالَى: {يَا دَاوُدُ إِنَّا جَعَلْنَاكَ خَلِيفَةً فِي الْأَرْضِ فَاحْكُمْ بَيْنَ النَّاسِ بِالْحَقِّ وَلَا تَتَّبِعِ الْهَوَى فَيُضِلَّكَ عَنْ سَبِيلِ اللهِ} الْآيَةَ [سُورَةُ ص: 26] ، وَقَوْلُهُ: {وَمَنْ لَمْ يَحْكُمْ بِمَا أَنْزَلَ اللهُ فَأُولَئِكَ هُمُ الْكَافِرُونَ} [الْمَائِدَةُ: 44]، وَالَّتِي بَعْدَهَا وَبَعْدَهَا {الظَّالِمُونَ} (45)، {الْفَاسِقُونَ} (47).
ثُمَّ قَالَ: فَأَشْهَدُ عَلَى أَهْلِ دَعْوَتِنَا مِنْ أَهْلِ قِبْلَتِنَا أَنَّهُمْ قَدِ اتَّبَعُوا الْهَوَى، وَنَبَذُوا حُكْمَ الْكِتَابِ، وَجَارُوا فِي الْقَوْلِ وَالْأَعْمَالِ، وَأَنَّ جِهَادَهُمْ حَقٌّ عَلَى الْمُؤْمِنِينَ.
فَبَكَى رَجُلٌ مِنْهُمْ يُقَالُ لَهُ عَبْدُ اللهِ بْنُ شَجَرَةَ السُّلَمِيُّ، ثُمَّ حَرَّضَ أُولَئِكَ عَلَى الْخُرُوجِ عَلَى النَّاسِ، وَقَالَ فِي كَلَامِهِ: اضْرِبُوا وُجُوهَهُمْ وِجِبَاهَهُمْ بِالسُّيُوفِ حَتَّى يُطَاعَ الرَّحْمَنُ الرَّحِيمُ، فَإِنْ أَنْتُمْ ظَفِرْتُمْ وَأُطِيعَ اللهُ كَمَا أَرَدْتُمْ آتَاكُمُ اللهُ ثَوَابَ الْمُطِيعِينَ لَهُ الْعَامِلِينَ بِأَمْرِهِ، وَإِنْ قُتِلْتُمْ فَأَيُّ شَيْءٍ أَفْضَلُ مِنَ الصَّبْرِ وَالْمَصِيرِ إِلَى اللهِ وَرِضْوَانِهِ وَجَنَّتِهِ؟!
وَلَا رَيْبَ أَنَّ هَذِهِ الْقِصَّةَ تُذَكِّرُ مَنْ عَرَفَ خَوَارِجَ عَصْرِنَا بِكَثِيرٍ مِنْ نِقَاطِ التَّشَابُهِ بَيْنَهُمْ وَبَيْنَ أُولَئِكَ الْخَوَارِجِ الْمُتَقَدِّمِينَ، مَعَ مُلَاحَظَةِ مَا أُوتُوا بَعْدَ إِعَانَةِ إِبْلِيسَ لَهُمْ مِنْ أَسَالِيبَ خِطَابِيَّةٍ مُلْهِبَةٍ لِمَشَاعِرِ مَنْ قَلَّ صَبْرُهُ عَلَى السُّنَّةِ، وَمِنَ اللهِ وَحْدَهُ الْعِصْمَةُ وَلَهُ تَعَالَى وَحْدَهُ الْمِنَّةُ.
وَمِنْ أَخْبَثِ أُصُولِ خَوَارِجِ الْعَصْرِ: مَا قَرَّرَهُ سَيِّد فَضْل -عَامَلَهُ اللهُ تَعَالَى بِعَدْلِهِ- فِي تَأْصِيلِهِمْ لِمَسْأَلَةِ الدِّمَاءِ الَّتِي تُرَاقُ فِي الْعَالَمِ الْإِسْلَامِيِّ فِي سَبِيلِ الْفَرِيضَةِ الْمَزْعُومَةِ الْمَوْهُومَةِ، وَهِيَ: إِقَامَةُ دَوْلَةِ الْإِسْلَامِ، فَقَالُوا: إِنَّ الدِّمَاءَ الَّتِي تُرَاقُ فِي الْعَالَمِ الْإِسْلَامِيِّ بِسَبَبِ جِهَادِهِمْ تُقَسَّمُ إِلَى أَرْبَعَةِ أَقْسَامٍ:
الْقِسْمُ الْأَوَّلُ: قِسْمٌ مُسْتَحِقٌّ لِلْقَتْلِ بِذَاتِهِمْ، وَهُمُ الْحُكَّامُ وَطَوَائِفُهُمْ، وَالطَّائِفَةُ عِنْدَ خَوَارِجِ عَصْرِنَا لَا يَقْصِدُونَ بِهَا الْوُزَرَاءَ وَالْحَاشِيَةَ فَقَطْ، بَلْ يَقْصِدُونَ كُلَّ مَنْ دَافَعَ عَنِ الْحُكَّامِ وَلَمْ يَرَ كُفْرَهُمْ، إِنَّ مَنْ لَمْ يَرَ كُفْرَ الْحُكَّامِ فَهُوَ عِنْدَ خَوَارِجِ الْعَصْرِ كَافِرٌ حَلَالُ الدَّمِ، حَتَّى الْأَئِمَّةِ فِي الْمَسَاجِدِ، وَحَتَّى الْفَرَّاشِينَ، فَهَذِهِ الْفِئَةُ فِئَةٌ كَافِرَةٌ مُرْتَدَّةٌ عِنْدَ خَوَارِجِ عَصْرِنَا.
وَأَمَّا الْقِسْمُ الثَّانِي، فَالْفِئَةُ الْمُؤْمِنَةُ، وَيَقْصِدُونَ بِهَذِهِ الطَّائِفَةِ مَنْ أَنْكَرَ عَلَى الْحُكَّامِ وَشَارَكَ الْخَوَارِجَ فِي ثَوْرِيَّتِهِمْ، فَهَؤُلَاءِ لَا يَجُوزُ قَصْدُهُمْ بِالْقَتْلِ إِلَّا فِي حَالَةِ الضَّرُورَةِ، وَهِيَ مَسْاَلَةُ التَّتَرُّسِ.
وَأَمَّا الْقِسْمُ الثَّالِثُ، فَهُمْ مَنْ يُقْتَلُ فِي هَذِهِ الْأَحْدَاثِ مِنَ الْكُفَّارِ الْأَصْلِيِّينَ، فَهَؤُلَاءِ مُسْتَحِقُّونَ لِلْقَتْلِ سَوَاءٌ كَانَ مِمَّنْ يُقِيمُ فِي دِيَارِ الْإِسْلَامِ أَصْلًا، كَحَالِ أَهْلِ الْكِتَابِ فِي الدُّوَلِ الْإِسْلَامِيَّةِ مِنْ سُكَّانِهَا الْأَصْلِيِّينَ، أَوْ مِمَّنْ يَدْخُلُ مِنْ أَهْلِ الذِّمَّةِ بِعَقْدِ أَمَانٍ.
وَتِلْكُمَا الْفِئَتَانِ سَقَطَ عَهْدُ الذِّمَّةِ عَنْهُمَا بِزَعْمِ خَوَارِجِ عَصْرِنَا؛ لِأَنَّهُ صَدَرَ مِنْ حَاكِمٍ مُرْتَدٍّ، وَبِالتَّالِي فَهُمْ مُسْتَحِقُّونَ لِلْقَتْلِ.
الْقِسْمُ الرَّابِعُ: مَجْهُولُو الْحَالِ، الَّذِينَ لَمْ تَثْبُتْ لَهُمْ عِصْمَةُ الْإِسْلَامِ؛ لِأَنَّ الدَّارَ -كَمَا يَقُولُ خَوَارِجُ عَصْرِنَا- دَارُ كُفْرٍ وَحَرْبٍ، وَلِأَنَّ الرَّايَةَ غَيْرُ إِسْلَامِيَّةٍ؛ يَعْنُونَ حُكَّامَ الْمُسْلِمِينَ، وَلِأَنَّ عِنْدَهُمْ أَنَّهُ إِذَا كَانَتِ الرَّايَةُ كَافِرَةً فَالدَّارُ دَارُ كُفْرٍ وَحَرْبٍ.
هَؤُلَاءِ -يَعْنِي: مَجْهُولِي الْحَالِ- يَجُوزُ قَصْدُهُمْ بِالْقَتْلِ بِضَرُورَةٍ وَغَيْرِ ضَرُورَةٍ.
بِهَذِهِ التَّقْسِيمَاتِ الْخَارِجِيَّةِ الْحَرُورِيَّةِ الْأَرْبَعَةِ تَزُولُ الدَّهْشَةُ وَالِاسْتِغْرَابُ الَّذِي لَازَمَ الْكَثِيرَ مِنْ أَهْلِ الْإِسْلَامِ عِنْدَمَا رَأَوُا الشَّابَّ الْمُسْلِمَ يَتَقَرَّبُ إِلَى اللهِ بِدِمَاءِ الْمُوَحِّدِينَ وَدِمَاءِ أَهْلِ الذِّمَّةِ.
فَهَذِهِ التَّفْجِيرَاتُ الْمُدَمِّرَةُ لَمْ تَقْتُلْ عِنْدَ أُولَئِكَ الشَّبَابِ مِنَ الْخَوَارِجِ الْحَرُورِيَّةِ إِلَّا كُفَّارًا أَصْلِيِّينَ لَا عَهْدَ لَهُمْ وَلَا ذِمَّةَ، أَوْ هُمْ مَجْهُولُو حَالٍ لَمْ تَثْبُتْ لَهُمْ عِصْمَةُ الْإِسْلَامِ؛ لِأَنَّ الدَّارَ عِنْدَ أُولَئِكَ الشَّبَابِ مِنَ الْخَوَارِجِ دَارُ حَرْبٍ وَكُفْرٍ.
أَمَّا مَنْ يُقْتَلُ مِنَ الْفِئَةِ الْمُؤْمِنَةِ، فَيَجُوزُ لِلضَّرُورَةِ قَتْلُهُمْ، وَيُبْعَثُ الْوَاحِدُ مِنْهُمْ عَلَى نِيَّتِهِ يَوْمَ الْقِيَامَةِ.
إِنَّ الْمُتَبَادَرَ لِأَذْهَانِ الْكَثِيرِينَ أَنَّ الدِّمَاءَ الْمَعْصُومَةَ بِالْإِيمَانِ أَوْ بِالْأَمَانِ الَّتِي تُرَاقُ فِي الْعَالَمِ الْإِسْلَامِيِّ مُنْذُ عَقْدَيْنِ مِنَ الزَّمَانِ، أَنَّ تِلْكَ الدِّمَاءَ تُرَاقُ بِسَبَبِ فَهْمٍ لِحَدِيثٍ عَلَى سَبِيلِ الْخَطَأِ عِنْدَمَا يَفْهَمُونَ قَوْلَ النَّبِيِّ -صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَعَلَى آلِهِ وَسَلَّمَ-: ((أَخْرِجُوا الْمُشْرِكِينَ مِنْ جَزِيرَةِ الْعَرَبِ))، أَوْ لِعَدَمِ ضَبْطِ مَسَائِلِ الْوَلَاءِ وَالْبَرَاءِ، … .
وَلَكِنْ مَنْ قَلَّبَ كُتُبَ وَرَسَائِلَ مُنَظِّرِي الْخَوَارِجِ فِي هَذَا الْعَصْرِ الَّتِي تَجَاوَزَتْ أَلْفَيْ كِتَابٍ وَرِسَالَةٍ وَمَقَالَةٍ، مَنْ قَلَّبَهَا اتَّضَحَ لَهُ أَنَّ الْأَمْرَ لَيْسَ كَذَلِكَ، فَالْخَطْبُ أَكْبَرُ، لَيْسَتِ الْقَضِيَّةُ عِنْدَ هَؤُلَاءِ الْخَوَارِجِ فِي هَذَا الْعَصْرِ وَقْفًا عَلَى سُوءِ فَهْمٍ لِحَدِيثٍ، أَوْ غَلَطٍ فِي مَفَاهِيمِ الْوَلَاءِ وَالْبَرَاءِ، وَلَكِنَّهَا أُصُولٌ خَارِجِيَّةٌ كَانَتْ تُدَرَّسُ لِلشَّبَابِ فِي مُسْتَنْقَعَاتِ التَّكْفِيرِ وَالتَّفْجِيرِ.
رَوَى ابْنُ أَبِي شَيْبَةَ أَنَّ عُمَرَ بْنَ عَبْدِ الْعَزِيزِ تَبَرَّأَ مِنَ الْخَوَارِجِ أَنْفُسِهِمْ، وَكَانَ أَصْحَابُ رَسُولِ اللهِ -صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَعَلَى آلِهِ وَسَلَّمَ- يُسَمُّونَ الْخَوَارِجَ أَعْدَاءَ اللهِ، وَيَأْمُرُونَ بِقِتَالِهِمْ، بَلْ مِنْهُمْ مَنْ أَمَرَ بِقِتَالِ غُلَامِهِ حِينَ لَحِقَ بِهِمْ.
كَمَا رَوَى ابْنُ سَعْدٍ ( 4/301 ) وَأَحْمَدُ ( 4/357؟ 382 ) وَابْنُ أَبِي عَاصِمٍ فِي ((السُّنَّةِ)) ( 906 ) وَاللَّالَكَائِيُّ فِي ((شَرْحِ أُصُولِ الِاعْتِقَادِ)) (2312) بِإِسْنَادٍ حَسَّنَهُ الْأَلْبَانِيُّ فِي ((ظِلَالِ الْجَنَّةِ)) عَنْ سَعِيدِ بْنِ جَمْهَانَ قَالَ: ((كُنَّا نُقَاتِلُ الْخَوَارِجَ وَفِينَا عَبْدُاللَّهِ بْنُ أَبِي أَوْفَى، وَقَدْ لَحِقَ لَهُ غُلَامٌ بِالْخَوَارِجِ، وَهُمْ -يَعْنِي: الْخَوَارِجَ- مِنْ ذَلِكَ الشَّطِّ وَنَحْنُ مِنْ ذَا الشَّطِّ. فَنَادَيْنَاهُ: أَبَا فَيْرُوزٍ! أَبَا فَيْرُوزٍ! وَيْحَكَ هَذَا مَوْلَاكَ عَبْدُاللَّهِ بْنُ أَبِي أَوْفَى!
فَقَالَ ذَلِكَ الْغُلَامُ: نِعْمَ الرَّجُلُ هُوَ لَوْ هَاجَرَ.
قَالَ ابْنُ أَبِي أَوْفَى -رَضِيَ اللهُ عَنْهُ-: مَا يَقُولُ عَدُوُّ اللهِ؟!
قَالَ: قُلْنَا: يَقُولُ: نِعْمَ الرَّجُلُ لَوْ هَاجَرَ.
قَالَ: فَقَالَ ابْنُ أَبِي أَوْفَى -رَضِيَ اللهُ عَنْهُ-: أَهِجْرَةٌ بَعْدَ هِجْرَتِي مَعَ رَسُولِ اللهِ -صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَعَلَى آلِهِ وَسَلَّمَ-؟!
ثُمَّ قَالَ: سَمِعْتُ رَسُولَ اللهِ -صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَعَلَى آلِهِ وَسَلَّمَ- يَقُولُ: ((طُوبَى لِمَنْ قَتَلَهُمْ وَقَتَلُوهُ)).
هَذَا الْقَتْلُ الَّذِي يَقَعُ عَلَى أَهْلِ السُّنَّةِ فِي عُمُومِ الْعَالَمِ يَنْبَغِي أَنْ نَفْهَمَ سَبَبَهُ مِنْ أَجْلِ أَنْ نَسْتَطِيعَ مُعَالَجَةَ السَّبَبِ الدَّافِعِ إِلَى وُقُوعِهِ؛ لِأَنَّ هَذَا السَّبَبَ يَشْتَبِهُ عِنْدَ كَثِيرٍ مِنَ الْمُسْلِمِينَ:
هَؤُلَاءِ الْخَوَارِجُ يَقُولُونَ: إِنَّ الدَّارَ دَارُ كُفْرٍ وَحَرْبٍ؛ لِأَنَّهُمْ يُكَفِّرُونَ الْحُكَّامَ وَطَوَائِفَ الْحُكَّامِ، وَأَكْثَرُهُمْ -أَعْنِي: مِنَ الْمُنَظِّرِينَ لَهُمْ وَمِنْ أَئِمَّتِهِمْ- يُكَفِّرُونَ عُمُومَ الْمُسْلِمِينَ، وَيُقَسِّمُونَ الدِّمَاءَ الْمَعْصُومَةَ بِالْإِيمَانِ وَالْأَمَانِ عَلَى النَّحْوِ الَّذِي مَرَّ ذِكْرُهُ؛ إِذَنْ هُمْ يَسْتَبِيحُونَ دِمَاءَ أَهْلِ الْقِبْلَةِ.
وَعَلَيْهِ؛ فَإِنَّهُمْ يَقُولُونَ بِوُجُوبِ الْهِجْرَةِ مِنْ دَارِ الْكُفْرِ إِلَى دَارِ الْإِسْلَامِ، فَهُمْ يُهَاجِرُونَ مِنَ الدِّيَارِ الْمُسْلِمَةِ، مِنَ الدُّوَلِ الْإِسْلَامِيَّةِ، لِيَنْحَازُوا جَانِبًا، كَمَا قَالَ هَذَا الْغُلَامُ مِنَ الْخَوَارِجِ الْمُتَقَدِّمِينَ لِوَاحِدٍ مِنْ أَصْحَابِ النَّبِيِّ -صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَعَلَى آلِهِ وَسَلَّمَ-: نِعْمَ الرَّجُلُ هُوَ لَوْ هَاجَرَ.
وَالرَّجُلُ قَدْ هَاجَرَ مَعَ رَسُولِ اللهِ -صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَعَلَى آلِهِ وَسَلَّمَ-، وَلَكِنَّ الْخَوَارِجَ يُرِيدُونَ مِنْ كُلِّ مُسْلِمٍ لِكَيْ يَكُونَ صَحِيحَ الْإِسْلَامِ أَنْ يَقْضِيَ بِحُكْمِ الرِّدَّةِ وَالْكُفْرِ عَلَى حُكَّامِ بِلَادِهِ وَطَوَائِفِهِمْ، ثُمَّ عَلَى عُمُومِ الْمُسْلِمِينَ فِي دَوْلَتِهِ، وَعَلَيْهِ بَعْدَ ذَلِكَ أَنْ يُهَاجِرَ إِلَى دَارِ الْإِسْلَامِ، إِلَى أَيْنَ؟!
كَثِيرٌ مِنْ زُعَمَائِهِمْ هَاجَرَ إِلَى عَاصِمَةِ الْكُفْرِ، إِلَى لَنْدَن!!
فَيَتْرُكُونَ دِيَارَ الْإِسْلَامِ لِأَنَّهُمْ حَكَمُوا عَلَيْهَا بِأَنَّهَا دَارُ رِدَّةٍ وَكُفْرٍ وَحَرْبٍ، كَمَا يَحْكُمُونَ عَلَى مَكَّةَ وَالْمَدِينَةِ، فَإِنَّهُمْ لَا َيسْتَثْنُونَ بَلَدًا عَلَى ظَهْرِ الْأَرْضِ، يَقُولُونَ: إِنَّ جَمِيعَ الْبِلَادِ صَارَتْ دَارَ كُفْرٍ وَرِدَّةٍ وَحَرْبٍ، حَتَّى مَكَّةَ وَالْمَدِينَةِ.
فَهَذَا يَقُولُ لِهَذَا الصَّحَابِيِّ -رَضِيَ اللهُ عَنْهُ-: نِعْمَ الرَّجُلُ هُوَ لَوْ هَاجَرَ.
وَفِي ( صَحِيحِ الْبُخَارِيِّ ) ( 4728 ) عَنْ مُصْعَبٍ قَالَ: ((وَكَانَ سَعْدٌ – أَيْ: ابْنُ أَبِي وَقَّاصٍ رَضِيَ اللهُ عَنْهُ – يُسَمِّي الْخَوَارِج ]الْفَاسِقِينَ])).
وَقَالَ الْبُخَارِيُّ فِي ((صَحِيحِهِ)) ( 12/282 – الْفَتْحُ): ((وَكَانَ ابْنُ عُمَرَ يَرَاهُمْ شِرَارَ خَلْقِ اللهِ)).
وَكَانَ مِنَ الصَّحَابَةِ مَنْ يَتَعَوَّذُ مِنَ الْخَوَارِجِ، فَقَدْ رَوَى ابْنُ الْمُنْذِرِ فِي ((تَفْسِيرِهِ)) (242) بِسَنَدٍ حَسَنٍ فِي قِصَّةِ قَتْلِ جَمَاعَةٍ مِنَ الْخَوَارِجِ بِالشَّامِ، وَجَزِّ رُءُوسِهِمْ عَنْ أَجْسَادِهِمْ، وَقَدْ أُلْقِيَتْ بِدَرَجِ الْمَسْجِدِ.
قَالَ أَبُو غَالِبٍ: ((كُنْتُ فِي الْمَسْجِدِ جَالِسًا، فَجَاءَ أَبُو أُمَامَةَ -رَضِيَ اللهُ عَنْهُ- فَدَخَلَ الْمَسْجِدَ، فَصَلَّى رَكْعَتَيْنِ خَفِيفَتَيْنِ، قَالَ: ثُمَّ تَوَجَّهَ نَحْوَ الرُّءُوسِ الْمَنْصُوبَةِ، فَظَنَنْتُ أَنَّهُ سَيَكُونُ لَهُ فِيهَا كَلَامٌ.
قَالَ: فَاتَّبَعْتُهُ وَهُوَ لَا يَشْعُرُ، فَلَمَّا رَآهَا قَالَ: كِلَابُ النَّارِ! كِلَابُ النَّارِ! كِلَابُ النَّارِ! شَرُّ قَتْلَى تَحْتَ ظِلِّ السَّمَاءِ! شَرُّ قَتْلَى تَحْتَ ظِلِّ السَّمَاءِ! خَيْرُ قَتْلَى مَنْ قَتَلُوهُ! خَيْرُ قَتْلَى مَنْ قَتَلُوهُ! خَيْرُ قَتْلَى مَنْ قَتَلُوهُ!
قَالَ: وَكَانَ يَتَكَلَّمُ بِهَذَا الْكَلَامِ وَهُوَ يَبْكِي.
قَالَ: فَدَنَوْتُ مِنْهُ.
قَالَ: أَبُو غَالِبٍ؟!
قُلْتُ: نَعَمْ!
قَالَ: أَمَا إِنَّهُمْ قِبَلَكَ كَثِيرٌ.
قُلْتُ: أَجَلْ!
قَالَ: عَافَاكَ اللهُ مِنْهُمْ، أَعَاذَكَ اللهُ مِنْهُمْ، أَعَاذَنِي اللهُ مِنْهُمْ …)).
وَرَوَى الْبُخَارِيُّ (7094 ) عَنْ سَعِيدِ بْنِ جُبَيْرٍ قَالَ: ((خَرَجَ عَلَيْنَا عَبْدُ اللهِ بْنُ عُمَرَ، فَرَجَوْنَا أَنْ يُحَدِّثَنَا حَدِيثًا حَسَنًا، قَالَ: فَبَادَرَنَا إِلَيْهِ رَجُلٌ. أَيْ: أَسْرَعَ، فَكَانَ أَسْرَعَ مِنَّا إِلَيْهِ ذَلِكَ الرَّجُلُ، فَقَالَ: يَا أَبَا عَبْدِالرَّحْمَنِ! حَدِّثْنَا عَنِ الْقِتَالِ فِي الْفِتْنَةِ، وَاللَّهُ يَقُولُ: {وَقَاتِلُوهُمْ حَتَّى لَا تَكُونَ فِتْنَةٌ} [الأنفال: 39]?!
فَقَالَ: هَلْ تَدْرِي مَا الْفِتْنَةُ ثَكِلَتْكَ أُمُّكَ?! إِنَّمَا كَانَ مُحَمَّدٌ -صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَعَلَى آلِهِ وَسَلَّمَ- يُقَاتِلُ الْمُشْرِكِينَ، وَكَانَ الدُّخُولُ فِي دِينِهِمْ فِتْنَةً، وَلَيْسَ كَقِتَالِكُمْ عَلَى الْمُلْكِ)).
وَالشَّاهِدُ مِنْ هَذِهِ الرِّوَايَةِ أَنَّ عَبْدَاللَّهِ بْنَ عُمَرَ خَاطَبَهُ وَاحِدٌ مِنَ الْخَوَارِجِ -كَمَا بَيَّنَتْهُ رِوَايَةٌ عِنْدَ الْبُخَارِيِّ نَفْسِهِ، وَرَجَّحَهُ ابْنُ حَجَرٍ فِي شَرْحِهِ- خَاطَبَهُ بِمَا يَتَخَاطَبُ بِهِ الثَّوْرِيُّونَ الْيَوْمَ، فَلَمْ يَمْنَعْهُ خِطَابُهُ بِالْقُرْآنِ وَكَوْنُهُ يُرِيدُ أَنْ يُقَاتِلَ لِيَحْكُمَ بِشَرِيعَةِ الرَّحْمَنِ مِنْ أَنْ يَطْعَنَ عَلَيْهِ فِي نِيَّتِهِ، بِقَوْلِهِ: ((لَيْسَ كَقِتَالِكُمْ عَلَى الْمُلْكِ!)).
وَمَا قَالَ لَهُ: أَنْتَ رَجُلٌ حَسَنُ النِّيَّةِ طَيِّبُ الْقَلْبِ إِلَّا أَنَّ الْأَمْرَ كَذَا وَكَذَا.
وَلَمَّا اسْتَدَلَّ الْخَوَارِجُ عَلَى عَلِيِّ بْنِ أَبِي طَالِبٍ -رَضِيَ اللهُ تَعَالَى عَنْهُ- بِقَوْلِ اللهِ -جَلَّ وَعَلَا-: {إِنِ الْحُكْمُ إِلَّا لِلَّهِ} [يوسف: 40]، لَمْ يَتَرَدَّدْ فِي الطَّعْنِ عَلَى نِيَّاتِهِمْ، وَقَالَ فِيهِمْ قَوْلَتَهُ الْمَشْهُورَةَ: ((كَلِمَةُ حَقٍّ أُرِيدَ بِهَا بَاطِلٌ)) رَوَاهُ مُسْلِمٌ .
فَقَوْلُهُ: ((أُرِيدَ بِهَا بَاطِلٌ)) طَعْنٌ فِي الْإِرَادَةِ الَّتِي هِيَ أَدَلُّ شَيْءٍ عَلَى نِيَّةِ الْمَرْءِ، كَمَا قَالَ شَيْخُ الْإِسْلَامِ: فَإِذَا كَانَ الْعَبْدُ قَصْدُهُ وَمُرَادُهُ وَتَوَجُّهُهُ إِلَى اللهِ، فَهَذَا صَلَاحُ إِرَادَتِهِ وَقَصْدِهِ.
وَمِنْ دَقِيقِ فِقْهِ الْبُخَارِيِّ – رَحِمَهُ اللهُ – أَنَّهُ ذَكَرَ فِي كِتَابِ فَضَائِلِ الْقُرْآنِ مِنْ ((صَحِيحِهِ)) حَدِيثَيْنِ عَنِ الْخَوَارِجِ:
الْأَوَّلُ: عَنْ عَلِيٍّ -رَضِيَ اللهُ عَنْهُ- قَالَ: سَمِعْتُ النَّبِيَّ -صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَعَلَى آلِهِ وَسَلَّمَ- يَقُولُ: ((يَأْتِي فِي آخِرِ الزَّمَانِ قَوْمٌ حُدَثَاءُ الْأَسْنَانِ سُفَهَاءُ الْأَحْلَامِ يَقُولُونَ مِنْ خَيْرِ قَوْلِ الْبَرِيَّةِ يَمْرُقُونَ مِنَ الْإِسْلَامِ كَمَا يَمْرُقُ السَّهْمُ مِنَ الرَّمِيَّةِ، لَا يُجَاوِزُ إِيمَانُهُمْ حَنَاجِرَهُمْ، فَأَيْنَمَا لَقِيتُمُوهُمْ فَاقْتُلُوهُمْ، فَإِنَّ قَتْلَهُمْ أَجْرٌ لِمَنْ قَتَلَهُمْ يَوْمَ الْقِيَامَةِ)).
وَالْحَدِيثُ الثَّانِي: عَنْ أَبِي سَعِيدٍ الْخُدْرِيِّ -رَضِيَ اللهُ عَنْهُ- أَنَّهُ قَالَ: سَمِعْتُ رَسُولَ اللهِ -صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَعَلَى آلِهِ وَسَلَّمَ- يَقُولُ: ((يَخْرُجُ فِيكُمْ قَوْمٌ تَحْقِرُونَ صَلَاتَكُمْ مَعَ صَلَاتِهِمْ، وَصِيَامَكُمْ مَعَ صِيَامِهِمْ، وَعَمَلَكُمْ مَعَ عَمَلِهِمْ، يَقْرَءُونَ الْقُرْآنَ لَا يُجَاوِزُ حَنَاجِرَهُمْ، يَمْرُقُونَ مِنَ الدِّينِ كَمَا يَمْرُقُ السَّهْمُ مِنَ الرَّمِيَّةِ)).
وَبَوَّبَ لَهُ بِقَوْلِهِ: (بَابُ إِثْمِ مَنْ رَاءَى بِقِرَاءَةِ الْقُرْآنِ، أَوْ تَأَكَّلَ بِهِ، أَوْ فَجَرَ بِهِ): وَتَوْجِيهُهُ مَا قَالَهُ الْحَافِظُ فِي ((الْفَتْحِ)): فَالَّذِي فَهِمَهُ الْأَئِمَّةُ مِنَ السِّيَاقِ أَنَّ الْمُرَادَ أَنَّ الْإِيمَانَ لَمْ يَرْسَخْ فِي قُلُوبِهِمْ؛ لِأَنَّ مَا وَقَفَ عِنْدَ الْحُلْقُومِ فَلَمْ يَتَجَاوَزْهُ لَا يَصِلُ إِلَى الْقَلْبِ.
وَفِي هَذَا الْعَصْرِ سَنَةَ ثَمَانٍ وَعِشْرِينَ وَأَرْبَعِمِئَةٍ وَأَلْفٍ، حَاوَلَتْ مَجْمُوعَةٌ مِنْ خَوَارِجِ عَصْرِنَا تَفْجِيرَ أَكْبَرِ مَصَافِي النِّفْطِ فِي الْعَالَمِ فِي مَدِينَةِ أَبْقِيقَ، وَمِنْ لُطْفِ اللهِ تَعَالَى بِبِلَادِ التَّوْحِيدِ عَدَمُ نَجَاحِ تِلْكَ الْعَمَلِيَّةِ، وَقَتْلُ بَعْضِ عَنَاصِرِهِمْ عَلَى أَبْوَابِ الْمِصْفَاةِ قَبْلَ دُخُولِهِمْ، وَمَنْ هَرَبَ مِنْهُمْ مِنَ الْمُشَارِكِينَ قُتِلَ فِي غُضُونِ ثَمَانٍ وَأَرْبَعِينَ سَاعَةً، وَقَبَضَتْ بَوَاسِلُ التَّوْحِيدِ عَلَى كُلِّ مَنْ كَانَ لَهُ يَدٌ فِي تِلْكَ الْحَادِثَةِ مِنْ تَخْطِيطٍ وَتَنْظِيمٍ وَدَعْمٍ وَمُشَارَكَةٍ.
وَلْنَدَعِ الْكَلَامَ لِاعْتِرَافَاتِ بَعْضِ أَفْرَادِ مَا تُسَمَّى بِخَلِيَّةِ أَبْقِيقَ، يَتَكَلَّمُ عَنْ هَذِهِ الْحَادِثَةِ بَعْدَ الْقَبْضِ عَلَيْهِ حَيْثُ قَالَ:
إِنَّ التَّنْظِيمَ كَانَ يَقْصِدُ مِنْ ضَرْبَةِ أَبْقِيقَ أَنْ تَتَدَخَّلَ أَمْرِيكَا بِأَيِّ شَيْءٍ، بِأَنْ يُقْتَلَ نَاسٌ، يَحْيَا نَاسٌ، يَذْهَبُ اقْتِصَادٌ، هَذَا مَا يُهِمُّهُمْ، الْأَصْلُ أَنَّنَا نَسْحَبُ أَمْرِيكَا.
وَاعْتَرَفَ كَذَلِكَ بِقَوْلِهِ:
إِنَّ الْمُخَطِّطَ اعْتَمَدَ عَلَى اسْتِخْدَامِ كَمِّيَّاتٍ ضَخْمَةٍ مِنَ الْمُتَفَجِّرَاتِ كَافِيَةٍ لِتَدْمِيرِ مَعَامِلِ الْغَازِ وَالنِّفْطِ، وَانْتِشَارِ دُخَانِهَا سَرِيعًا فِي الْمُدُنِ الْمُجَاوِرَةِ لِأَبْقِيقَ، وَرَأْسِ تَنُّورَةَ، وَهِيَ مُلَاصِقَةٌ لِمَدِينَةِ الدَّمَّامِ وَالْخُبَرِ، مَا يَعْنِي مَقْتَلَ عَشَرَاتِ الْآلَافِ مِنَ السُّكَّانِ الْمَحَلِّيِّينَ.
قَالَ: وَاتَّضَحَ لَنَا بَعْدَ ذَلِكَ أَنَّ الْهُجُومَ لَا يَتَعَلَّقُ بِضَرْبِ آلَةٍ مَاكِينَةٍ وِخَلَاصِ، بَلْ إِنَّ الْغَازَ الْمُنْبَعِثَ سَيَقْتُلُ أَهْلَ أَبْقِيقَ عَلَى بَكْرَةِ أَبِيهِمْ، سَيَكُونُونَ كُلُّهُمْ مَيِّتِينَ مَيِّتِينَ، وَدِمَاؤُهُمْ فِي أَعْنَاقِنَا إِلَى يَوْمِ الْقِيَامَةِ.
لَقِينَا إِنَّ الْغَازَاتِ الْمُنْبَعِثَةَ تَصِلُ إِلَى أَكْثَرَ مِنْ سِتِّينَ كِيلُومِتْرًا، يَعْنِي: هَذَا يَشِيلُ وَيَأْخُذُ مَدِينَةَ الْعُيُونِ، هَذَا إِذَا مَا أَخَذَ مَدِينَةَ الْمُبَرَّزِ.
وَيَقُولُ الْكُرْدِيُّ أَيْضًا: كَانَ تَصَوُّرُنَا بَسِيطًا، مُعْتَرِفًا، كَانَتِ الشَّغْلَةُ جَهْل وَحَمَاسَة وَغَيْرَهَا مِنَ الْأَشْيَاءِ الَّتِي لَا تَنْضَبِطُ.
وَأَقَرَّ بِأَنَّهُمْ لَمْ يَكُونُوا صِغَارًا فِي السِّنِّ، فَقَالَ: وَاللَّهِ مَا كُنَّا صِغَارً، كُنَّا كِبَار، وَعِنْدَنَا أَبْنَاءٌ.
قَالَ الْمِقْرِنُ: إِنَّ أَحَدَ أَخْوَالِهِ عَلِمَ بِمُخَطَّطَاتِهِ، وَأَوْضَحَ لَهُ حَجْمَ الدَّمَارِ الْمُمْكِنِ أَنْ تُخَلِّفَهُ هَجَمَاتُهُمْ، وَتَحَدَّثَ إِلَيْهِ، وَأَقْنَعَهُ بِتَسْلِيمِ نَفْسِهِ، فَقَالَ: أَحَدُ أَخْوَالِي قَالَ لِي: هَذَا جُنُونٌ؛ يَعْنِي: عِشْرِين كِيلُو فِي عِشْرِين كِيلُو قُوَّةً؛ يَقْصِدُ مِسَاحَةَ الِانْفِجَارِ، يَقْصِدُ أَنَّهُ يَبْلُغُ عِشْرِينَ كِيلُومِتْرًا مُرَبَّعًا.
لَوْ قُدِّرَ نَجَاحُ الْعَمَلِيَّةِ لَكَانَتِ الضَّرْبَةُ مُمِيتَةً فِي حُدُودِ عِشْرِينَ كِيلُومِتْرًا إِلَى سِتِّينَ كِيلُومِتْرًا، تَكُونُ عَوَاقِبُ الضَّرْبَةِ وَخِيمَةً، لِوُجُودِ أَكْبَرِ مَصَافٍ لِلنِّفْطِ فِي الْعَالَمِ فِي هَذِهِ الْبَلْدَةِ.
مَعْنَى هَذَا الْكَلَامِ أَنَّ مَدِينَةَ أَبْقِيقَ تَزُولُ كُلُّهَا، هَكَذَا تَكَلَّمَ أَهْلُ الْخِبْرَةِ آنَ ذَاكَ.
خَوَارِجُ عَصْرِنَا مُنْذُ سَنَةِ سِتَّ عَشْرَةَ وَأَرْبَعِمِئَةٍ وَأَلْفٍ، وَهُوَ أَوَّلُ تَارِيخٍ لِحَوَادِثِ التَّفْجِيرِ فِي بِلَادِ الْحَرَمَيْنِ؛ يَقْتُلُونَ أَهْلَ الْإِسْلَامِ، وَأَهْلَ الذِّمَّةِ، لِمَاذَا؟!
يَقُولُونَ: أَخْرِجُوا الْمُشْرِكِينَ مِنْ جَزِيرَةِ الْعَرَبِ.
وَبَعْدَ سَنَوَاتٍ مِنْ ذَلِكَ فَجَّرُوا وَقَتَلُوا، لِمَاذَا؟!
اجْلِبُوا الْمُشْرِكِينَ إِلَى جَزِيرَةِ الْعَرَبِ!
وَلَا يَظُنَّنَّ ظَانٌّ أَنَّ هَذَا فِكْرُ صِغَارِ الْخَوَارِجِ مُنَفِّذِينَ وَمُنَظِّرِينَ، بَلْ هُوَ عِنْدَ كِبَارِهِمْ، هَذَا أَبُو حَفْصٍ الْمُورِيتَانِيُّ يُعَلِّلُ ضَرْبَهُمْ لِأَمْرِيكَا فِي عُقْرِ دَارِهَا بِقَوْلِهِ: إِنَّ رِمَاحَنَا لَا تَطَالُ الْكُفَّارَ، فَأَرَدْنَا ضَرْبَهُمْ فِي عُقْرِ دَارِهِمْ حَتَّى نَتَمَكَّنَ مِنْ إِحْضَارِهِمْ لِمُسْتَوَى الرِّمَاحِ.
النَّبِيُّ -صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَعَلَى آلِهِ وَسَلَّمَ- يَقُولُ: ((لَا تَتَمَنَّوْا لِقَاءَ الْعَدُوِّ))، وَهَؤُلَاءِ لَا يَتَمَنَّوْنَ لِقَاءَهُ فَقَطْ، بَلْ يَتَمَنَّوْنَ أَنْ يَغْزُوَ الْكُفَّارُ دَارَ الْإِسْلَامِ، وَقَدْ جَاءَ الصَّلِيبُ الْكَافِرُ وَاحْتَلَّ أَفْغَانِسْتَانَ تَحْتَ عِشْرِينَ رَايَةٍ، بَعْدَ أَنْ كَانَتْ أَفْغَانِسْتَانُ مُحْتَلَّةً مِنْ دَوْلَةٍ وَاحِدَةٍ هِيَ رُوسيَا الشُّيُوعِيَّةُ، وَلَكِنْ لِلْأَسَفِ لَمْ يَجِدِ الصَّلِيبِيُّونَ أَصْحَابَ الرِّمَاحِ الَّذِينَ تَمَنَّوْا لِقَاءَهُ، وَوَجَدُوا الرِّمَاحَ شَاهِدَةً عَلَى أَنَّ هُنَاكَ قَوْمًا كَانُوا بِجِوَارِهَا ثُمَّ هَرَبُوا، وَدَفَعَ الشَّعْبُ الْأَفْغَانِيُّ الْمُسْلِمُ نَتِيجَةَ هَذِهِ الْحَمَاقَاتِ، وَمَا زَالَ يَدْفَعُهَا إِلَى الْيَوْمِ.
نَسْأَلُ اللهَ أَنْ يُجَنِّبَ بُلْدَانَ الْمُسْلِمِينَ كُلَّهَا هَؤُلَاءِ الْخَوَارِجَ وَشَرَّهُمْ وَكَيْدَهُمْ وَمَكْرَهُمْ، وَأَنْ يَجْعَلَ كَيْدَهُمْ فِي نُحُورِهِمْ.
وَصَلَّى اللهُ وَسَلَّمَ عَلَى نَبِيِّنَا مُحَمَّدٍ وَعَلَى آلِهِ وَأَصْحَابِهِ أَجْمَعِينَ.
[الْخُطْبَةُ الثَّانِيَةُ]
الْحَمْدُ لِلَّهِ رَبِّ الْعَالَمِينَ، وَأَشْهَدُ أَنْ لَا إِلَهَ إِلَّا اللهُ وَحْدَهُ لَا شَرِيكَ لَهُ هُويَتَوَلَّى الصَّالِحِينَ، وَأَشْهَدُ أَنَّ مُحَمَّدًا عَبْدُهُ وَرَسُولُهُ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَعَلَى آلِهِ وَسَلَّمَ صَلَاةً وَسَلَامًا دَائِمَيْنِ مُتَلَازِمَيْنِ إِلَى يَوْمِ الدِّينِ.
أَمَّا بَعْدُ:
فَلَا شَكَّ أَنَّ الْأُمَّةَ الْإِسْلَامِيَّةَ تَمُرُّ فِي هَذِهِ الْحِقْبَةِ مِنْ تَارِيخِهَا بِأَحَدِ الْمُنْعَطَفَاتِ حِدَّةً فِي تَارِيخِهَا، وَبِأَصْعَبِهَا وَأَقْسَاهَا عَلَى نُفُوسِ أَبْنَائِهَا، فَلَيْسَتْ هُنَالِكَ رَايَةٌ يَفِيءُ إِلَيْهَا الْمُسْلِمُونَ فِي الْعَالَمِ، وَإِنَّمَا هُنَالِكَ رَايَاتٌ مُتَعَدِّدَةٌ، وَهَذِهِ الرَّايَاتُ رَايَاتٌ مُتَضَارِبَةٌ؛ لِأَنَّ فِكْرَ التَّكْفِيرِ قَدْ تَغَلْغَلَ فِي نُفُوسِ الشَّبِيبَةِ الْمُسْلِمَةِ، فَحَرَفَهَا عَنِ الْقَصْدِ وَعَنِ الصِّرَاطِ الْمُسْتَقِيمِ.
وَهَؤُلَاءِ الْخَوَارِجُ يَعْمَلُونَ مِنْ قَدِيمٍ؛ لِأَنَّهُمْ لَمَّا سَقَطَتِ الْخِلَافَةُ الْعُثْمَانِيَّةُ بِزَعْمِهِمْ لَمْ يَعُدْ لِلْمُسْلِمِينَ دَوْلَةٌ، وَهُمْ يُرِيدُونَ أُسْتَاذِيَّةَ الْعَالَمِ كَمَا يَقُولُ خَوَارِجُ عَصْرِنَا مِنَ الْإِخْوَانِ الْمُسْلِمِينَ.
وَ(أُسْتَاذِيَّةُ الْعَالَمِ) مُصْطَلَحٌ مَاسُونِيٌّ كَمَا يَعْرِفُ ذَلِكَ مَنْ لَهُ أَدْنَى مَعْرِفَةٍ وَاطِّلَاعٍ بِمَا يَتَعَلَّقُ بِالْمَاسُونِيَّةِ الْعَالَمِيَّةِ، فَهَؤُلَاءِ لَمَّا قَالُوا ذَلِكَ الْقَوْلَ رَاحُوا يُجَهِّزُونَ الْعُدَّةَ مِنْ أَجْلِ أَنْ يُعِيدُوا أُسْتَاذِيَّةَ الْعَالَمِ لِلْمُسْلِمِينَ كَمَا يَزْعُمُونَ؛ لِأَنَّهُمْ يَقُولُونَ: لَيْسَ لِلْإِسْلَامِ دَوْلَةٌ عَلَى ظَهْرِ الْأَرْضِ، فَإِنَّهُ قَدِ انْقَطَعَ الْخَيْطُ الَّذِي يَضُمُّ الْحَبَّاتِ، فَهِيَ مُتَنَاثِرَةٌ فِي شَتَاتٍ، وَعَلَيْهِ فَإِنَّهُمْ يُحَاوِلُونَ إِقَامَةَ دَوْلَةِ الْإِسْلَامِ، وَأَنْ يُعِيدُوا الْخِلَافَةَ، وَلَكِنْ كَيْفَ يَكُونُ ذَلِكَ؟!
أَيَكُونُ بِالْمِنْهَاجِ النَّبَوِيِّ مِنْهَاجِ النُّبُوَّةِ عَلَى مَا جَاءَ بِهِ الرَّسُولُ -صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَعَلَى آلِهِ وَسَلَّمَ- مِنَ الْوَحْيِ الْمَعْصُومِ بِالدَّعْوَةِ إِلَى تَوْحِيدِ اللهِ -جَلَّ وَعَلَا-، وَبِمَعْرِفَةِ الْإِسْلَامِ مِنْ مَصْدَرَيْهِ الصَّافِيَيْنِ مِنَ الْكِتَابِ وَالسُّنَّةِ، بِالْعَمَلِ الصَّالِحِ وَالْعِلْمِ النَّافِعِ؟!
إِنَّهُمْ لَمْ يُبَالُوا بِذَلِكَ، بَلْ إِنَّهُمْ عَادَوُا الْعُلَمَاءَ، وَلَمْ يَكُنْ فِي صَفِّهِمْ وَلَا فِي أَحْزَابِهِمْ مِنْ عَالِمٍ وَاحِدٍ وَلَا مِنْ طَالِبِ عِلْمٍ مُحْتَرَمٍ، بَلْ كُلُّهُمْ جُهَّالٌ، يَخْبِطُونَ فِي دِينِ اللهِ رَبِّ الْعَالَمِينَ خَبْطَ الْعَمْيَاءِ، وَهُمْ يَزْرَعُونَ فِي نُفُوسِ أَتْبَاعِهِمْ مِنَ الشَّبَابِ الَّذِي انْخَدَعَ بِدِعَايَاتِهِمْ أَنَّ الْعُلَمَاءَ جَمِيعًا يُدَاهِنُونَ الْحُكَّامَ الْمُرْتَدِّينَ.
وَعَلَيْهِ؛ فَهُمْ يَقْضُونَ وَيَحْكُمُونَ عَلَى أُولَئِكَ الْعُلَمَاءِ بِالرِّدَّةِ وَالْكُفْرِ، وَهُمْ لَا يَحْتَرِمُونَهُمْ بَلْ إِنَّهُمْ يَدْعُونَ إِلَى قَتْلِهِمْ وَإِلَى تَصْفِيَتِهِمْ، وَإِذَنْ لَا بُدَّ مِنَ الْعَوْدَةِ إِلَى عُلَمَائِهِمْ هُمْ، يَقُولُونَ: هَؤُلَاءِ الَّذِينَ وُلِدَ عِلْمُهُمْ فِي مَيَادِينِ الْجِهَادِ فِي سَبِيلِ اللهِ -جَلَّ وَعَلَا-! فَهُمْ أَنْفَذُ بَصِيرَةً، يَخْتَارُونَ لِلْخَوَارِجِ مِنَ الشَّبِيبَةِ الَّذِينَ مَعَهُمُ الْأَتْقَى وَالْأَنْقَى وَالْأَنْكَى، لِأَنَّهُمْ يَقُولُونَ: لَا بُدَّ مِنْ إِثْخَانِ النِّكَايَةِ فِي الْمُسْلِمِينَ.
وَيُصَرِّحُونَ بِأَنَّهُ يَجِبُ عَلَيْهِمْ أَنْ لَا يَخَافُوا الدَّمَ وَلَا الذَّبْحَ، وَهَذَا يُفَسِّرُ لَنَا مَا يَقَعُ هُنَا وَهُنَالِكَ مِنَ اعْتِدَاءٍ عَلَى أَهْلِ الْقِبْلَةِ؛ لِأَنَّ هَؤُلَاءِ الْخَوَارِجَ يُؤْمِنُونَ بِيَقِينٍ وَعَقِيدَةٍ كَأَسْلَافِهِمْ كَحُرْقُوصِ بْنِ زُهَيْرٍ، وَكَعَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنِ مُلْجَمٍ الَّذِي كَانَ مُعْتَقِدًا أَنَّهُ يَأْتِي بِعَمَلٍ صَالِحٍ لَا مَثِيلَ لَهُ لَمَّا قَتَلَ أَفْضَلَ أَهْلِ الْأَرْضِ فِي عَصْرِهِ وَزَمَانِهِ، وَهُوَ عَلِيُّ بْنُ أَبِي طَالِبٍ -رَضِيَ اللهُ تَعَالَى عَنْهُ-، فَأَرَادَ أَنْ يَتَقَرَّبَ إِلَى اللهِ -تَبَارَكَ وَتَعَالَى- بِقَتْلِهِ، وَقَدِ اغْتَالَهُ -رَضِيَ اللهُ عَنْهُ-، وَمَضَى إِلَى رَبِّهِ حَمِيدًا شَهِيدًا.
وَهَذَا الْخَارِجِيُّ تُقْطَعُ يَدَاهُ وَرِجْلَاهُ، وَتُسْمَلُ عَيْنَاهُ، وَلَا يَظْهَرُ مِنْهُ جَزَعٌ، فَإِذَا أَرَادُوا أَنْ يَسْتَلُّوا لِسَانَهُ ظَهَرَ مِنْهُ الْجَزَعُ، فَلَمَّا اسْتُفْسِرَ عَنْ هَذَا الْأَمْرِ الْعَجِيبِ، قَالَ إِنَّهُ لَا يُرِيدُ أَنْ يَمُرَّ عَلَيْهِ فُوَاقٌ فِي هَذِهِ الْحَيَاةِ مِنْ غَيْرِ ذِكْرٍ لِلَّهِ!!
الَّذِي يَحْمِلُ الْحِزَامَ النَّاسِفَ، الَّذِي يُعَبِّئُ سَيَّارَةً بِأَطْنَانٍ مِنَ الْمُتَفَجِّرَاتِ، يُفَجِّرُ نَفْسَهُ وَأَهْلَ الْقِبْلَةِ، هَذَا عَلَى يَقِينٍ جَازِمٍ أَنَّهُ إِنَّمَا يَقْتُلُ مُرْتَدِّينَ كَافِرِينَ.
فَيَنْبَغِي أَنْ تَعْلَمَ وَصْفَكَ عِنْدَ الْقَوْمِ حَتَّى تَسْتَطِيعَ أَنْ تَتَعَامَلَ مَعَهُمْ، أَنْتَ عِنْدَهُمْ كَافِرٌ مُرْتَدٌّ خَارِجٌ مِنَ الْمِلَّةِ، وَهُمْ يَتَقَرَّبُونَ إِلَى اللهِ بِدَمِكَ، وَدَمُكَ حَلَالٌ لَهُمْ، وَعِرْضُكَ وَمَالُكَ، وَحَرِيمُكَ إِذَا وَقَعُوا فِي أَيْدِيهِمْ فَهُمْ سَبَايَا، كَمَا يَحْدُثُ الآن، وَكَمَا حَدَثَ مِنْ قَبْلُ فِي الْجَزَائِرِ مِنْ أُمُورٍ مُخْزِيَةٍ لَمْ تَقَعْ فِي تَارِيخِ الْإِسْلَامِ كُلِّهِ!
هَؤُلَاءِ الْخَوَارِجُ مِنَ الْمُتَقَدِّمِينَ وَمِنَ الْمُعَاصِرِينَ تَطَابَقَتْ أَقْوَالُهُمْ وَمُعْتَقَدَاتُهُمْ وَأَفْعَالُهُمْ حَذْوَ النَّعْلِ بِالنَّعْلِ، فَيَنْبَغِي عَلَى الْمُسْلِمِ أَنْ يَعْرِفَهُمْ، يَنْبَغِي عَلَى الْمُسْلِمِ أَنْ يَعْلَمَ خَبِيئَتَهُمْ، يَنْبَغِي عَلَى الْمُسْلِمِ أَنْ يَعْلَمَ اعْتِقَادَاتِهِمْ، يَنْبَغِي عَلَى الْمُسْلِمِ أَنْ يَعْلَمَ مُخَطَّطَاتِهِمْ وَأَهْدَافَهُمْ حَتَّى يَسْتَطِيعَ أَنْ يَقِيَ نَفْسَهُ شَرَّ هَؤُلَاءِ الْقَوْمِ الَّذِينَ يَتَقَرَّبُونَ إِلَى اللهِ رَبِّ الْعَالَمِينَ بِسَفْكِ دَمِهِ وَإِزْهَاقِ رُوحِهِ.
فِي هَذَا الْيَوْمِ وَقَعَ فَضٌّ لِذَلِكَ الِاعْتِصَامِ الَّذِي كَانَ فِي إِشَارَةِ مُرُورِ رَابِعَةَ، وَكَذَلِكَ مَا كَانَ فِي مَيْدَانِ النَّهْضَةِ، هَؤُلَاءِ الَّذِينَ اعْتَصَمُوا فِي ذَلِكَ الْمَكَانِ هُمْ مِنْ خَوَارِجِ هَذَا الْعَصْرِ، هَؤُلَاءِ قِيلَ لَهُمْ مَرَّاتٍ عَلَى مَدَارِ خَمْسَةٍ وَأَرْبَعِينَ يَوْمًا: لَا يَجُوزُ لَكُمْ أَنْ تَكُونُوا فِي مِثْلِ هَذَا الْمَكَانِ مُعْتَصِمِينَ، بَلْ يَنْبَغِي عَلَيْكُمْ أَنْ تَذْهَبُوا إِلَى دُورِكُمْ رَاشِدِينَ آمِنِينَ، وَاعْلَمُوا أَنَّكُمْ سَتَتَجَنَّبُونَ الْمُلَاحَقَةَ، وَلَنْ يَمَسَّكُمْ أَحَدٌ بِسُوءٍ.
لَمَّا رَأَى قَادَتُهُمْ وَزُعَمَاؤُهُمْ أَنَّ الْأَمْرَ جِدٌّ، هَرَبُوا جَمِيعًا، وَتَرَكُوا مَنْ غَرَّرُوا بِهِمْ هُنَالِكَ يَحْمِلُونَ السِّلَاحَ وَيُقَاوِمُونَ الْقُوَّاتِ، وَبَدَءُوا بِالْقِتَالِ كَمَا وَقَعَ مِنَ الْخَوَارِجِ الْمُتَقَدِّمِينَ مَعَ جُنْدِ عَلِيٍّ -رَضِيَ اللهُ عَنْهُمْ-.
الْيَوْمُ هُوَ الْعِيدُ الْقَوْمِيُّ لِلْإِخْوَانِ الْمُسْلِمِينَ، هُوَ ذِكْرَى الْمَحْرَقَةِ، تَمَامًا كَمَا هُوَ عِنْدَ الْيَهُودِ فِي ذِكْرَى الْهُولُوكُوست، فِي ذِكْرَى الْمَحْرَقَةِ، وَإِنَّمَا هِيَ الْمَظْلُومِيَّةُ الَّتِي يَجِدُونَ مِنْهَا السَّنَدَ وَالْقُوَّةَ أَمَامَ أَنْفُسِهِمْ، وَأَمَامَ الْعَالَمِ كُلِّهِ، مِنْ مُسْلِمِينَ وَغَيْرِ مُسْلِمِينَ، هِيَ الْمَظْلُومِيَّةُ الَّتِي يَسْتَمِدُّونَ مِنْهَا السَّنَدَ، وَيَقُولُونَ: إِنَّ الْأَرْضَ لَا تَشْرَبُ الدِّمَاءَ.
نَعَمْ، لَا تَشْرَبُ دِمَاءَكُمْ وَلَا دِمَاءَ مَنْ قَتَلْتُمُوهُ، فَإِنَّ الْأَرْضَ أَيْضًا لَا تَشْرَبُ دِمَاءَ أَعْدَائِكُمُ الَّذِينَ تَحْكُمُونَ عَلَيْهِمْ بِالْكُفْرِ وَالرِّدَّةِ، وَالَّذِينَ تَخْرُجُونَ عَلَيْهِمْ بِأَسْلِحَتِكُمْ.
وَالْيَوْمَ يُعْلِنُونَ الْخُرُوجَ إِلَى التَّظَاهُرِ بِالسِّلَاحِ، بِأَنْ تَكُونَ التَّظَاهُرَاتُ مُسَلَّحَةً، وَأَتَى الْأَمْرُ بِذَلِكَ مِنَ الْمَكْتَبِ الْعَالَمِيِّ لَهُمْ، مِنَ التَّنْظِيمِ الْعَالَمِيِّ لِلْإِخْوَانِ الْمُسْلِمِينَ، هُنَالِكَ فِي تُرْكِيَا اجْتَمَعُوا وَقَرَّرُوا، مَنِ الَّذِي يُنَفِّذُ؟!
الَّذِينَ يُنَفِّذُونَ هُمُ الْأَغْرَارُ الْأَغْمَارُ مِمَّنْ لَا نَاقَةَ لَهُمْ فِي الْأَمْرِ وَلَا جَمَلَ، هَؤُلَاءِ لَا عِلْمَ عِنْدَهُمْ وَلَا مَعْرِفَةَ، وَهَؤُلَاءِ الْكِبَارُ إِنَّمَا يُقَاتِلُونَ عَلَى الْمُلْكِ؛ لِأَنَّهُمْ لَوْ كَانُوا يُقَاتِلُونَ لِأَجْلِ اللهِ -جَلَّ وَعَلَا- وَدِينِ الْإِسْلَامِ الْعَظِيمِ، لَحَقَنُوا الدِّمَاءَ، وَحَافَظُوا عَلَى ثَرْوَاتِ الْأُمَّةِ، وَكَانُوا أَحْرَصَ الْخَلْقِ عَلَى أَنْ لَا تَقَعَ الْفَوْضَى فِيهَا وَبَيْنَ جُمُوعِهَا، وَهُمْ يَرَوْنَ الْفَوْضَى فِي كُلِّ مَكَانٍ، يَرَوْنَ الْقَتْلَ يَسْتَعِرُ بِنَارِهِ وَحَرِّهِ فِي جَمِيعِ الْبُلْدَانِ الْمُحِيطَةِ!
وَلِذَلِكَ هُمْ يَحْسُدُونَ تِلْكَ الْبُلْدَانَ عَلَى مَا آتَاهُمُ اللهُ مِنْ نِقْمَتِهِ لَمَّا وَقَعُوا فِي أَتُّونِ الْفَوْضَى الْمُدَمِّرَةِ الْمُحْرِقَةِ الَّتِي تَسِيلُ فِيهَا الدِّمَاءُ وَتُزْهَقُ فِيهَا الْأَرْوَاحُ، وَتُنْتَهَكُ فِيهَا الْأَعْرَاضُ وَالْحُرُمَاتُ، فَيَحْقِدُونَ عَلَيْهِمْ، وَيُرِيدُونَ أَنْ تَأْتِيَ هَذِهِ النِّقْمَةُ إِلَى مِصْرَ سَلَّمَهَا اللهُ مِنْ كُلِّ سُوءٍ.
أَيُّهَا الْمُسْلِمُونَ:
إِنَّهُ لَا مَنْجَى لَنَا وَلَا مَلْجَأَ إِلَّا اللهُ، وَيَنْبَغِي عَلَيْنَا أَنْ نَعُودَ إِلَيْهِ -جَلَّ وَعَلَا- بِالتَّوْبَةِ النَّصُوحِ، يَنْبَغِي أَنْ نَنْخَلِعَ مِنَ الْمَعْصِيَةِ وَالْإِثْمِ وَالْوِزْرِ، وَأَنْ نَجْتَهِدَ فِي طَاعَتِنَا لِرَبِّنَا -جَلَّ وَعَلَا- ، أَنْ يُسَلِّمَ اللهُ بِلَادَنَا وَأَنْ يُسَلِّمَنَا وَجَمِيعَ بِلَادِ الْمُسْلِمِينَ مِنْ هَذَا الْكَرْبِ الْكَارِبِ، وَمِنْ هَذِهِ الْفِتْنَةِ الْمَاحِقَةِ الَّتِي لَا تُبْقِي وَلَا تَذَرُ.
يَنْبَغِي عَلَيْنَا أَوَّلًا أَنْ نَعُودَ إِلَى اللهِ -جَلَّ وَعَلَا-، وَمَنْ أَخْطَأَ فَعَلَيْهِ أَنْ يَعْتَرِفَ بِخَطَئِهِ، وَأَنْ يُنِيبَ إِلَى رَبِّهِ -جَلَّ وَعَلَا- وَأَنْ يَعُودَ إِلَيْهِ، وَأَمَّا مَنْ لَمْ يَتَوَرَّطْ فِي تِلْكَ الْفِتْنَةِ فَعَلَيْهِ أَنْ يَكُونَ بَعِيدًا عَنْهَا، وَأَنْ يَسْأَلَ اللهَ رَبَّ الْعَالَمِينَ السَّلَامَةَ، هَذَا أَوَّلًا.
وَثَانِيًا، وَلَا ثَالِثَ لَهُمَا: أَنْ يَصْطَفَّ هَذَا الشَّعْبُ كُلُّهُ خَلْفَ قِيَادَتِهِ، وَإِلَّا فَوَالَّذِي رَفَعَ السَّمَاءَ بِلَا عَمَدٍ، لَنْ يَجِدَ أَحَدٌ لِنَفْسِهِ مَهْرَبًا، وَلَتُرَاقَنَّ الدِّمَاءُ حَتَّى تَسِيلَ كَالْأَنْهَارِ فِي الشَّوَارِعِ؛ هَذَا سَيَقَعُ قِيَاسًا عَلَى مَا هُوَ وَاقِعٌ، كَمَا هُوَ وَاقِعٌ الْيَوْمَ فِي سِرْتَ حَفِظَهَا اللهُ وَلِيبيَا مِنْ كُلِّ سُوءٍ.
فَإِنَّ الدَّوَاعِشَ قَدْ عَدَوْا عَلَى وَاحِدٍ مِنْ طُلَّابِ الْعِلْمِ النَّابِهِينَ فَقَتَلُوهُ رَمْيًا بِالرَّصَاصِ وَهُوَ خَارِجٌ لِصَلَاةِ الصُّبْحِ فِي مَسْجِدِهِ، انْتَفَضَتْ قَبِيلَتُهُ فَقَامُوا بِغَيْرِ عُدَّةٍ وَلَا عَتَادٍ، وَلَا كَبِيرِ اسْتِعْدَادٍ مِنْ أَجْلِ أَنْ يُوَاجِهُوا هَؤُلَاءِ الْوُحُوشَ، فَوَقَعَ بَعْضُ شَيْءٍ، فَعَدَوْا عَلَى الدِّيَارِ، وَعَدَوْا عَلَى الْحُرُمَاتِ، وَأَخَذُوا بَعْضَ الْأَسْرَى كَمَا يَدَّعُونَ، وَقَدْ أَعْلَنُوا أَنَّهُمْ سَيَقُومُونَ بِشَنْقِهِمْ بَعْدَ صَلَاةِ الْجُمُعَةِ الْيَوْمَ!!
أَيُّ عَبَثٍ هَذَا؟!
أَيُّ فَوْضَى هَذِهِ؟!
مَا هَذَا الَّذِي يَحْدُثُ؟!
وَلَيْسَ بِبَعِيدٍ، وَإِنَّهُ لَيَتَسَلَّلُ تَسَلُّلًا حَقِيقِيًّا إِلَى هَذِهِ الدِّيَارِ!
اتَّقُوا اللهَ فِي أَنْفُسِكُمْ!
وَتَأَمَّلُوا فِي صُورَةِ الرَّهِينَةِ الْكُرْوَاتِيِّ، وَقَدْ خُطِفَ مِنْ هُنَا مِنْ مِصْرَ، ثُمَّ ذُهِبَ بِهِ -عَلَى الْأَغْلَبِ- إِلَى لِيبيَا، ثُمَّ ذُبِحَ عَلَى طَرِيقَتِهِمُ الَّتِي يَدَّعُونَ، يَنْبَغِي عَلَيْنَا أَنْ لَا نَرْهَبَ الدِّمَاءَ، وَأَنْ لَا نَرْهَبَ الذَّبْحَ وَلَا الْحَرْقَ، وَأَنْ نُثْخِنَ فِي هَؤُلَاءِ الْمُرْتَدِّينَ الْكُفَّارِ، فَأَمَّا إِذَا مَا تَمَكَّنَّا فَسَوْفَ يَجِدُونَنَا أَرَقَّ عَلَيْهِمْ مِنَ النَّسِيمِ، سَنَقُولُ لَهُمْ يَوْمَئِذٍ: اذْهَبُوا فَأَنْتُمُ الطُّلَقَاءُ!!
هَذَا كَلَامُهُمْ، وَهُوَ الَّذِي يُنَفِّذُونَهُ كَمَا يَرَى كُلُّ ذِي عَيْنَيْنِ!
فَصَلُوا رَأْسَهُ عَنْ جَسَدِهِ، وَكَانَ مُلْقًى عَلَى وَجْهِهِ، فَبَقِيَتْ جُثَّتُهُ عَلَى حَالِهَا، وَوُضِعَ رَأْسُهُ مُوَاجِهًا لِكَامِيرَةِ التَّصْوِيرِ فَوْقَ ظَهْرِهِ، وَكَمَا تُذْبَحُ شَاةٌ تَخْرُجُ الدِّمَاءُ مِنْ وَدَجَيْهَا فِي خَطَّيْنِ مُتَوَازِيَيْنِ، كَذَلِكَ نَزَفَتْ دِمَاؤُهُ تَسِيرُ عَلَى الرِّمَالِ، وَالْأَرْضُ لَا تَشْرَبُ الدِّمَاءَ كَمَا يَقُولُ الْإِخْوَانُ الْمُجْرِمُونَ، فَعِنْدَمَا تَنْظُرُ إِلَى هَذَا تَقُولُ:
أَهَذِهِ دَعْوَةٌ إِلَى دِينِ اللهِ -جَلَّ وَعَلَا-؟!
أَهَذَا يُحَبِّبُ الْكَافِرَ فِي دِينِ الْإِسْلَامِ الْعَظِيمِ؟!
بَلْ أَهَذَا يَجْعَلُ الْمُسْلِمَ الَّذِي لَا يَفْهَمُ مَا حَوْلَهُ يَثِقُ فِي أَحَدٍ أَخَذَ ظَاهِرَ السُّنَّةِ وَلَجَأَ إِلَى اللهِ -جَلَّ وَعَلَا-، وَاتَّبَعَ النَّبِيَّ الْمُجْتَبَى -صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَعَلَى آلِهِ وَسَلَّمَ-؟!
أَبِمِثْلِ هَذِهِ الْوَحْشِيَّةِ يُعَبَّرُ عَنْ دِينِ اللهِ -جَلَّ وَعَلَا-، وَيُسْعَى لِإِقَامَةِ دَوْلَةِ الْإِسْلَامِ فِي الْأَرْضِ؟!
إِنَّهُمْ يَدَّعُونَ أَنَّ مَنْ لَمْ يُبَايِعْ إِمَامَهُمْ وَأَمِيرَهُمُ الْبَغْدَادِيَّ، فَإِنَّهُ كَافِرٌ مُرْتَدٌّ، وَمَنْ لَمْ يُهَاجِرْ إِلَيْهِمْ مَعَ الْقُدْرَةِ عَلَى الْهِجْرَةِ، وَبَقِيَ فِي دَارِ الرِّدَّةِ وَالْكُفْرِ فَهُوَ كَافِرٌ مُرْتَدٌّ.
فَهُمْ يُكَفِّرُونَ عُمُومَ الْمُسْلِمِينَ، وَلَا يَنْتَظِرُ هَؤُلَاءِ الْمُسْلِمُونَ إِلَّا الذَّبْحَ مِنْ أُولَئِكَ، لَا يَنْتَظِرُونَ سِوَى الذَّبْحِ، فَانْتَظِرُوهُ إِنْ لَمْ تَجْتَهِدُوا فِي مَعْرِفَةِ حَقِيقَةِ الْأَمْرِ، إِنْ لَمْ تَصْطَفُّوا، إِنْ لَمْ تَكُونُوا صَفًّا وَاحِدًا خَلْفَ قِيَادَتِكُمْ، فَأَبْشِرُوا بِالذَّبْحِ، كَمَا قَالَ ابْنُ الْعَيَّاطِ وَهُوَ يُشِيرُ بِيَدِهِ إِلَى رَقَبَتِهِ -قَطَعَهَا اللهُ رَبُّ الْعَالَمِينَ-.
أَيُّهَا الْمُسْلِمُونَ:
الْأَمْرُ جِدٌّ لَا هَزْلَ فِيهِ، وَإِذَا كَانَ الْقَائِدُ الْأَعْلَى لِلْقُوَّاتِ الْمُسَلَّحَةِ فِي مِصْرَ، وَهُوَ رَئِيسُ مِصْرَ، يَقُولُ: إِنَّ مِصْرَ فِي حَالَةِ حَرْبٍ. فَهَلِ اتَّخَذَ الْمِصْرِيُّونَ مَا يَلْزَمُ لِحَالَةِ الْحَرْبِ؟!
الْمِصْرِيُّونَ فِي دَعَتِهِمْ، الْمِصْرِيُّونَ فِي أَحْوَالِهِمْ؛ يَتَظَاهَرُونَ مِنْ أَجْلِ لَا شَيْءَ، يُعَطِّلُونَ مَصَالِحَ الْخَلْقِ مِنْ أَجْلِ الْعَدَمِ، الْمِصْرِيُّونَ كَأَنَّهُمْ لَا يَعْلَمُونَ مَا يُرَادُ بِهِمْ، يَقُولُ لَهُمْ: إِنَّكُمْ فِي حَالَةِ حَرْبٍ. الْبَلَدُ فِي حَرْبٍ. وَالْبَلَدُ إِذَا كَانَتْ فِي حَرْبٍ فَيَنْبَغِي أَنْ يَكُونَ أَهْلُهَا جَمِيعًا فِي حَالَةِ حَرْبٍ، مَنِ الَّذِي هُوَ فِي حَالَةِ الْحَرْبِ هَذِهِ؟!
النَّاسُ فِي حَالَةِ سِلْمٍ مُسَالِمٍ يَنْتَظِرُونَ الذَّبْحَ!!
اتَّقُوا اللهَ!
اتَّقُوا اللهَ فِي أَنْفُسِكُمْ!
اتَّقُوا اللهَ فِي الْمُسْلِمِينَ!
اتَّقُوا اللهَ فِي أَرْضِ الْإِسْلَامِ!
اتَّقُوا اللهَ فِي الْأُمَّةِ؛ فَإِنَّ مِصْرَ هِيَ عَمُودُ الْفُسْطَاطِ، عَمُودُ الْخَيْمَةِ، إِذَا سَقَطَ -لَا قَدَّرَ اللهُ جَلَّ وَعَلَا- سَقَطَتِ الْخَيْمَةُ كُلُّهَا، وَهُمْ يَعْلَمُونَ ذَلِكَ، وَيَحْرِصُونَ عَلَى إِسْقَاطِهِ ثَبَّتَهُ اللهُ رَبُّ الْعَالَمِينَ.
نَسْأَلُ اللهَ رَبَّ الْعَالَمِينَ أَنْ يَحْفَظَ بِلَادَنَا مِنْ كُلِّ سُوءٍ، وَجَمِيعَ بِلَادِ الْمُسْلِمِينَ، وَأَنْ يَرُدَّ كَيْدَ الْخَوَارِجِ إِلَى نُحُورِهِمْ وَأَنْ يُعَامِلَهُمْ بِعَدْلِهِ، إِنَّهُ تَعَالَى عَلَى كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ.
وَصَلَّى اللهُ وَسَلَّمَ عَلَى نَبِيِّهِ مُحَمَّدٍ وَعَلَى آلِهِ وَأَصْحَابِهِ أَجْمَعِينَ.
الْفَهْرِسُ
تَكْفِيرُ الْمُسْلِمِينَ مِنْ أَعْظَمِ الْفَوَاقِرِ الَّتِي حَلَّتْ بِالْمُسْلِمِينَ ……………..3
مَوَاقِفُ بَعْضِ الصَّحَابَةِ مَعَ الْخَوَارِجِ ……………………………..5
نِقَاطٌ مِنَ التَّشَابُهِ بَيْنَ خَوَارِجِ الْعَصْرِ وَالْخَوَارِجِ الْمُتَقَدِّمِينَ…………….9
بَعْضُ الصَّحَابَةِ يَتَعَوَّذُ مِنَ الْخَوَارِجِ………………………………14
الْخَوَارِجُ يُقَاتِلُونَ عَلَى الْمُلْكِ…………………………………….15
خَلِيَّةُ أَبْقِيقَ وَاعْتِرَافَاتُ بَعْضِ أَفْرَادِهَا…………………………… 17
الْإِخْوَانُ وَالْمُصْطَلَحُ الْمَاسُونِيُّ (أُسْتَاذِيَّةُ الْعَالَمِ) …………………..21
الْخَوَارِجُ يُحَارِبُونَ الْعُلَمَاءَ وَيُكَفِّرُونَهُمْ……………………………22
الْإِخْوَانُ وَذِكْرَى فَضِّ اعْتِصَامِ رَابِعَةَ…………………………..24
مَا يَحْدُثُ فِي لِيبيَا حَفِظَهَا اللهُ وَسَائِرَ بِلَادِ الْمُسْلِمِينَ……………….26