خصائص وصفات المرأة الصَّالحة
●● قال الشَّيخ الدُّكتور/ محمَّد بن سعيد رسلان -حفظه الله- ●●
إنَّ الحمد لله نحمده ونستعينه ونستغفره،
ونعوذ بالله من شرور أنفسنا ومن سيئات أعمالنا.
من يهده الله فلا مضلَّ له، ومن يضلل فلا هادي له،
وأشهد أنَّ لا إله إلا الله وحده لا شريك له،
و أشهد أنَّ محمدًا عبده ورسوله -صلَّى الله عليه وعلى آله وسلَّم-
أمَّا بَعْدُ:-
فإنَّ أصدق الحديث كتاب الله، وخير الهدي هدي محمَّد،
وشرَّ الأمور محدثاتها وكلَّ محدثة بدعة، وكل بدعة ضلالة،
وكلَّ ضلالة في النَّار؛ أمَّا بَعْدُ:-
فقد قال النَّبيُّ -صلَّى الله عليه وآله وسلَّم- :
-في بيان صفات المرأة الصَّالحة-
(الدُّنيا متاع وخير متاعها المرأة الصَّالحة التي إذا نظر إليها سرَّته،
وإذا غاب عنها حفظته في نفسها ومالها)
الدُّنيا متاع وخير متاعها الزَّوجة الصَّالحة؛
إذا نظر إليها سرَّته، وإذا أمرها طاعته،
وإذا غاب عنها حفظته في نفسها و مالها.
هذه الصِّفات هي صفات المرأة الصَّالحة،
المرأة الصَّالحة إذا نظر إليها زوجها سرَّته،
وليس السُّرور بالنَّظر إليها دليلاً على التأنُّق في المظهر
من الملبس و الزِّينة؛ وإنَّما أنْ تكون طيبة:
طيبة في ملبسها، طيبة في كلامها، طيبة في نفسها،
طيبة في حركتها، طيبة في سكناتها، طيبة في إشاراتها.
إذا نظر إليها سرَّته، لأنَّ هذه الطِّيبة التي تكون فيها ظاهرًا وباطنًا،
تنعكس بالسُّرور على النَّاظر إليها.
المرأة الصَّالحة التي إذا نظر إليها سرَّته،
و ليس معنى ذلك أيضًا أنْ تكون بارعة في جمالها ولا فائقة في حُسْنِهَا،
وإنَّما تكون جميلة الطَّبع، حسنة الباطن، طيِّبة النَّفس.
فهذا هو الجمال الحقُّ، لأنَّ كثيرًا من النَّاس يعكس الأمور،
كما هو في الغنى، كثير من النَّاس يحسب أنَّ الغنى:
امتلاك الأموال مع تحصيلها بكثرتها!
فيقول النَّبي -صلَّى الله عليه وسلَّم- :
“ليس الغنى عن كثرة العرض، إنَّما الغنى غنى النَّفس”
فتكون غنيّا لأنَّ نفسك غنيَّة، ولا تملك شيئًا،
ولكنْ أغناك الله ربُّ العالمين، نسأل الله دوام الغنى عن النَّاس.
فكثير من النَّاس يعكس المسار ويجعل الحسن قبيحًا والقبيح حسنًا،
كثير من النِّساء تكون حسنة المظهر جميلة الطَّلع بهيَّة الصُّورة،
وهي منطوية على نفس خبيثة!
فالطِّّيبة ليست بالظَّاهر وإنّما الطِّيبة طيبة الباطن،
فتنعكس طيبة الباطن على الظَّاهر حتَّى يصير طيبًا.
فيصير الظَّاهر طيبًا في اللفظ، طيبًا في الإشارة، طيبًا في الكلام،
طيبًا في الحركة، طيبًا في السُّكون، طيبًا في القيام، طيبًا في القعود،
يصير طيبًا في كل شيء.
إذا نظر إليها سرَّته، وإذا أمرها أطاعته،
إذا أمرها بأمر لا يخالف الشَّرع، أطاعته.
المرأة الصَّالحة لا تجيب في أمر يخالف الشَّرع وإلا ما كانت صالحة،
فإنَّه لا طاعة لمخلوق في معصية الخالق:
يقول الرَّسول -صلَّى الله عليه و آله وسلَّم- لمعاذ:
-وكان قد سافر إلى اليمن ثمَّ جاء، فلمَّا دخل على النَّبي سجد له-
فقال:- ما هذا يا معاذ! ؛لأنَّ السّجود لا يكون إلا لله.
قال:- إنَّّهم يسجدون لبطارقتهم، فأنت أولى بالسُّجود لك،
فقال النَّبيُّ -صلَّى الله عليه وسلَّم-:
-مصححًا؛ لأنَّ السُّجود لا يكون إلا لله وحده-
لو كنت آمرًا أحدًا أن يسجد لأحد،
لأمرتُ المرأة أنْ تسجد لزوجها لعظيم حقِّه عليها.
والذي نفسي بيده لو كان من مفرقي رأسي إلى أخمص قدمي قيحة،
فبضَّ قيحًا وصديدًا، فاستقبلته فلعقته بلسانها ما وفَّته حقَّه عليها!
ومع ذلك لا تُؤمر بالسُّجود له، لا طاعة لمخلوق في معصية الخالق،
إنَّما الطَّاعة في المعروف، وإلَّا أمرها، أطاعته.
لأنَّ النَّبيَّ -صلَّى الله عليه وسلَّم- لمَّا ذكر الأمر
الذي يكون بين الرَّجل والمرأة، بيَّن أنَّ الرَّجل إذا امرأته على ذلك،
فامتنعت عنه، تبيتُ الملائكة لاعنةً لها حتَّى تُصْبِحَ.
إذا بات زوجها غضبانًا عليها فإنَّ الملائكة تلعنها حتى تُصْبِحَ،
وأمَرَ النَّبيُّ -صلَّى الله عليه وسلَّم-
المرأة ألا تمتنع على زوجها إذا أرادها ولو على قتب بعير،
مبالغةً في تحقيق هذا الأمر، لأنَّها إذا لم تفعل ذلك؛
إلتمسه عند غيرها فيكون الزَّواج بدل أنْ يكون تحصينًا،
يكون مدعاة للانفلات الخلقي في المجمتع.
وفي مقابل هذا ، جعل الله ربُّ العالمين للمرأة على زوجها حقًا:
و إنَّ لأهلك عليك حقًا؛ يقول رسول الله -صلَّى الله عليه وسلَّم- :
“خيركم، خيركم لأهله وأنا خيركم لأهلي”
كان رسول الله أشرف الخلق وأحبُّهم إلى الله وأكرمهم على الله،
وأعلاهم مقامًا عند الله -صلَّى عليه وآله وسلَّم-
كان يكون في مهنة أهله، يكون في البيت في مهنة أهله،
يرقع ثوبه ويخسِف نعله ويحلب الشَّاة،
و يكون في مهنة أهله -صلَّى الله عليه وعلى آله وسلَّم-
لا يستكبر على أمر لا يُنْقِصُ المروءة،
ولا يستعلي على أمر لا يُغْضِبُ الله ربَّ العالمين؛
بل يكون أسرع النَّاس إليه، وكان أعظم النَّاس حِلمًا.
وهو يراعي نفسيَّة مَنْ أمَامَهُ، كانت عائشة -رضي الله عنها-
عظيمة الغيرة على رسول الله -صلَّى الله عليه وآله وسلَّم-
وكُنَّ نساء النَّبي -صلَّى الله عليه وآله وسلَّم- كثيرات.
فكان يقسم لهنَّ، فلهذه ليلة، ولهذه ليلة، ولهذه ليلة،
فكان عند واحدة منهنَّ، ثُمَّ انتقل إلى عائشة،
فلمَّا كان عند عائشة أرسلت إليه واحدة من أمّهات المؤمنين
طعاما في صحفة، وهو إناء من فخَّار، وكانت ماهرة في صُنع الطعام.
فجاء الغلام، ومع النبي بعض أصحابه -صلَّى الله عليه وسلَّم-
فدقَّ الباب، فخرجت عائشة، فقال لها الغلام:-
هذا الطَّعام أرسلته فلانة -من أمَّهات المؤمنين-
للنَّبي -صلَّى الله عليه وسلَّم- وضِيفَانِهِ.
فأخذت عائشة الصَّحْفَة، فضربت بها الأرض فتكسَّرت،
وتناثرت قطعًا وانتثر الطَّعام في المكان، هذا أمر مُحْرِج!
الرَّجل لا يقبله -على الجملة- على نفسه بين أصحابه،
أنْ تفعل امرأته كذلك بمحضر من أصحابه!
يأتي طعام في صحفة من فخَّار فتجلد به الأرض حتَّى يتناثر!
فماذا صنع الرَّسول؟
قام النَّبيُّ -صلَّى الله عليه وسلَّم- يجمع ذلك بيديه،
وهو يقول للأصحاب -معتذرًا عن عائشة- :
“غارت أمُّكم، غارت أمُّكم، غارت أمُّكم”
أمُّ المؤمنين عائشة، يقول:- أصابتها الغيرة؛
فرحمها النَّبيُّ -صلَّى الله عليه وسلَّم- لغيرتها عليه،
وعَلِم أنَّ هذا من الإنفعال الذي لا يُحْكَمُ.
فلمَّا وقع منها على هذا النَّحو غير المُنْضَبِط؛ لأنَّها لا تستطيع ضبطه،
رحمها فاعتذر عنها، “غارت أمُّكم غارت أمُّكم”
ثمَّ قال لها آمرًا:- أين صحفتك؟
فجاءت بصحفتها، فقال:- صحفة بصحفة.
فجعل هذه في مكان التي كسرت و انتهى الأمر.
لذلك قال العلماء:
إنَّ الإحسان إلى الزَّوجة ليس هو بكفِّ الأذى عنها،
وإنَّما الإحسان إلى الزَّوجة بتحمُّل الأذى منها.
يعني ليس أنْ تكون محسنًا إلى امرأتك أن تكفَّ أذاك عنها،
هذا يقدر عليه كثير من النَّاس، ولكنّ الإحسان إلى المرأة:
أن تتحمَّل الأذى منها.
ليس الإحسان إلى الزَّوجة أن تكفَّ الأذى عنها،
وإنَّما الإحسان إلى الزَّوجة أنْ تتحمَّل الأذى منها.
وهنا قصَّة أنتم تعرفونها لا بأس من التَّذكير بها،
وأسأل الله أن ينجِّينا من حرِّ جهنَّم.
وقع بين النَّبي -صلَّى الله عليه و آله وسلَّم- وعائشة شيء،
فكانت خصومة فيها دلال ومودَّة، وفيها محبَّة وشفقة.
وقع تنازع في شيء، فقال لها النَّبيُّ -صلَّى الله عليه وآله وسلَّم-:
مَنْ تَرْضِينَهُ حكمًا بينه وبينك؟
أترضين بأبي بكر؟ -أبو بكر أبوها-
فرضيت بأبي بكر، سيكون في العُرْفِ الجاري بيننا،
أبو الزوجة لا يمكن أن يكون حكمًا في الغالب يكون خصمًا،
ينصر امرأته على زوج ابنته، ولكنَّه أبو بكر!
فجاء أبو بكر، فقال لها النَّبيُّ -صلَّى الله عليه وآله وسلَّم-:
تقولين أنت؟ أم أقول أنا؟
قالت:- قل أنت ولا تقلْ إلا حقًا.
-وهل يقول إلَّا حقًا! لكنَّها غضبى-
لم يطق أبو بكر، فقام أبو بكر يضربها في خاسرتها ويقول:
يا عدوَّة نفسها، وهل يقول إلَّا حقًا!
يخشى أن يغضب الرَّسول عليها فيطلقها،
فينقطع سببه من رسول الله، وهذا أمر كبير!
أو أنْ يغضب الرَّسول عليها، فيغضب الله لغضبه فلا تُفلح بعدها أبدًا،
فقام يعاقبها بمحضر الرَّسول، النَّبيُّ لم يستدعه لكي يكون خصما لهًا،
ليتكلَّم باسمه، و إنَّما استدعاه حكمًا بينه وبينها.
فلمَّا تحوَّل إلى خصم، لم تجد عائشة إلَّا أن تحتمي برسول الله،
وهو الخصم والحكم -صلَّى الله عليه وسلَّم-
فقامت تحتمي بظهر النَّبي وهو يدفع أبا بكر عنها، يقول:
“ما لهذا دعوناك”
يعني ما دعوتك لعقابها، كنت أنا أعاقبها، ولكن ما لهذا دعوناك،
ذهب أبو بكر مُغَاضبًا، وعلى مثل الجمر متلدِّدًا،
فظلّ َيحوم حول المكان.
لمَّا انصرف أبو بكر، أقبل الرَّسول -صلَّى الله عليه وآله وسلَّم-
والله -جلَّ وعلا- وصفه في كتابه بالرَّؤوف الرَّحيم،
وذكر أنَّه على خُلُق عظيم.
لمَّا ذهب أبو بكر نظر إليها النَّبيُّ -صلَّى الله عليه وسلَّم-
مداعبًا ومعاتبًا، فقال: “أرأيتِ كيف دفعتُ عنكِ الرَّجلَ!”
يا أنس -وهو خادم النَّبي -صلَّى الله عليه وسلَّم- :
خذ هذا الدرهم فاشتري لنا به عنبًا.
يريد أنْ يعقد صلحًا على مأدبة، فذهب أنس فجاء بالعنب فأخذ يأكلان،
أبو بكر -رضوان الله عليه- يدور حول المكان فلقي أنسًا، قال:-
يا أنس ما الخبر؟
قال أنس -رضي الله عنه- :- “اصطلحا”
لقد تركتهما والله يأكلان العنب،
فجاء أبو بكر مسرعًا فدخل فجلس، و قال:-
“دعوتُمَاني في خصامكما، ونيستما في صلحكما”
قال النَّبي -صلَّى الله عليه وسلَّم- : “اقعد فَكُلْ”
ليس الإحسان إلى المرأة أن تكفَّ الأذى عنها،
فهذا من كرم الرَّجل، أنْ يكفَّ أذاه عن امرأته،
يعني ليست بطولة ولا رجولة أن يضربها و أن يجلدها جلد العبد!
ثم يطلبها آخر الليل، فهذا ممَّا استنكره الرَّسول -صلَّى الله عليه وسلَّم-
وإنَّما الرُّجولة وإنَّما الشَّهامة وإنَّما التَّمسُّك الحق:
بأنْ يملك زمام نفسه عند الغضب فهذا هو الشَّديد حقًا،
ليس الشَّديد بالصرعة، الذي يصرع النَّاس،
إنَّما الشَّديد الذي يملك نفسه عند الغضب.
نسأل الله أنْ يُحسِّن أخلاقنا وأن يجمل صفاتنا، وأن يحسن ختامنا.
اللهمَّ اجعل جمعنا هذا جمعا مرحومًا،
واجعل تفرُّقنا من بعده تفرُّقًا معصومًا،
ولا تجعل فينا ولا بيننا ولا حولنا شقيًا ولا مطرودًا ولا محرومًا.
══════════ ❁✿❁ ══════════
المصدر:-
«خصائص وصفات المرأة الصَّالحة»