إصدارات PDFاللغة العربية

مصر بين مطامع الأعداء وجحود الأبناء PDF الشيخ محمد سعيد رسلان

مِصْرُ بَيْنَ مَطَامِعِ الْأَعْدَاءِ وَجُحُودِ الْأَبْنَاءِ

لفضيلة الشيخ الدكتور: محمد سعيد رسلان

تَحْتَ إِشْرَافِ:

الْقِسْمِ الْعِلْمِيِّ بِمُؤَسَّسَةِ مِنْهَاجِ الْأَنْبِيَاءِ

تحميل الإصدار PDF

تحميل الإصدار مضغوطًا ZIP


مقتطفات

الْوَطَنِيَّةُ مِنْ حَيْثُ هِيَ عَاطِفَةٌ تُعَبِّرُ عَنِ انْتِمَاءِ الْمَرْءِ لِبَلَدِهِ، بِمَعْنَى أَنْ يَكُونَ انْتِمَاءُ الْمُسْلِمِ لِبَلَدِهِ وَوَطَنِهِ مِنْ أَجْلِ كَلِمَةِ التَّوْحِيدِ الظَّاهِرَةِ، وَشَرَائِعِ الْإِسْلَامِ الْمُعْلَنَةِ، وَمِنْ حَيْثُ هِيَ قِيَامُ الْمُسْلِمِ بِحُقُوقِ وَطَنِهِ الْمَشْرُوعَةِ فِي الْإِسْلَامِ، الْوَطَنِيَّةُ بِهَذَا الْمَعْنَى مَطْلَبٌ شَرْعِيٌّ، وَحُبُّ الْوَطَنِ غَرِيزَةٌ مُتَأَصِّلَةٌ فِي النُّفُوسِ السَّوِيَّةِ.

أَخْرَجَ التِّرْمِذِيُّ، وَابْنُ حِبَّانَ، وَالْحَاكِمُ، وَالْبَيْهَقِيُّ فِي ((الشُّعَبِ))، وَالْمَقْدِسِيُّ فِي ((الْمُخْتَارَةِ))، بِسَنَدٍ صَحِيحٍ عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ -رَضِيَ اللهُ عَنْهُمَا- أَنَّ النَّبِيَّ -صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَعَلَى آلِهِ وَسَلَّمَ- قَالَ فِي حَقِّ مَكَّةَ عِنْدَ هِجْرَتِهِ مِنْهَا: ((مَا أَطْيَبَكِ مِنْ بَلْدَةٍ! وَأَحَبَّكِ إِلَيَّ! وَلَوْلَا أَنَّ قَوْمَكِ أَخْرَجُونِي مِنْكِ مَا سَكَنْتُ غَيْرَكِ)).

وَقَدْ دَعَا النَّبِيُّ -صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَعَلَى آلِهِ وَسَلَّمَ- رَبَّهُ أَنْ يَرْزُقَهُ حُبَّ الْمَدِينَةِ لَمَّا انْتَقَلَ إِلَيْهَا، فَقَدْ أَخْرَجَ الشَّيْخَانِ مِنْ حَدِيثِ عَائِشَةَ -رَضِيَ اللهُ عَنْهَا- أَنَّ رَسُولَ اللهِ -صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَعَلَى آلِهِ وَسَلَّمَ- قَالَ: ((اللَّهُمَّ حَبِّبْ إِلَيْنَا الْمَدِينَةَ كَحُبِّنَا مَكَّةَ أَوْ أَشَدَّ)).

وَمِنْ لَوَازِمِ الْحُبِّ الشَّرْعِيِّ لِلْأَوْطَانِ الْمُسْلِمَةِ: أَنْ يُحَافَظَ عَلَى أَمْنِهَا وَاسْتِقْرَارِهَا، وَأَنْ تُجَنَّبَ الْأَسْبَابُ الْمُفْضِيَةُ إِلَى الْفَوْضَى وَالِاضْطِرَابِ وَالْفَسَادِ، فَالْأَمْنُ فِي الْأَوْطَانِ مِنْ أَعْظَمِ مِنَنِ الرَّحِيمِ الرَّحْمَنِ عَلَى الْإِنْسَانِ.

وَقَدْ قَرَنَ اللهُ -جَلَّ وَعَلَا- الْأَمْنَ بِالْعِبَادَةِ، وَذَلِكَ لِعَظِيمِ قِيمَتِهِ، فَقَالَ -جَلَّ وَعَلَا-: {وَإِذْ قَالَ إِبْرَاهِيمُ رَبِّ اجْعَلْ هَذَا الْبَلَدَ آمِنًا وَاجْنُبْنِي وَبَنِيَّ أَنْ نَعْبُدَ الْأَصْنَامَ}، وَالِابْتِدَاءُ بِطَلَبِ نِعْمَةِ الْأَمْنِ فِي هَذَا الدُّعَاءِ يَدُلُّ عَلَى أَنَّهُ أَعْظَمُ النِّعَمِ وَالْخَيْرَاتِ، وَأَنَّهُ لَا يَتِمُّ شَيْءٌ مِنْ مَصَالِحِ الدِّينِ وَالدُّنْيَا إِلَّا بِهِ.

فَعَلَى الْمُسْلِمِ أَنْ يَعْرِفَ قَدْرَ بَلَدِهِ الْإِسْلَامِيِّ، وَأَنْ يُدَافِعَ عَنْهُ، وَأَنْ يَجْتَهِدَ فِي تَحْصِيلِ اسْتِقْرَارِهِ وَأَمْنِهِ، وَبُعْدِهِ وَإِبْعَادِهِ عَنِ الْفَوْضَى، وَعَنْ الِاضْطِرَابِ، وَعَنْ وُقُوعِ الْمُشَاغَبَاتِ.

عَلَى الْمُسْلِمِ أَنْ يُحِبَّ بَلَدَهُ الْإِسْلَامِيَّ، وَأَنْ يُدَافِعَ عَنْهُ، وَأَنْ يَمُوتَ دُونَهُ، فَإِنَّهُ مَنْ مَاتَ دُونَ مَالِهِ فَهُوَ شَهِيدٌ، وَالْأَرْضُ مَالٌ، فَمَنْ مَاتَ دُونَ مَالِهِ فَهُوَ شَهِيدٌ.

وَمِصْرُ الَّتِي لَا يَعْرِفُ أَبْنَاؤُهَا قِيمَتَهَا، يَنْبَغِي أَنْ يُحَافَظَ عَلَيْهَا، وَأَنْ يُحَافَظَ عَلَى وَحْدَتِهَا، وَأَنْ تُجَنَّبَ الْفَوْضَى وَالِاضْطِرَابَ، وَأَنْ تُنَعَّمَ بِالْأَمْنِ وَالْأَمَانِ وَالِاسْتِقْرَارِ.

فَضَّلَ اللهُ مِصْرَ عَلَى سَائِرِ الْبُلْدَانِ كَمَا فَضَّلَ بَعْضَ النَّاسِ عَلَى بَعْضٍ، وَالْأَيَّامَ وَاللَّيَالِيَ بَعْضَهَا عَلَى بَعْضٍ، وَالْفَضْلُ عَلَى ضَرْبَيْنِ؛ فِي دِينٍ أَوْ دُنْيَا، أَوْ فِيهِمَا جَمِيعًا.

وَقَدْ فَضَّلَ اللهُ مِصْرَ وَشَهِدَ لَهَا فِي كِتَابِهِ بِالْكَرَمِ وَعِظَمِ الْمَنْزِلَةِ، وَذَكَرَهَا بِاسْمِهَا، وَخَصَّهَا دُونَ غَيْرِهَا، وَكَرَّرَ ذِكْرَهَا، وَأَبَانَ فَضْلَهَا فِي آيَاتٍ مِنَ الْقُرْآنِ الْعَظِيمِ تُنْبِئُ عَنْ مِصْرَ وَأَحْوَالِهَا، وَأَحْوَالِ الْأَنْبِيَاءِ بِهَا، وَالْأُمَمِ الْخَالِيَةِ وَالْمُلُوكِ الْمَاضِيَةِ، وَالْآيَاتِ الْبَيِّنَاتِ، يَشْهَدُ لَهَا بِذَلِكَ الْقُرْآنُ، وَكَفَى بِهِ شَهِيدًا.

وَمَعَ ذَلِكَ وَرَدَ عَنِ النَّبِيِّ -صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَعَلَى آلِهِ وَسَلَّمَ- فِي مِصْرَ وَفِي عَجَمِهَا خَاصَّةً، وَذِكْرِهِ لِقَرَابَتِهِمْ وَرَحِمِهِمْ، وَمُبَارَكَتِهِ عَلَيْهِمْ وَعَلَى بَلَدِهِمْ، وَحَثِّهِ عَلَى بِرِّهِمْ، وَرَدَ عَنْهُ مَا لَمْ يُرْوَ عَنْهُ فِي قَوْمٍ مِنَ الْعَجَمِ غَيْرِهِمْ.

مَعَ مَا خَصَّهُ اللهُ بِهَا مِنَ الْخِصْبِ وَالْفَضْلِ، وَمَا أَنْزَلَ فِيهَا مِنَ الْبَرَكَاتِ، وَأَخْرَجَ مِنْهَا مِنَ الْأَنْبِيَاءِ وَالْعُلَمَاءِ وَالْحُكَمَاءِ وَالْخَوَاصِّ وَالْمُلُوكِ وَالْعَجَائِبِ بِمَا لَمْ يَخْصُصِ اللهُ بِهِ بَلَدًا غَيْرَهَا، وَلَا أَرْضًا سِوَاهَا.

فَإِنْ ثَرَّبَ عَلَيْنَا مُثَرِّبٌ بِذِكْرِ الْحَرَمَيْنِ، أَوْ شَنَّعَ مُشَنِّعٌ، فَلِلْحَرَمَيْنِ فَضْلُهُمَا الَّذِي لَا يُدْفَعُ، وَمَا خَصَّهُمَا اللهُ بِهِ مِمَّا لَا يُنْكَرُ مِنْ مَوْضِعِ بَيْتِهِ الْحَرَامِ، وَقَبْرِ نَبِيِّهِ -عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ-، وَلَيْسَ مَا فَضَّلَهُمَا اللهُ تَعَالَى بِهِ بِبَاخِسٍ فَضْلَ مِصْرَ وَلَا بِنَاقِصٍ مَنْزِلَتَهَا.


فَأَمَّا مَا ذَكَرَهُ اللهُ -عَزَّ وَجَلَّ- فِي كِتَابِهِ مِنْ ذِكْرِ مِصْرَ، فَقَوْلُهُ تَعَالَى: {وَأَوْحَيْنَا إِلَى مُوسَى وَأَخِيهِ أَنْ تَبَوَّءَا لِقَوْمِكُمَا بِمِصْرَ بُيُوتًا وَاجْعَلُوا بُيُوتَكُمْ قِبْلَةً}.

وَمَا ذَكَرَهُ اللهُ -عَزَّ وَجَلَّ- حِكَايَةً عَنْ قَوْلِ يُوسُفَ: {ادْخُلُوا مِصْرَ إِنْ شَاءَ اللهُ آمِنِينَ}.

وَقَالَ -عَزَّ وَجَلَّ-: {اهْبِطُوا مِصْرًا فَإِنَّ لَكُمْ مَا سَأَلْتُمْ} عَلَى أَحَدِ الْقَوْلَيْنِ.

وَقَالَ تَعَالَى: {وَجَعَلْنَا ابْنَ مَرْيَمَ وَأُمَّهُ آيَةً وَآوَيْنَاهُمَا إِلَى رَبْوَةٍ ذَاتِ قَرَارٍ وَمَعِينٍ}. قَالَ بَعْضُ الْمُفَسِّرِينَ: هِيَ مِصْرُ. وَقَالَ بَعْضُ عُلَمَاءِ مِصْرَ: هِيَ الْبَهْنَسَا.

وَقِبْطُ مِصْرَ مُجْمِعُونَ عَلَى أَنَّ الْمَسِيحَ عِيسَى بْنَ مَرْيَمَ وَأُمَّهُ –عَلَيْهِمَا السَّلَامُ- كَانَا بِالْبَهْنَسَا، وَانْتَقَلَا عَنْهَا إِلَى الْقُدْسِ. وَقَالَ بَعْضُ الْمُفَسِّرِينَ: الرَّبْوَةُ دِمَشْقُ.

قَالَ تَعَالَى: {وَقَالَ الَّذِي اشْتَرَاهُ مِنْ مِصْرَ لِامْرَأَتِهِ أَكْرِمِي مَثْوَاهُ}.

وَقَالَ تَعَالَى: {وَقَالَ نِسْوَةٌ فِي الْمَدِينَةِ امْرَأَةُ الْعَزِيزِ تُرَاوِدُ فَتَاهَا عَنْ نَفْسِهِ}. وَالْمَدِينَةُ مَنْفٌ، وَالْعَزِيزُ رَئِيسُ وُزَرَاءِ مِصْرَ حِينَئِذٍ.

وَقَالَ تَعَالَى: {وَدَخَلَ الْمَدِينَةَ عَلَى حِينِ غَفْلَةٍ مِنْ أَهْلِهَا}، وَهِيَ مَنْفٌ مَدِينَةُ فِرْعَوْنَ.

وَقَالَ تَعَالَى: {وَجَاءَ رَجُلٌ مِنْ أَقْصَى الْمَدِينَةِ يَسْعَى}، هِيَ مَنْفٌ أَيْضًا.

وَقَالَ تَعَالَى حِكَايَةً عَنْ إِخْوَةِ يُوسُفَ: {يَا أَيُّهَا الْعَزِيزُ}.

وَقَالَ تَعَالَى حِكَايَةً عَنْ يُوسُفَ -عَلَيْهِ السَّلَامُ-: {وَقَدْ أَحْسَنَ بِي إِذْ أَخْرَجَنِي مِنَ السِّجْنِ وَجَاءَ بِكُمْ مِنَ الْبَدْوِ}.

وَقَالَ تَعَالَى حِكَايَةً عَنْ فِرْعَوْنَ وَافْتِخَارِهِ بِمِصْرَ: {أَلَيْسَ لِي مُلْكُ مِصْرَ وَهَذِهِ الْأَنْهَارُ تَجْرِي مِنْ تَحْتِي}.

وَقَالَ تَعَالَى حِينَ وَصَفَ مِصْرَ وَمَا كَانَ فِيهِ آلُ فِرْعَوْنَ مِنَ النِّعْمَةِ وَالْمُلْكِ بِمَا لَمْ يَصِفْ بِهِ مَشْرِقًا وَلَا مَغْرِبًا، وَلَا سَهْلًا وَلَا جَبَلًا، وَلَا بَرًّا وَلَا بَحْرًا: {كَمْ تَرَكُوا مِنْ جَنَّاتٍ وَعُيُونٍ* وَزُرُوعٍ وَمَقَامٍ كَرِيمٍ* وَنَعْمَةٍ كَانُوا فِيهَا فَاكِهِينَ}.

وَالْمَقَامُ الْكَرِيمُ: مِصْرُ. فَقَدْ كَرَّمَهَا اللهُ -تَبَارَكَ وَتَعَالَى-، وَوَصَفَهَا بِالْكَرَمِ فِي كِتَابِهِ الْعَزِيزِ.

فَهَلْ يُعْلَمُ أَنَّ بَلَدًا مِنَ الْبُلْدَانِ فِي جَمِيعِ أَقْطَارِ الْأَرْضِ أَثْنَى عَلَيْهِ الْكِتَابُ الْعَزِيزُ بِمِثْلِ هَذَا الثَّنَاءِ أَوْ وَصَفَهُ بِمِثْلِ هَذَا الْوَصْفِ، أَوْ شَهِدَ لَهُ بِالْكَرَمِ غَيْرَ مِصْرَ؟!

وَعِنْدَ مُسْلِمٍ فِي ((الصَّحِيحِ)) عَنْ رَسُولِ اللهِ -صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَعَلَى آلِهِ وَسَلَّمَ- أَنَّهُ قَالَ: ((سَتُفْتَحُ عَلَيْكُمْ بَعْدِي مِصْرُ، فَاسْتَوْصُوا بِقِبْطِهَا خَيْرًا، فَإِنَّ لَكُمْ مِنْهُمْ صِهْرًا وَذِمَّةً)).

وَرَوَى أَبُو ذَرٍّ عَنِ النَّبِيِّ -صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَعَلَى آلِهِ وَسَلَّمَ- أَنَّهُ قَالَ: ((سَتَفْتَحُونَ أَرْضًا يُذْكَرُ فِيهَا الْقِيرَاطُ، فَاسْتَوْصُوا بِأَهْلِهَا خَيْرًا، فَإِنَّ لَهُمْ ذِمَّةً وَرَحِمًا)). أَخْرَجَهُ الطَّبَرَانِيُّ وَالْحَاكِمُ، عَنْ كَعْبِ بْنِ مَالِكٍ يَرْفَعُهُ: ((إِذَا فُتِحَتْ مِصْرُ، فَاسْتَوْصُوا بِالْقِبْطِ خَيْرًا فَإِنَّ لَهُمْ ذِمَّةً وَرَحِمًا)). صَحَّحَهُ فِي ((السِّلْسِلَةِ الصَّحِيحَةِ)).

فَأَمَّا الرَّحِمُ، فَإِنَّ هَاجَرَ أُمَّ إِسْمَاعِيلَ بْنِ إِبْرَاهِيمَ الْخَلِيلِ -عَلَيْهِمَا السَّلَامُ- مِنَ الْقِبْطِ، مِنْ قَرْيَةٍ نَحْوَ (الْفَرَمَا)، يُقَالُ لَهَا –أَيْ: لِهَاجَرَ- أُمُّ الْعَرَبِ.

وَأَمَّا الذِّمَّةُ، فَإِنَّ النَّبِيَّ -صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَعَلَى آلِهِ وَسَلَّمَ- تَسَرَّى مِنَ الْقِبْطِ مَارِيَةَ أُمَّ إِبْرَاهِيمَ ابْنِ رَسُولِ اللهِ -صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَعَلَى آلِهِ وَسَلَّمَ-، وَهِيَ مِنْ قَرْيَةٍ نَحْوَ الصَّعِيدِ يُقَالُ لَهَا (حَفْنٌ)، مِنْ كُورَةِ (أَنْصِنَا)، وَالْكُورَةُ تَشْمَلُ عَدَدًا مِنَ الْقُرَى، وَيُقَابِلُهَا الْمَرْكَزُ فِي النِّظَامِ الْإِدَارِيِّ الْمِصْرِيِّ الْحَاضِرِ. وَ(أَنْصِنَا) مَدِينَةٌ أَزَلِيَّةٌ مِنْ نَوَاحِي الصَّعِيدِ شَرْقَيِ النِّيلِ، وَفِي أَوَائِلِ الْقَرْنِ الثَّالِثَ عَشَرَ لِلْهِجْرَةِ قُيِّدَ زِمَامُهَا بِاسْمِ (الشَّيْخِ عُبَادَةَ)، وَمَكَانُهَا الْيَوْمَ الْأَطْلَالُ الْوَاقِعَةُ شَرْقَيِ النِّيلِ بِمَرْكَزِ مَلَّوِي بِمُحَافَظَةِ الْمِنْيَا.

فَهِيَ مِنْ قَرْيَةٍ نَحْوَ الصَّعِيدِ يُقَالُ لَهَا (حَفْنٌ) مِنْ كُورَةِ (أَنْصِنَا)، فَالْعَرَبُ وَالْمُسْلِمُونَ كَافَّةً لَهُمْ نَسَبٌ بِمِصْرَ مِنْ جِهَةِ أُمِّهِمْ (مَارِيَةَ) أُمِّ إِبْرَاهِيمَ ابْنِ رَسُولِ اللهِ -صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَعَلَى آلِهِ وَسَلَّمَ-، لِأَنَّ أَزْوَاجَ النَّبِيِّ -صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَعَلَى آلِهِ وَسَلَّمَ- أُمَّهَاتُ الْمُؤْمِنِينَ، وَالْقِبْطَ أَخْوَالُهُمْ، وَصَارَتِ الْعَرَبُ كَافَّةً مِنْ مِصْرَ بِأُمِّهِمْ هَاجَرَ؛ لِأَنَّهَا أُمُّ إِسْمَاعِيلَ –صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-، وَإِسْمَاعِيلُ هُوَ أَبُو الْعَرَبِ، وَجَدُّ رَسُولِ اللهِ -صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَعَلَى آلِهِ وَسَلَّمَ-.

وَقَدْ كَتَبَ النَّبِيُّ -صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَعَلَى آلِهِ وَسَلَّمَ- إِلَى جَمَاعَةٍ مِنَ الْمُلُوكِ مِنْهُمْ (هِرَقْلُ) فَمَا أَجَابَهُ أَحَدٌ مِنْهُمْ، وَكَتَبَ إِلَى (الْمُقَوْقِسِ) صَاحِبِ مِصْرَ، فَأَجَابَ هُوَ عَنْ كِتَابِهِ جَوَابًا جَمِيلًا، وَأَهْدَى إِلَيْهِ ثِيَابًا وَكُرَاعًا وَجَارِيَتَيْنِ مِنَ الْقِبْطِ (مَارِيَةَ، وَأُخْتَهَا)، وَأَهْدَى إِلَيْهِ عَسَلًا، فَقَبِلَ هَدِيَّتَهُ، وَتَسَرَّى مَارِيَةَ، فَأَوْلَدَهَا ابْنَهُ إِبْرَاهِيمَ، وَأَهْدَى أُخْتَهَا لِحَسَّانَ بْنِ ثَابِتٍ، فَأَوْلَدَهَا عَبْدَ الرَّحْمَنِ بْنَ حَسَّانٍ.

وَذَكَرَ الْمَقْرِيزِيُّ فِي ((الْخُطَبِ))، وَابْنُ ظَهِيرَةَ فِي ((مَحَاسِنِ مِصْرَ وَالْقَاهِرَةِ))، وَالْقَلْقَشَنْدِيُّ فِي ((صُبْحِ الْأَعْشَى))، وَالنُّوَيْرِيُّ فِي ((نِهَايَةِ الْأَرَبِ)) عَنْ عَبْدِ اللهِ بْنِ عَبَّاسٍ أَنَّهُ قَالَ: دَعَا نُوحٌ -عَلَيْهِ السَّلَامُ- رَبَّهُ لِوَلَدِهِ وَلِوَلَدِ وَلَدِهِ مِصْرَ بْنِ بَيْصَرَ بْنِ حَامِ بْنِ نُوحٍ، وَبِهِ سُمِّيَتْ مِصْرُ، وَهُوَ أَبُو الْقِبْطِ، قَالَ: ((اللَّهُمَّ بَارِكْ فِيهِ وَفِي ذُرِّيَّتِهِ، وَأَسْكِنْهُ الْأَرْضَ الْمُبَارَكَةَ الَّتِي هِيَ أُمُّ الْبِلَادِ وَغَوْثُ الْعِبَادِ، وَنَهْرُهَا أَفْضَلُ أَنْهَارِ الدُّنْيَا، وَاجْعَلْ فِيهَا أَفْضَلَ الْبَرَكَاتِ، وَسَخِّرْ لَهُ وَلِوَلَدِهِ الْأَرْضَ، وَذَلِّلْهَا لَهُمْ، وَقَوِّهِمْ عَلَيْهَا)).

وَالْكَعْبَةُ: الْبَيْتُ الْحَرَامُ، وَهُوَ بَيْتُ هَاجَرَ وَابْنِهَا إِسْمَاعِيلَ -عَلَيْهِمَا السَّلَامُ- اللَّذَيْنِ كَانَا يَسْكُنَانِهِ، وَرَوَى أَنَّ الْبَيْتَ هُدِمَ فِي الْجَاهِلِيَّةِ فَوَلَّتْ قُرَيْشٌ بِنَاءَهُ رَجُلًا مِنَ الْقِبْطِ يُقَالُ لَهُ: بَاقُومُ، فَأَدْرَكَهُ الْإِسْلَامُ –أَيْ: أَدْرَكَ الْإِسْلَامُ الْبَيْتَ الْحَرَامَ- وَهُوَ عَلَى ذَلِكَ.

وَصَاهَرَ الْقِبْطَ مِنَ الْأَنْبِيَاءِ:

إِبْرَاهِيمُ الْخَلِيلُ -عَلَيْهِ السَّلَامُ-، بِتَسَرِّيهِ هَاجَرَ أُمِّ إِسْمَاعِيلَ -عَلَيْهِمَا السَّلَامُ-.

وَيُوسُفُ بِتَزَوِّجِهِ بِنْتَ صَاحِبِ عَيْنِ شَمْسٍ الَّتِي ذَكَرَهَا اللهُ فِي كِتَابِهِ، فَقَالَ تَعَالَى: {وَغَلَّقَتِ الْأَبْوَابَ وَقَالَتْ هَيْتَ لَكَ}.

وَمُحَمَّدٌ -صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَعَلَى آلِهِ وَسَلَّمَ- أَصْهَرَ إِلَى الْمِصْرِيِّينَ بِتَسَرِّيهِ مَارِيَةَ أُمِّ إِبْرَاهِيمَ.

وَمِمَّنْ ذَكَرَهُمُ اللهُ تَعَالَى فِي كِتَابِهِ مِنْ أَهْلِ مِصْرَ:

رَجُلٌ مُؤْمِنٌ مِنْ آلِ فِرْعَوْنَ يَكْتُمُ إِيمَانَهُ، قَالَ تَعَالَى: {وَقَالَ رَجُلٌ مُؤْمِنٌ مِنْ آلِ فِرْعَوْنَ يَكْتُمُ إِيمَانَهُ أَتَقْتُلُونَ رَجُلًا أَنْ يَقُولَ رَبِّيَ اللهُ وَقَدْ جَاءَكُمْ بِالْبَيِّنَاتِ مِنْ رَبِّكُمْ}.

وَمْنِهُمْ: وُزَرَاءُ فِرْعَوْنَ وَجُلَسَاؤُهُ، ذَكَرَ اللهُ تَعَالَى عَنْهُمْ فِي كِتَابِهِ حُسْنَ الْمَحْضَرِ وَرَجَاحَةَ الْعَقْلِ، قَالَ تَعَالَى حِكَايَةً عَنْ فِرْعَوْنَ: {قَالَ لِلْمَلَإِ حَوْلَهُ إِنَّ هَذَا لَسَاحِرٌ عَلِيمٌ* يُرِيدُ أَنْ يُخْرِجَكُمْ مِنْ أَرْضِكُمْ بِسِحْرِهِ فَمَاذَا تَأْمُرُونَ* قَالُوا أَرْجِهْ وَأَخَاهُ وَابْعَثْ فِي الْمَدَائِنِ حَاشِرِينَ* يَأْتُوكَ بِكُلِّ سَحَّارٍ عَلِيمٍ}.

فَهَلْ فِي الدُّنْيَا جُلَسَاءُ مَلِكٍ أَرْجَحُ عَقْلًا وَأَحْسَنُ مَحْضَرًا مِنْهُمْ؟! حَيْثُ أَنْصَفُوا، وَأَمَرُوا أَنْ يُمْتَحَنَ بِمِثْلِ مَا وَقَعَ لَهُمْ أَنَّهُ يُشْبِهُ مَا جَاءَ بِهِ، وَلَمْ يَكُونُوا فِي الْمَنْزِلَةِ وَقُبْحِ الْمَحْضَرِ كَوُزَرَاءِ نُمْرُودَ، حِينَ شَاوَرَهُمْ فِي إِبْرَاهِيمَ -عَلَيْهِ السَّلَامُ-: {قَالُوا حَرِّقُوهُ وَانْصُرُوا آلِهَتَكُمْ إِنْ كُنْتُمْ فَاعِلِينَ}. ذَكَرَ اللهُ -عَزَّ وَجَلَّ- ذَلِكَ عَنْهُمْ فِي كِتَابِهِ الْعَزِيزِ.

وَمِنْهُمْ: السَّحَرَةُ الَّذِينَ تَجَمَّعُوا لِمُوسَى حِينَ رَأَوْا آيَاتِ مُوسَى لَمْ يُصِرُّوا عَلَى الْكُفْرِ، وَلَمْ يَلْبَثُوا أَنْ آمَنُوا وَسَجَدُوا لِلَّهِ -عَزَّ وَجَلَّ-.

قَالَ -جَلَّ وَعَلَا-: {فَأُلْقِيَ السَّحَرَةُ سَاجِدِينَ قَالُوا آمَنَّا بِرَبِّ الْعَالَمِينَ رَبِّ مُوسَى وَهَارُونَ}.

وَفِي آيَاتٍ كَثِيرَةٍ كَرَّرَ ذِكْرَهُمْ وَأَثْنَى عَلَيْهِمْ: {فَاقْضِ مَا أَنْتَ قَاضٍ إِنَّمَا تَقْضِى هَذِهِ الْحَيَاةَ الدُّنْيَا}.

وَرَوَى ابْنُ لَهِيعَةَ عَنْ عَبْدِ اللهِ بْنِ هُبَيْرَةَ السَّبَئِيِّ، وَبَكْرِ بْنِ عُمَرَ الْخَوْلَانِيِّ، وَيَزِيدَ بْنِ أَبِي حَبِيبٍ، قَالُوا: كَانَ عَدَدُ السَّحَرَةِ اثْنَيْ عَشَرَ سَاحِرًا تَحْتَ يَدَيْ كُلِّ سَاحِرٍ مِنْهُمْ عِشْرُونَ عَرِيفًا. تَحْتَ يَدَيْ كُلِّ عَرِيفٍ مِنْهُمْ أَلْفٌ مِنَ السَّحَرَةِ، فَكَانَ جَمِيعُ السَّحَرَةِ مَائَتَيْ أَلْفٍ وَأَرْبَعِينَ أَلْفًا وَمَائَتَيْنِ وَاثْنَيْنِ وَخَمْسِينَ إِنْسَانًا بِالرُّؤَسَاءِ وَالْعُرَفَاءِ.

وَأَجْمَعَتِ الرُّوَاةُ عَلَى أَنَّهُ لَا يُعْلَمُ جَمَاعَةٌ أَسْلَمَتْ فِي سَاعَةٍ وَاحِدَةٍ أَكْثَرَ مِنْ جَمَاعَةِ الْقِبْطِ، وَرُوِيَ أَنَّهُ لَمْ يُفْتَتَنْ رَجُلٌ وَاحِدٌ مِنْهُمْ كَمَا افْتُتِنَ بَنُو إِسْرَائِيلَ بِعِبَادَةِ الْعِجْلِ.

وَرُوِيَ أَنَّ عَبْدَ اللهِ بْنَ عَمْرٍو قَالَ: الْقِبْطُ أَكْرَمُ الْأَعَاجِمِ مَحْفِدًا، وَأَسْمَحُهُمْ يَدًا، وَأَفْضَلُهُمْ عُنْصُرًا، وَأَقْرَبُهُمْ رَحِمًا بِالْعَرَبِ كَافَّةً وَبِقُرَيْشٍ خَاصَّةً.

وَأَمَّا مَنْ كَانَ بِمِصْرَ مِنَ الْأَنْبِيَاءِ -عَلَيْهِمُ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ-، فَإِبْرَاهِيمُ الْخَلِيلُ، وَإِسْمَاعِيلُ، وَيَعْقُوبُ، وَيُوسُفُ، وَاثْنَا عَشَرَ نَبِيًّا مِنْ وَلَدِ يَعْقُوبَ وَهُمُ الْأَسْبَاطُ، وَمُوسَى، وَهَارُونُ، وَيُوشَعُ بْنُ نُونٍ، وَعِيسَى بْنُ مَرْيَمَ، وَدَانِيَالُ، عَلَيْهِمُ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ.

فَهَذَا مَا ذُكِرَ: مَنْ كَانَ بِهَا قَبْلَ الْإِسْلَامِ.


وَأَمَّا مَنْ كَانَ بِهَا فِي الْإِسْلَامِ مِنَ الصَّحَابَةِ وَالْفُقَهَاءِ وَالْعُلَمَاءِ وَالْأَحْبَارِ وَالزُّهَّادِ، وَمَنْ دَخَلَهَا مِنَ الْمُلُوكِ وَالْخُلَفَاءِ وَأَهْلِ الْعِلْمِ وَالشِّعْرِ وَالنَّحْوِ وَالْخَطَابَةِ، وَكُلُّ مَنْ بَرَعَ عَلَى أَهْلِ زَمَانِهِ، أَوْ نَجَمَ عَلَى أَهْلِ عَصْرِهِ، فَيَتَّسِعُ عَلَى الْحَاصِرِ حَصْرُهُ.

ذَكَرَ أَهْلُ الْعِلْمِ وَالْمَعْرِفَةِ وَالرِّوَايَةِ أَنَّهُ دَخَلَ مِصْرَ فِي فَتْحِهَا مِمَّنْ صَحِبَ رَسُولَ اللهِ -صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَعَلَى آلِهِ وَسَلَّمَ- مِئَةُ رَجُلٍ وَنَيِّفٌ.

وَقَالَ يَزِيدُ بْنُ أَبِي حَبِيبٍ: وَقَفَ عَلَى إِقَامَةِ قِبْلَةِ الْمَسْجِدِ الْجَامِعِ ثَمَانُونَ رَجُلاً مِنْ أَصْحَابِ رَسُولِ اللهِ -صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَعَلَى آلِهِ وَسَلَّمَ-؛ مِنْهُمُ الزُّبَيْرُ بْنُ الْعَوَّامِ، وَالْمِقْدَادُ بْنُ الْأَسْوَدِ، وَعُبَادَةُ بْنُ الصَّامِتِ، وَأَبُو الدَّرْدَاءِ، وَفَضَالَةُ بْنُ عُبَيْدٍ، وَعُقْبَةُ بْنُ عَامِرٍ، وَأَبُو ذَرٍّ، وَمَحْمِيَّةُ بْنُ جَزْءٍ، وَنُبَيْهُ بْنُ صُؤَابٍ، وَرَافِعُ بْنُ مَالِكٍ، وَرَبِيعَةُ بْنُ شُرَحْبِيلَ بْنِ حَسَنَةَ، وَسَعْدُ بْنُ أَبِي وَقَّاصٍ، وَعَمْرُو بْنُ عَلْقَمَةَ، وَعَبْدُ اللهِ بْنُ عَمْرِو بْنِ الْعَاصِ، وَعَبْدُ اللهِ بْنُ عُمَرَ بْنِ الْخَطَّابِ، وَخَارِجَةُ بْنُ حُذَافَةَ، وَعَبْدُ اللهِ بْنُ سَعْدِ بْنِ أَبِي سَرْحٍ، وَأَبُو رَافِعٍ مَوْلَى رَسُولِ اللهِ -صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَعَلَى آلِهِ وَسَلَّمَ-، وَمُحَمَّدُ بْنُ مَسْلَمَةَ، وَمَسْلَمَةُ بْنُ مَخْلَدٍ، وَأَبُو أَيُّوبَ، وَرُوَيْفِعُ بْنُ ثَابِتٍ، وَهُبَيْبٌ، وَمُعَاوِيَةُ بْنُ حُدَيْجٍ، وَعَمَّارُ بْنُ يَاسِرٍ، وَعَمْرُو بْنُ الْعَاصِ، وَأَبُو هُرَيْرَةَ، وَغَيْرُهُمْ مِنْ أَصْحَابِ رَسُولِ اللهِ -صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَعَلَى آلِهِ وَسَلَّمَ-، وَقَفُوا عَلَى قْبِلَةِ الْمَسْجِدِ الْجَامِعِ –مَسْجِدِ عَمْرِو بْنِ الْعَاصِ-، وَهُوَ أَوَّلُ مَسْجِدٍ بِإِفْرِيقِيَّةَ.

وَأَمَّا مَنْ كَانَ بِهَا مِنَ الْفُقَهَاءِ وَالْعُلَمَاءِ، فَمِنْهُمْ: يَزِيدُ بْنُ أَبِي حَبِيبٍ، وَاللَّيْثُ بْنُ سَعْدٍ، وَلَهُ مَذْهَبٌ انْفَرَدَ بِهِ. وَهُوَ الَّذِي أَخْرَجَ الرَّشِيدَ مِنْ يَمِينِهِ الَّتِي عَجَزَ عَنْهَا فُقَهَاءُ الدُّنْيَا، وَمِنْهُمْ عَبْدُ اللهِ بْنُ وَهْبٍ يَفُوقُ بِتَصْنِيفِهِ جَمَاعَةً مِنَ الْفُقَهَاءِ الْمُصَنِّفِينَ، وَلَهُ مِنْ تَصْنِيفِهِ نَحْوُ مِئَةِ جُزْءٍ، وَمِنْهُمْ عَبْدُ اللهِ بْنُ لَهِيعَةَ، لَهُ مَنْزِلَةٌ فِي الْفِقْهِ وَالْحَدِيثِ وَالْأَخْبَارِ.

وَمِنْهُمْ أَشْهَبُ، وَابْنُ الْقَاسِمِ، وَعَبْدُ اللهِ بْنُ عَبْدِ الْحَكَمِ، وَأَسَدُ بْنُ مُوسَى، وَمُحَمَّدُ بْنُ عَبْدِ الْحَكَمِ، وَالْمُزَنِىُّ، وَالرَّبِيعُ الْمُؤَذِّنُ، وَأَحْمَدُ بْنُ سَلَامَةَ الطَّحَاوِيِّ، وَكُلُّ وَاحِدٍ مِنْهُمْ قَدْ بَرَعَ فِي مَذْهَبِهِ، وَنَجَمَ عَلَى أَهْلِ عَصْرِهِ، وَلِكُلِّ وَاحِدٍ مِنْهُمْ مِنَ الْكُتُبِ الْمُصَنَّفَةِ مَا يَعْجِزُ عَنْ نَظِيرِهَا سَائِرُ أَهْلِ الدُّنْيَا.

وَمِنْهُمْ سَعِيدُ بْنُ عُفَيْرٍ، وَيَحْيَى بْنُ عُثْمَانَ، وَابْنُ قُدَيْدٍ، وَمُحَمَّدُ بْنُ يُوسُفَ الْكِنْدِيُّ، وَابْنُ أَبِي خَيْثَمَةَ، وَكُلُّ وَاحِدٍ مِنْهُمْ قَدْ فَاقَ أَهْلَ عَصْرِهِ وَبَرَزَ عَلَيْهِمْ فِي الْفِقْهِ وَالْعِلْمِ وَالْأَخْبَارِ وَأَيَّامِ النَّاسِ وَالتَّفَنُّنِ فِي سَائِرِ الْعُلُومِ.

وَوُلِدَ بِمِصْرَ الْخَلِيفَةُ الْعَابِدُ عُمَرُ بْنُ عَبْدِ الْعَزِيزِ، وَنَاصِرُ السُّنَّةِ الْخَلِيفَةُ الْمُتَوَكِّلُ عَلَى اللهِ.

وَأَمَّا مَنْ دَخَلَ مِصْرَ مِنَ الْفُقَهَاءِ وَغَيْرِهِمْ، فَالشَّعْبِيُّ، وَأَبُو سَلَمَةَ بْنُ عَبْدِ الرَّحْمَنِ، وَعِكْرِمَةُ، وَمُحَمَّدُ بْنُ إِسْمَاعِيلَ بْنِ عُلَيَّةَ، وَالشَّافِعِيُّ الْإِمَامُ، وَحَفْصٌ الْفَرْدُ، وَإِبْرَاهِيمُ بْنُ أَدْهَمَ.

وَدَخَلَ مِصْرَ مِنَ الْخُلَفَاءِ: مُعَاوِيَةُ، وَمَرْوَانُ بْنُ الْحَكَمِ، وَعَبْدُ اللهِ بْنُ الزُّبَيْرِ، وَعَبْدُ الْمَلِكِ بْنُ مَرْوَانَ، وَمَرْوَانُ بْنُ مُحَمَّدٍ، وَالسَّفَّاحُ، وَالْمَنْصُورُ، وَالْمَأْمُونُ، وَالْمُعْتَصِمُ، وَالْوَاثِقُ.


تحميل الإصدار PDF

تحميل الإصدار مضغوطًا ZIP

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى