إصدارات PDFاللغة العربية

قناة السويس الجديدة .. والتوكل على الله والأخذ بالأسباب – الشيخ محمد سعيد رسلان

    قَنَاةُ السُّوَيْسِ الْجَدِيدَةُ

وَالتَّوَكُّلُ عَلَى اللهِ .. وَالْأَخْذُ بِالْأَسْبَابِ

للشيخ الدكتور/ مُحَمَّد سَعِيد رَسْلَان -حفظه الله-

تحميل الإصدار PDF

تحميل الإصدار مضغوطًا ZIP


إِنَّ الْحَمْدَ لِلَّهِ نَحْمَدُهُ، وَنَسْتَعِينُهُ وَنَسْتَغْفِرُهُ، وَنَعُوذُ بِاللَّهِ مِنْ شُرُورِ أَنْفُسِنَا وَمِنْ سَيِّئَاتِ أَعْمَالِنَا، مَنْ يَهْدِهِ اللهُ فَلَا مُضِلَّ لَهُ، وَمَنْ يُضْلِلْ فَلَا هَادِيَ لَهُ، وَأَشْهَدُ أَنْ لَا إِلَهَ إِلَّا اللهُ وَحْدَهُ لَا شَرِيكَ لَهُ، وَأَشْهَدُ أَنَّ مُحَمَّدًا عَبْدُهُ وَرَسُولُهُ -صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَعَلَى آلِهِ وَسَلَّمَ-.

﴿يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُواْ اتَّقُواْ اللّهَ حَقَّ تُقَاتِهِ وَلاَ تَمُوتُنَّ إِلاَّ وَأَنتُم مُّسْلِمُونَ﴾ [آل عمران:102].

﴿يَا أَيُّهَا النَّاسُ اتَّقُواْ رَبَّكُمُ الَّذِي خَلَقَكُم مِّن نَّفْسٍ وَاحِدَةٍ وَخَلَقَ مِنْهَا زَوْجَهَا وَبَثَّ مِنْهُمَا رِجَالًا كَثِيرًا وَنِسَاء وَاتَّقُواْ اللّهَ الَّذِي تَسَاءلُونَ بِهِ وَالأَرْحَامَ إِنَّ اللّهَ كَانَ عَلَيْكُمْ رَقِيبًا﴾ [النساء:1].

﴿يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ وَقُولُوا قَوْلًا سَدِيدًا. يُصْلِحْ لَكُمْ أَعْمَالَكُمْ وَيَغْفِرْ لَكُمْ ذُنُوبَكُمْ وَمَن يُطِعْ اللَّهَ وَرَسُولَهُ فَقَدْ فَازَ فَوْزًا عَظِيمًا﴾ [الأحزاب:70-71].
أَمَّا بَعْدُ:

فَإِنَّ أَصْدَقَ الْحَدِيثِ كِتَابُ اللهِ، وَخَيْرَ الْهَدْيِ هَدْيُ مُحَمَّدٍ -صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَعَلَى آلِهِ وَسَلَّمَ-، وَشَرَّ الْأُمُورِ مُحْدَثَاتُهَا، وَكُلَّ مُحْدَثَةٍ بِدْعَةٌ، وَكُلَّ بِدْعَةٍ ضَلَالَةٌ، وَكُلَّ ضَلَالَةٍ فِي النَّارِ.

أَمَّا بَعْدُ:

فَكَثِيرًا مَا يَشْتَبِهُ فِي هَذَا الْبَابِ الْمَحْمُودُ الْكَامِلُ بِالْمَذْمُومِ النَّاقِصِ، فَيَشْتَبِهُ التَّفْوِيضُ بِالْإِضَاعَةِ، فَيُضَيِّعُ الْعَبْدُ حَظَّهُ ظَنًّا مِنْهُ أَنَّ ذَلِكَ تَفْوِيضٌ وَتَوَكُّلٌ، وَإِنَّمَا هُوَ تَضْيِيعٌ لَا تَفْوِيضٌ، فَالتَّضْيِيعُ فِي حَقِّ اللَّهِ، وَالتَّفْوِيضُ فِي حَقِّكَ.

وَمِنْهُ: اشْتِبَاهُ التَّوَكُّلِ بِالرَّاحَةِ، وَإِلْقَاءُ حِمْلِ الْكَلِّ، فَيَظُنُّ صَاحِبُهُ أَنَّهُ مُتَوَكِّلٌ، وَإِنَّمَا هُوَ عَامِلٌ عَلَى عَدَمِ الرَّاحَةِ.

وَعَلَامَةُ ذَلِكَ: أَنَّ الْمُتَوَكِّلَ مُجْتَهِدٌ فِي الْأَسْبَابِ الْمَأْمُورِ بِهَا غَايَةَ الِاجْتِهَادِ، مُسْتَرِيحٌ مِنْ غَيْرِهَا لِتَعَبِهِ بِهَا، وَالْعَامِلُ عَلَى الرَّاحَةِ آخِذٌ مِنَ الْأَمْرِ مِقْدَارَ مَا تَنْدَفِعُ بِهِ الضَّرُورَةُ، وَتَسْقُطُ بِهِ عَنْهُ مُطَالَبَةُ الشَّرْعِ، فَهَذَا لَوْنٌ، وَهَذَا لَوْنٌ.

وَمِنْهُ: اشْتِبَاهُ خَلْعِ الْأَسْبَابِ بِتَعْطِيلِهَا، فَخَلْعُهَا تَوْحِيدٌ، وَتَعْطِيلُهَا إِلْحَادٌ وَزَنْدَقَةٌ، فَخَلْعُهَا عَدَمُ اعْتِمَادِ الْقَلْبِ عَلَيْهَا، وَوُثُوقِهِ وَرُكُونِهِ إِلَيْهَا مَعَ قِيَامِهِ بِهَا، وَتَعْطِيلُهَا إِلْغَاؤُهَا عَنِ الْجَوَارِحِ.

وَمِنْهُ: اشْتِبَاهُ الثِّقَةِ بِاللَّهِ بِالْغُرُورِ وَالْعَجْزِ، وَالْفَرْقُ بَيْنَهُمَا: أَنَّ الْوَاثِقَ بِاللَّهِ قَدْ فَعَلَ مَا أَمَرَهُ اللَّهُ بِهِ، وَوَثِقَ بِاللَّهِ فِي طُلُوعِ ثَمَرَتِهِ، وَتَنْمِيَتِهَا وَتَزْكِيَتِهَا، كَغَارِسِ الشَّجَرَةِ، وَبَاذِرِ الْأَرْضِ، وَالْمُغْتَرُّ الْعَاجِزُ قَدْ فَرَّطَ فِيمَا أُمِرَ بِهِ، وَزَعَمَ أَنَّهُ وَاثِقٌ بِاللَّهِ، وَالثِّقَةُ إِنَّمَا تَصِحُّ بَعْدَ بَذْلِ الْمَجْهُودِ.

وَمِنْهُ: اشْتِبَاهُ الطُّمَأْنِينَةِ إِلَى اللَّهِ وَالسُّكُونِ إِلَيْهِ، بِالطُّمَأْنِينَةِ إِلَى الْمَعْلُومِ، وَسُكُونِ الْقَلْبِ إِلَيْهِ، وَلَا يُمَيِّزُ بَيْنَهُمَا إِلَّا صَاحِبُ الْبَصِيرَةِ، كَمَا يُذْكَرُ عَنْ أَبِي سُلَيْمَانَ الدَّارَانِيِّ: أَنَّهُ رَأَى رَجُلًا بِمَكَّةَ لَا يَتَنَاوَلُ شَيْئًا إِلَّا شَرْبَةً مِنْ مَاءِ زَمْزَمَ، فَمَضَى عَلَيْهِ أَيَّامٌ، فَقَالَ لَهُ أَبُو سُلَيْمَانَ يَوْمًا: أَرَأَيْتَ لَوْ غَارَتْ زَمْزَمُ، أَيَّ شَيْءٍ كُنْتَ تَشْرَبُ؟! فَقَامَ وَقَبَّلَ رَأْسَهُ، وَقَالَ: جَزَاكَ اللَّهُ خَيْرًا، حَيْثُ أَرْشَدْتَنِي، فَإِنِّي كُنْتُ أَعْبُدَ زَمْزَمَ مُنْذُ أَيَّامٍ. ثُمَّ تَرَكَهُ وَمَضَى.

وَأَكْثَرُ الْمُتَوَكِّلِينَ سُكُونُهُمْ وَطُمَأْنِينَتُهُمْ إِلَى الْمَعْلُومِ، وَهُمْ يَظُنُّونَ أَنَّهُ إِلَى اللَّهِ، وَعَلَامَةُ ذَلِكَ أَنَّهُ مَتَى انْقَطَعَ مَعْلُومُ أَحَدِهِمْ حَضَرَهُ هَمُّهُ وَبَثُّهُ وَخَوْفُهُ، فَعُلِمَ أَنَّ طُمَأْنِينَتَهُ وَسُكُونَهُ لَمْ يَكُونَا إِلَى اللَّهِ -جَلَّ وَعَلَا-.

قَالَ بَعْضُ أَهْلِ الْعِلْمِ: الِالْتِفَاتُ إِلَى الْأَسْبَابِ شِرْكٌ فِي التَّوْحِيدِ، وَمَحْوُ الْأَسْبَابِ أَنْ تَكُونَ أَسْبَابًا تَغْيِيرٌ فِي وَجْهِ الْعَقْلِ، وَالْإِعْرَاضُ عَنِ الْأَسْبَابِ بِالْكُلِّيَّةِ قَدْحٌ فِي الشَّرْعِ، وَالتَّوَكُّلُ مَعْنًى يَلْتَئِمُ مِنْ مَعْنَى التَّوْحِيدِ وَالْعَقْلِ وَالشَّرْعِ.

وَهَذَا الْكَلَامُ -كَمَا يَقُولُ الْعَلَّامَةُ الْهُمَامُ الْإِمَامُ ابْنُ الْقَيِّمِ -رَحِمَهُ اللهُ- يَحْتَاجُ إِلَى شَرْحٍ وَتَقْيِيدٍ:

فَالِالْتِفَاتُ إِلَى الْأَسْبَابِ ضَرْبَانِ، أَحَدُهُمَا: شِرْكٌ، وَالْآخَرُ: عُبُودِيَّةٌ وَتَوْحِيدٌ.

فَالشِّرْكُ: أَنْ يَعْتَمِدَ عَلَيْهَا وَيَطْمَئِنَّ إِلَيْهَا، وَيَعْتَقِدَ أَنَّهَا بِذَاتِهَا مُحَصِّلَةٌ لِلْمَقْصُودِ، فَهُوَ مُعْرِضٌ عَنِ المُسَبِّبِ لَهَا، وَيَجْعَلُ نَظَرَهُ وَالْتِفَاتَهُ مَقْصُورًا عَلَيْهَا.

وَأَمَّا إِنِ الْتَفَتَ إِلَيْهَا الْتِفَاتَ امْتِثَالٍ وَقِيَامٍ بِهَا وَأَدَاءٍ لِحَقِّ الْعُبُودِيَّةِ فِيهَا، وَإِنْزَالِهَا مَنَازِلَهَا: فَهَذَا الِالْتِفَاتُ عُبُودِيَّةٌ وَتَوْحِيدٌ، إِذْ لَمْ يَشْغَلْهُ عَنِ الِالْتِفَاتِ إِلَى الْمُسَبِّبِ.

وَأَمَّا مَحْوُهَا أَنْ تَكُونَ أَسْبَابًا: فَقَدْحٌ فِي الْعَقْلِ وَالْحِسِّ وَالْفِطْرَةِ.

فَإِنْ أَعْرَضَ عَنْهَا بِالْكُلِّيَّةِ: كَانَ ذَلِكَ قَدْحًا فِي الشَّرْعِ، وَإِبْطَالًا لَهُ.

وَحَقِيقَةُ التَّوَكُّلِ: الْقِيَامُ بِالْأَسْبَابِ، وَالِاعْتِمَادُ بِالْقَلْبِ عَلَى الْمُسَبِّبِ، وَاعْتِقَادُ أَنَّهَا بِيَدِهِ، فَإِنْ شَاءَ مَنَعَهَا اقْتِضَاءَهَا، وَإِنْ شَاءَ جَعَلَهَا مُقْتَضِيَةً لِضِدِّ أَحْكَامِهَا، وَإِنْ شَاءَ أَقَامَ لَهَا مَوَانِعَ وَصَوَارِفَ تُعَارِضُ اقْتِضَاءَهَا وَتَدْفَعُهُ.

فَعَّالٌ لِمَا يُرِيدُ!!

فَالْمُوَحِّدُ الْمُتَوَكِّلُ: لَا يَلْتَفِتُ إِلَى الْأَسْبَابِ، بِمَعْنَى أَنَّهُ لَا يَطْمَئِنُّ إِلَيْهَا، وَلَا يَرْجُوهَا وَلَا يَخَافُهَا، فَلَا يَرْكَنُ إِلَيْهَا، وَلَا يَلْتَفِتُ إِلَيْهَا – بِمَعْنَى أَنَّهُ لَا يُسْقِطُهَا وَلَا يُهْمِلُهَا وَيُلْغِيهَا – بَلْ يَكُونُ قَائِمًا بِهَا، مُلْتَفِتًا إِلَيْهَا، نَاظِرًا إِلَى مُسَبِّبِهَا سُبْحَانَهُ وَمُجْرِيهَا.

فَلَا يَصِحُّ التَّوَكُّلُ – شَرْعًا وَعَقْلًا – إِلَّا عَلَيْهِ سُبْحَانَهُ وَحْدَهُ، فَإِنَّهُ لَيْسَ فِي الْوُجُودِ سَبَبٌ تَامٌّ مُوجِبٌ إِلَّا مَشِيئَتَهُ وَحْدَهُ؛ فَهُوَ الَّذِي سَبَّبَ الْأَسْبَابَ، وَجَعَلَ فِيهَا الْقُوَى وَالِاقْتِضَاءَ لِآثَارِهَا، وَلَمْ يَجْعَلْ مِنْهَا سَبَبًا يَقْتَضِي وَحْدَهُ أَثَرَهُ، بَلْ لَابُدَّ مَعَهُ مِنْ سَبَبٍ يُشَارِكُهُ، وَجَعَلَ لَهَا أَسْبَابًا تُضَادُّهَا وَتَمَانِعُهَا، بِخِلَافِ مَشِيئَتِهِ سُبْحَانَهُ، فَإِنَّهَا لَا تَحْتَاجُ إِلَى أَمْرٍ آخَرَ، وَلَا فِي الْأَسْبَابِ الْحَادِثَةِ مَا يُبْطِلُهَا وَيُضَادُّهَا، وَإِنْ كَانَ اللَّهُ سُبْحَانَهُ قَدْ يُبْطِلُ حُكْمَ مَشِيئَتِهِ بِمَشِيئَتِهِ، فَيَشَاءُ الْأَمْرَ ثُمَّ يَشَاءُ مَا يُضَادُّهُ وَيَمْنَعُ حُصُولَهُ، وَالْجَمِيعُ بِمَشِيئَتِهِ وَاخْتِيَارِهِ.

فَلَا يَصِحُّ التَّوَكُّلُ إِلَّا عَلَيْهِ، وَلَا الِالْتِجَاءُ إِلَّا إِلَيْهِ، وَلَا الْخَوْفُ إِلَّا مِنْهُ، وَلَا الرَّجَاءُ إِلَّا لَهُ، وَلَا الطَّمَعُ إِلَّا فِي رَحْمَتِهِ، كَمَا قَالَ أَعْرَفُ الْخَلْقِ بِهِ – صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ –: ((أَعُوذُ بِرِضَاكَ مِنْ سَخَطِكَ، وَ أَعُوذُ بِمُعَافَاتِكَ مِنْ عُقُوبَتِكَ، وَ أَعُوذُ بِكَ مِنْكَ)) رَوَاهُ مُسْلِمٌ.

وَقَالَ -صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَعَلَى آلِهِ وَسَلَّمَ-: ((لَا مَنْجَى وَلَا مَلْجَأَ مِنْكَ إِلَّا إِلَيْكَ)). أَخْرَجَاهُ.

فَإِذَا جَمَعْتَ بَيْنَ هَذَا التَّوْحِيدِ وَبَيْنَ إِثْبَاتِ الْأَسْبَابِ، اسْتَقَامَ قَلْبُكَ عَلَى السَّيْرِ إِلَى اللَّهِ، وَوَضُحَ لَكَ الطَّرِيقُ الْأَعْظَمُ الَّذِي مَضَى عَلَيْهِ جَمِيعُ رُسُلِ اللَّهِ وَأَنْبِيَائِهِ وَأَتْبَاعِهِمْ، وَهُوَ الصِّرَاطُ الْمُسْتَقِيمُ، صِرَاطُ الَّذِينَ أَنْعَمَ اللَّهَ عَلَيْهِمْ بِالْخَيْرِ كُلِّهِ، وَأَنْعَمَ عَلَيْهِمْ بِالرِّضَا كُلِّهِ، وَبِالتَّوْفِيقِ كُلِّهِ.

وَرَسُولُ اللهِ -صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَعَلَى آلِهِ وَسَلَّمَ- وَأَصْحَابُهُ يَوْمَ أُحُدٍ لَمَّا قِيلَ لَهُمْ بَعْدَ انْصِرَافِهِمْ مِنْ أُحُدٍ: {إِنَّ النَّاسَ قَدْ جَمَعُوا لَكُمْ فَاخْشَوْهُمْ} تَجَهَّزُوا وَخَرَجُوا لِلِقَاءِ عَدُوِّهِمْ، وَأَعْطَوْهُمُ الْكَيْسَ مِنْ نُفُوسِهِمْ، ثُمَّ قَالُوا بَعْدُ: {حَسْبُنَا اللهُ وَنِعْمَ الْوَكِيلُ}، فَأَثَّرَتِ الْكَلِمَةُ أَثَرَهَا وَاقْتَضَتْ مُوجِبَهَا.

وَلِهَذَا قَالَ -جَلَّ وَعَلَا-: {وَمَنْ يَتَّقِ اللهَ يَجْعَلْ لَهُ مَخْرَجًا* وَيَرْزُقْهُ مِنْ حَيْثُ لَا يَحْتَسِبُ وَمَنْ يَتَوَكَّلْ عَلَى اللهِ فَهُوَ حَسْبُهُ} فَجَعَلَ التَّوَكُّلَ بَعْدَ التَّقْوَى؛ الَّذِي هُوَ قِيَامُ الْأَسْبَابِ الْمَأْمُورِ بِهَا، فَحِينَئِذٍ إِنْ تَوَكَّلَ عَلَى اللهِ فَهُوَ حَسْبُهُ.

كَمَا قَالَ فِي مَوْضِعٍ آخَرَ: {وَاتَّقُوا اللهَ وَعَلَى اللهِ فَلْيَتَوَكَّلِ الْمُؤْمِنُونَ}.

فَالتَّوَكُّلُ وَالْحَسْبُ بِدُونِ قِيَامِ الْأَسْبَابِ الْمَأْمُورِ بِهَا عَجْزٌ مَحْضٌ، فَإِنْ كَانَ مَشُوبًا بِنَوْعٍ مِنَ التَّوَكُّلِ، فَهُوَ تَوَكُّلُ عَجْزٍ، فَلَا يَنْبَغِي لِلْعَبْدِ أَنْ يَجْعَلَ تَوَكُّلَهُ عَجْزًا، وَلَا يَجْعَلَ عَجْزَهُ تَوَكُّلًا، بَلْ يَجْعَلُ تَوَكُّلَهُ مِنْ جُمْلَةِ الْأَسْبَابِ الْمَأْمُورِ بِهَا الَّتِي لَا يَتِمُّ الْمَقْصُودُ إِلَّا بِهَا كُلِّهَا.

وَمِنْ هَاهُنَا غَلِطَ طَائِفَتَانِ مِنَ النَّاسِ:

إِحْدَاهُمَا: زَعَمَتْ أَنَّ التَّوَكُّلَ وَحْدَهُ سَبَبٌ مُسْتَقِلٌّ كَافٍ فِي حُصُولِ الْمُرَادِ، فَعَطَّلَتْ لَهُ الْأَسْبَابَ الَّتِي اقْتَضَتْهَا حِكْمَةُ اللَّهِ الْمُوصِلَةُ إِلَى مُسَبَّبَاتِهَا، فَوَقَعُوا فِي نَوْعِ تَفْرِيطٍ وَعَجْزٍ، بِحَسَبِ مَا عَطَّلُوا مِنَ الْأَسْبَابِ، وَضَعُفَ تَوَكُّلُهُمْ مِنْ حَيْثُ ظَنُّوا قُوَّتَهُ بِانْفِرَادِهِ عَنِ الْأَسْبَابِ، فَجَمَعُوا الْهَمَّ كُلَّهُ، وَصَيَّرُوهُ هَمًّا وَاحِدًا.

وَهَذَا وَإِنْ كَانَ فِيهِ قُوَّةٌ مِنْ هَذَا الْوَجْهِ، فَفِيهِ ضَعْفٌ مِنْ جِهَةٍ أُخْرَى، فَكُلَّمَا قَوِيَ جَانِبُ التَّوَكُّلِ بِإِفْرَادِهِ أَضْعَفَهُ التَّفْرِيطُ فِي السَّبَبِ الَّذِي هُوَ مَحَلُّ التَّوَكُّلِ، فَإِنَّ التَّوَكُّلَ مَحَلُّهُ الْأَسْبَابُ، وَكَمَالُهُ بِالتَّوَكُّلِ عَلَى اللَّهِ فِيهَا.

وَهَذَا كَتَوَكُّلِ الْحَرَّاثِ الَّذِي شَقَّ الْأَرْضَ، وَأَلْقَى فِيهَا الْبِذْرَ، فَتَوَكَّلَ عَلَى اللَّهِ فِي زَرْعِهِ وَإِنْبَاتِهِ، فَهَذَا قَدْ أَعْطَى التَّوَكُّلَ حَقَّهُ، وَلَمْ يَضْعُفْ تَوَكُّلُهُ بِتَعْطِيلِ الْأَرْضِ، وَتَخْلِيَتِهَا بُورًا، وَكَذَلِكَ تَوَكُّلُ الْمُسَافِرِ فِي قَطْعِ الْمَسَافَةِ مَعَ جِدِّهِ فِي السَّيْرِ، وَتَوَكُّلُ الْأَكْيَاسِ فِي النَّجَاةِ مِنْ عَذَابِ اللَّهِ، وَالْفَوْزِ بِثَوَابِهِ، مَعَ اجْتِهَادِهِمْ فِي طَاعَتِهِ، فَهَذَا هُوَ التَّوَكُّلُ الَّذِي يَتَرَتَّبُ عَلَيْهِ أَثَرُهُ، وَيَكُونُ اللَّهُ حَسْبَ مَنْ قَامَ بِهِ.

وَأَمَّا تَوَكُّلُ الْعَجْزِ وَالتَّفْرِيطِ، فَلَا يَتَرَتَّبُ عَلَيْهِ أَثَرُهُ، وَلَيْسَ اللَّهُ حَسْبَ صَاحِبِهِ، فَإِنَّ اللَّهَ إِنَّمَا يَكُونُ حَسْبَ الْمُتَوَكِّلِ عَلَيْهِ إِذَا اتَّقَاهُ، وَتَقْوَاهُ فِعْلُ الْأَسْبَابِ الْمَأْمُورِ بِهَا، لَا إِضَاعَتُهَا.

وَالطَّائِفَةُ الثَّانِيَةُ: الَّتِي قَامَتْ بِالْأَسْبَابِ، وَرَأَتِ ارْتِبَاطَ الْمُسَبَّبَاتِ بِهَا شَرْعًا وَقَدَرًا، وَأَعْرَضَتْ عَنْ جَانِبِ التَّوَكُّلِ، وَهَذِهِ الطَّائِفَةُ وَإِنْ نَالَتْ بِمَا فَعَلَتْهُ مِنَ الْأَسْبَابِ مَا نَالَتْهُ، فَلَيْسَ لَهَا قُوَّةُ أَصْحَابِ التَّوَكُّلِ، وَلَا عَوْنُ اللَّهِ لَهُمْ وَكِفَايَتُهُ إِيَّاهُمْ وَدِفَاعُهُ عَنْهُمْ، بَلْ هِيَ مَخْذُولَةٌ عَاجِزَةٌ، بِحَسَبِ مَا فَاتَهَا مِنَ التَّوَكُّلِ.

فَالْقُوَّةُ كُلُّ الْقُوَّةِ فِي التَّوَكُّلِ عَلَى اللَّهِ، كَمَا قَالَ بَعْضُ السَّلَفِ: مَنْ سَرَّهُ أَنْ يَكُونَ أَقْوَى النَّاسِ، فَلْيَتَوَكَّلْ عَلَى اللَّهِ، فَالْقُوَّةُ مَضْمُونَةٌ لِلْمُتَوَكِّلِ، وَالْكِفَايَةُ وَالْحَسْبُ وَالدَّفْعُ عَنْهُ، وَإِنَّمَا يَنْقُصُ عَلَيْهِ مِنْ ذَلِكَ بِقَدْرِ مَا يَنْقُصُ مِنَ التَّقْوَى وَالتَّوَكُّلِ، وَإِلَّا فَمَعَ تَحَقُّقِهِ بِهِمَا، لَا بُدَّ أَنْ يَجْعَلَ اللَّهُ لَهُ مَخْرَجًا مِنْ كُلِّ مَا ضَاقَ عَلَى النَّاسِ، وَيَكُونُ اللَّهُ حَسْبَهُ وَكَافِيَهُ.

وَالْمَقْصُودُ أَنَّ النَّبِيَّ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- أَرْشَدَ الْعَبْدَ إِلَى مَا فِيهِ غَايَةُ كَمَالِهِ، وَنَيْلُ مَطْلُوبِهِ، أَنْ يَحْرِصَ عَلَى مَا يَنْفَعُهُ، وَيَبْذُلَ فِيهِ جُهْدَهُ، وَحِينَئِذٍ يَنْفَعُهُ التَّحَسُّبُ، وَقَوْلُ (حَسْبِيَ اللَّهُ وَنِعْمَ الْوَكِيلُ) بِخِلَافِ مَنْ عَجَزَ وَفَرَّطَ، حَتَّى فَاتَتْهُ مَصْلَحَتُهُ، ثُمَّ قَالَ (حَسْبِيَ اللَّهُ وَنِعْمَ الْوَكِيلُ) فَإِنَّ اللَّهَ يَلُومُهُ، وَلَا يَكُونُ فِي هَذِهِ الْحَالِ حَسْبَهُ، فَإِنَّمَا هُوَ حَسْبُ مَنِ اتَّقَاهُ وَتَوَكَّلَ عَلَيْهِ.

التَّوَكُّلُ لَا يَكُونُ تَوَكُّلًا إِلَّا بِأَنْ يَعْتَمِدَ الْقَلْبُ اعْتِمَادًا حَقِيقِيًّا صَادِقًا عَلَى اللهِ -جَلَّ وَعَلَا-، وَمِنْ هَذِهِ الْحَيْثِيَّةِ لَا يَكُونُ مُلْتَفِتًا إِلَى الْأَسْبَابِ، يَأْخُذُ بِهَذَا مَعَ الْأَخْذِ بِالْأَسْبَابِ، وَلَا يَكُونُ مُلْتَفِتًا إِلَيْهَا وَلَا مُعْتَمِدًا عَلَيْهَا، وَإِنَّمَا يَعْتَقِدُ أَنَّ أَخْذَهُ بِهَا عُبُودِيَّةٌ لِلَّهِ -جَلَّ وَعَلَا- فِي الْأَخْذِ بِالسَّبَبِ، وَفِي الِاعْتِمَادِ عَلَى اللهِ رَبِّ الْعَالَمِينَ الَّذِي سَبَّبَ الْأَسْبَابَ، وَهُوَ الَّذِي يَفْعَلُ مَا يَشَاءُ، وَيَحْكُمُ بِمَا يُرِيدُ.

التَّوَكُّلُ حَالُ الرَّسُولِ -صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَعَلَى آلِهِ وَسَلَّمَ-، وَالْأَخْذُ بِالْأَسْبَابِ سُنَّتُهُ، فَمَنْ أَرَادَ أَنْ يَكُونَ فِي حَالِهِ، فَلَا يَصِحُّ أَنْ يَتْرُكَ سُنَّتَهُ، وَإِنَّمَا يَنْبَغِي عَلَى الْعَبْدِ –لِكَيْ يَكُونَ مُتَوَكِّلًا حَقًّا وَصِدْقًا- أَنْ يَأْتِيَ بِتَمَامِ الِاعْتِمَادِ عَلَى اللهِ بِقَلْبِهِ، وَأَنْ يَكُونَ آخِذًا بِالْأَسْبَابِ الَّتِي شَرَعَهَا اللهُ رَبُّ الْعَالَمِينَ فِي كَوْنِهِ.

وَهَذَا وَاللَّهُ -تَبَارَكَ وَتَعَالَى- أَعْلَى وَأَعْلَمُ هُوَ مَا أَخَذَتْ بِهِ الْأُمَّةُ الْمِصْرِيَّةُ فِي مَشْرُوعِهَا الْعِمْلَاقِ، مَشْرُوعِ الْقَرْنِ، الَّذِي نَسْأَلُ اللهَ -جَلَّ وَعَلَا- أَنْ يَعُودَ بِفَائِدَتِهِ وَعَائِدَتِهِ الْحَسَنَةِ عَلَى هَذِهِ الْأُمَّةِ الْمِصْرِيَّةِ، وَعَلَى الْأُمَّةِ الْإِسْلَامِيَّةِ، وَأَنْ يَكُونَ فَاتِحَةَ خَيْرٍ لِمَشْرُوعَاتٍ عِمْلَاقَةٍ تُقِيمُ الْأُمَّةَ مِنْ كَبْوَتِهَا، وَتَأْخُذُ بِيَدَيْهَا إِلَى الصِّرَاطِ الْمُسْتَقِيمِ.

هَذَا وَاللَّهُ -تَبَارَكَ وَتَعَالَى- أَعْلَى وَأَعْلَمُ مِنَ التَّوَكُّلِ عَلَى اللهِ -جَلَّ وَعَلَا- مَعَ الْأَخْذِ بِالْأَسْبَابِ مِنْ تَحْدِيدِ الْهَدَفِ، وَمِنْ تَقْدِيرِ وَتَقْيِيمِ الْمُسْتَهْدَفِ، ثُمَّ بِالنَّظَرِ فِي الْأَسْبَابِ الْمُوصِلَةِ إِلَى ذَلِكَ الْمُسْتَهْدَفِ، ثُمَّ بِالنَّظَرِ فِي الْإِمْكَانَاتِ الْمُتَاحَةِ الَّتِي تُتَّخَذُ وَسَائِلَ وَأَسْبَابًا فِي الْوُصُولِ إِلَى تَحْقِيقِ الْهَدَفِ الْمُسْتَهْدَفِ، ثُمَّ بِالِاعْتِمَادِ عَلَى اللهِ رَبِّ الْعَالَمِينَ مَعَ الْأَخْذِ بِالْأَسْبَابِ، وَحِينَئِذٍ إِذَا قُدِّرَتِ الْمُدَّةُ فَلَا تَثْرِيبَ وَلَا مَلَامَةَ.

وَقَدْ مَنَّ اللهُ -تَبَارَكَ وَتَعَالَى- بِصِدْقِ الْوَعْدِ، وَإِنْهَاءِ الْمُهِمَّةِ فِي وَقْتِهَا الَّذِي أُعْلِنَ عَنْهُ؛ لِأَنَّهُ -وَاللَّهُ تَعَالَى أَعْلَى وَأَعْلَمُ- حُقِّقَ التَّوَكُّلُ فِي الْقَلْبِ عَلَى اللهِ -جَلَّ وَعَلَا-.

فِي هَذِهِ الْأَحْوَالِ الَّتِي تَكْتَنِفُ الْأُمَّةَ الْمِصْرِيَّةَ تُشَتِّتُ جُهْدَهَا، وَتُبَعْثِرُ مَجْهُودَهَا، وَتُهْدِرُ ثَرْوَاتِهَا، وَتُحَاوِلُ أَنْ تُسْقِطَهَا إِسْقَاطًا، فَكَانَ حَتْمًا وَكَانَ لَا بُدَّ مِنَ التَّوَكُّلِ عَلَى اللهِ رَبِّ الْعَالَمِينَ، وَالتَّفْوِيضِ إِلَيْهِ فِي تَحْقِيقِ الْمُرَادِ، ثُمَّ بِالْأَخْذِ بِالْأَسْبَابِ بِعَدَمِ التَّكَفُّفِ مِنْ أَحَدٍ سِوَى الْمِصْرِيِّينَ، وَلَا يَكُونُ مَدُّ الْيَدِ إِلَيْهِمْ فِي أَمْرٍ يَخُصُّهُمْ تَكَفُّفًا، وَإِنَّمَا هُوَ إِرْشَادٌ إِلَى الْخَيْرِ، وَحَثٌّ عَلَيْهِ، وَتَمْهِيدٌ لِسُلُوكِ صِرَاطِهِ، وَالسَّيْرِ عَلَى مِنْهَاجِهِ، فَمَنَّ اللهُ رَبُّ الْعَالَمِينَ بِذَلِكَ.

كَمْ مِنَ الْأَنْفُسِ قَدْ أُزْهِقَتْ، وَكَمْ مِنَ الْأَجْسَادِ قَدْ وُورِيَتْ تَحْتَ الثَّرَى عِنْدَ حَفْرِ الْقَنَاةِ الْأُولَى، حَفَرَهَا الْمِصْرِيُّونَ قَدِيمًا بِأَظَافِرِهِمْ وَأَنْيَابِهِمْ، بِعَرَقِهِمْ وَدُمُوعِهِمْ، وَانْصَهَرَتْ جُلُودُهُمْ وَأَجْسَادُهُمْ تَحْتَ حَرِّ الشَّمْسِ فِي الصَّحْرَاءِ حَتَّى حَفَرُوهَا، وَضَحَّتِ الْأُمَّةُ فِي سَبِيلِ ذَلِكَ بِكَثِيرٍ وَكَثِيرٍ مِنْ أَبْنَائِهَا، مَاتُوا مِنْ أَجْلِ تَحْقِيقِ ذَلِكَ الْمُسْتَهْدَفِ!!

وَالْيَوْمَ يَمُنُّ اللهُ رَبُّ الْعَالَمِينَ عَلَى هَذِهِ الْأُمَّةِ بِمُمَاثِلٍ وَمُنَاظِرٍ صُهِرَتْ فِيهِ الْجُلُودُ فَأَطْفَأَ حَرَارَتَهَا الْعَرَقُ الَّذِي يَرْوِي الْأَرْضَ، يَرْوِي الصَّحْرَاءَ، يَرْوِي الرِّمَالَ، مَحَبَّةً فِي اللهِ -جَلَّ وَعَلَا-، وَحِرْصًا عَلَى صَالِحِ الْأُمَّةِ، وَإِرَادَةً لِلْخَيْرِ وَالنَّفْعِ لِلْمُسْلِمِينَ وَلِلْعَالَمِ أَجْمَعَ، فَإِنَّ هَذَا لَا يُيَسِّرُ أَمْرًا عَلَى الْمِصْرِيِّينَ وَحْدَهُمْ وَإِنْ كَانُوا دَاخِلِينَ فِي ذَلِكَ دُخُولًا أَوَّلِيًّا، وَإِنَّمَا يَعُودُ ذَلِكَ بِفَائِدَتِهِ وَعَائِدَتِهِ عَلَى الْبَشَرِيَّةِ كُلِّهَا، فَالْخَيْرُ عَائِدٌ فِي الْمُنْتَهَى إِلَى الْمُسْلِمِينَ مِنْ أَبْنَاءِ هَذِهِ الْأُمَّةِ.

وَأَمَّا الْبُومُ وَالْغِرْبَانُ عَلَى الْخَرَائِبِ وَالْأَطْلَالِ، فَهَؤُلَاءِ أَعْدَاءُ النَّجَاحِ، وَالْمَرْءُ يَعْجَبُ إِذَا كُنْتَ حَرِيصًا عَلَى صَالِحِ بَلَدِكَ، مُرِيدًا لِمَصْلَحَةِ وَطَنِكَ، فَلِمَاذَا يَغِيظُكَ أَنْ يَسُوقَ اللهُ النَّفْعَ إِلَى بَلَدِكَ، وَالْفَائِدَةَ إِلَى وَطَنِكَ؟!

لِمَاذَا تُقَلِّلُ مِنْهُ؟!

وَلِمَاذَا تُسَفِّهُ مِنْ عُقُولٍ أَنْتَجَتْهُ؟!

وَلِمَاذَا تُقَلِّلُ مِنْ مَجْهُودٍ بَذَلَتْهُ السَّوَاعِدُ الْأَمِينَةُ، وَالْعُقُولُ الرَّصِينَةُ مِنْ أَجْلِ الْوُصُولِ إِلَى الْهَدَفِ فِي الْمِيعَادِ مِنْ دُونِ أَنْ يَتَأَخَّرَ -بِقَدَرِ اللهِ رَبِّ الْعَالَمِينَ- عَنْ مِيعَادِهِ ثَانِيَةً مِنَ الزَّمَانِ؟!

لَيْسَ سِحْرًا! وَلَيْسَ شَعْوَذَةً! وَلَيْسَ اسْتِعَانَةً بِالْجِنِّ وَالشَّيَاطِينِ، وَإِنَّمَا هُوَ عَمَلٌ بَشَرِيٌّ يُؤَسَّسُ عَلَى تَوَكُّلٍ خَالِصٍ عَلَى اللهِ، وَأَخْذٍ بِالْأَسْبَابِ.

بِحَوْلِ اللهِ -تَبَارَكَ وَتَعَالَى- وَقُوَّتِهِ، وَمَنِّهِ وَعَطَائِهِ وَرَحْمَتِهِ، يُنْجَزُ مَشْرُوعُ قَنَاةِ السُّوَيْسِ الثَّانِيَةِ فِي مِيعَادِهِ، بِعُقُولٍ مِصْرِيَّةٍ خَالِصَةٍ، وَبِسَوَاعِدَ مِصْرِيَّةٍ خَالِصَةٍ،شَتَّانَ بَيْنَهُ وَبَيْنَ الْأَوَّلِ!!

لِأَنَّ الِاحْتِفَالَ بِالْأَوَّلِ أَدَّى إِلَى احْتِلَالِ مِصْرَ بَعْدَ حِينٍ، وَوَقَعَتْ أُمُورٌ، وَكَانَتْ مِصْرُ فِي مَوْقِعٍ اقْتِصَادِيٍّ مُمْتَازٍ، كَانَ الْجُنَيْهُ الْمِصْرِيُّ أَكْبَرَ قِيمَةً مِنَ الْجُنَيْهِ الْإِسْتِرْلِينِيِّ، يَزِيدُ عَلَيْهِ بِبِضْعَةِ قُرُوشٍ، وَكَانَتْ مِصْرُ تُقَدِّمُ الْمُسَاعَدَاتِ لِمِثْلِ الْمَجَرِ وَالنِّرْوِيجِ، وَهُمْ يَكْتُبُونَ ذَلِكَ فِي وَثَائِقَ فِي حِينِهِ، وَهِيَ مَوْجُودَةٌ إِلَى الْيَوْمِ فِي مَتَاحِفِهِمْ؛ يَشْكُرُونَ مِصْرَ عَلَى مَا قَدَّمَتْ مِنَ الْإِعَانَةِ وَالْمُسَاعَدَةِ.

ثُمَّ كَانَ مَا كَانَ، فَتَقَهْقَرَ هَذَا الْوَطَنُ إِلَى مَقَامٍ لَا يُنَاسِبُهُ، وَمَوْضِعٍ لَا يَلِيقُ بِهِ، وَلَا يُلَائِمُهُ، وَمَنَّ اللهُ رَبُّ الْعَالَمِينَ بِأَنْ يُنْفَضَ عَنْهُ ثَرَى الْعَثْرَةِ، وَأَنْ يُزَالَ عَنْهُ غُبَارُ الْكَبْوَةِ، وَأَنْ يَقُومَ عَلَى قَدَمَيْهِ.

لِمَاذَا يُعَطِّلُهُ -أَوْ يُرِيدُ تَعْطِيلَهُ- عَنِ الْوُصُولِ إِلَى مُرَادِهِ: الْبُومُ وَالْغِرْبَانُ مِنَ الْقُطْبِيِّينَ وَالْإِخْوَانِ وَغَيْرِهِمْ مِنَ التَّكْفِيرِيِّينَ؟!

يُرِيدُ الْإِخْوَانُ الْمُفْلِسُونَ الْمُجْرِمُونَ أَنْ يُسْقِطُوا مِصْرَ لِكَيْ يَعُودُوا إِلَى الْحُكْمِ! هَؤُلَاءِ قَوْمٌ لَا يَفْقَهُونَ! هَؤُلَاءِ قَوْمٌ بِلَا عُقُولٍ!

لِأَنَّهُمْ يَعْلَمُونَ أَنَّهُ لَوْ قَدَّرَ اللهُ –نَسْأَلُ اللهَ السَّلَامَةَ وَالْعَافِيَةَ- أَنْ تَسْقُطَ مِصْرَ، فَلَنْ يَعُودَ الْإِخْوَانُ إِلَى حُكْمِهَا أَبَدًا، الْقُوَى الَّتِي تُشَارِكُهُمْ فِي مُحَاوَلَةِ الْإِسْقَاطِ لِلِاسْتِيلَاءِ عَلَى الْحُكْمِ تُكَفِّرُهُمْ، يُكَفِّرُونَ الْإِخْوَانَ, وَلَا يَعْتَبِرُونَهُمْ، يَعْتَبِرُونَهُمْ شِرْذِمَةً مِنْ أَصْحَابِ الْمَصَالِحِ، وَكَثيِرٌ مِنْهُمْ يُكَفِّرُ الْإِخْوَانَ أَصْلًا، وَلَكِنَّهُمْ يَجْتَمِعُونَ عَلَى هَدَفٍ وَاحِدٍ؛ لِأَنَّهُمْ قَدِ اجْتَمَعُوا عَلَى أَصْلٍ وَاحِدٍ، وَهُوَ الْحُكْمُ عَلَى الْمِصْرِيِّينَ بِالرِّدَّةِ وَالْخُرُوجِ مِنَ الْإِسْلَامِ؛ لِأَنَّهُمْ كَفَّرُوا الْحَاكِمَ، وَقَالُوا: إِنَّ حُكْمَ الدَّارِ تَابِعٌ لِحُكْمِ الرَّايَةِ، وَالرَّايَةُ كَافِرَةٌ، فَالدِّيَارُ دِيَارُ كُفْرٍ وَدِيَارُ حَرْبٍ، فَيَسْتَحِلُّونَ الْقَتْلَ وَإِرَاقَةَ الدِّمَاءِ.

لَا شَكَّ أَنَّ الْأُسْبُوعَ الْمُقْبِلَ سَيَشْهَدُ –وَاللَّهُ أَعْلَمُ- الْكَثِيرَ مِنَ الْأَلْعَابِ الصِّبْيَانِيَّةِ الَّتِي يَأْتِي بِهَا التَّكْفِيرِيُّونَ مِنْ تَفْجِيرٍ هُنَا أَوْ هُنَاكَ، هَذَا أَمْرٌ لَنْ يَنْقَضِيَ فِي زَمَانٍ قَرِيبٍ؛ لِأَنَّ هَذِهِ الْعُقُولَ قَدِ اسْتَوَلَتْ عَلَيْهَا الْحَمَاقَةُ، وَأَحَاطَتْ بِهَا وَبِالْقُلُوبِ السَّفَاهَةُ، فَهِيَ لَا تَخْرُجُ مِنْ أَسْرِهَا، وَلَا تَنْفَكُّ مِنْ عِقَالِهَا، وَإِنَّمَا تَدُورُ مَعَ السَّفَاهَةِ وَالْحَمَاقَةِ حَيْثُ دَارَا.

فَلَا يُسْتَبْعَدُ أَنْ يَقَعَ فِي الْأُسْبُوعِ الْمُقْبِلِ بَعْضُ شَيْءٍ؛ يُرِيدُونَ التَّشْوِيشَ، كَيْ يَعْلَمَ مَنْ يَأْتِي أَنَّ مِصْرَ لَمْ تَسْتَقِرَّ بَعْدُ، وَأَنَّ لِهَؤُلَاءِ الْمُجْرِمِينَ فِي هَذَا الْوَطَنِ شَوْكَةً وَوُجُودًا، وَهَيْهَاتَ!!

هَؤُلَاءِ لَوْ كَانُوا عُضْوًا فِي الْجَسَدِ، لَكَانُوا عُضْوًا فَاسِدًا يَنْبَغِي أَنْ يُبْتَرَ! لِكَيْ يَبْقَى الْجَسَدُ عَلَى صِحَّتِهِ فِيمَا بَقِيَ.

نَسْأَلُ اللهَ رَبَّ الْعَالَمِينَ أَنْ يُسَلِّمَ مِصْرَ وَجَمِيعَ بُلْدَانِ الْمُسْلِمِينَ مِنْ كُلِّ سُوءٍ.

وَأَنْ يَحْمِيَ اللهُ رَبُّ الْعَالَمِينَ مِصْرَ وَجَمِيعَ بُلْدَانِ الْمُسْلِمِينَ مِنْ كُلِّ اعْتِدَاءٍ وَتَطَاوُلٍ بِيَدٍ أَوْ بِقَلْبٍ أَوْ بِلِسَانٍ.

نَسْأَلُ اللهَ رَبَّ الْعَالَمِينَ أَنْ يُوصِلَ مِصْرَ إِلَى بَرِّ الْأَمَانِ، وَشَاطِئِ السَّلَامَةِ، وَأَنْ يَمُنَّ عَلَيْهَا بِالْأَمْنِ وَالْإِيمَانِ، وَالسَّلَامَةِ وَالْإِسْلَامِ، إِنَّهُ تَعَالَى عَلَى كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ.

وَصَلَّى اللهُ وَسَلَّمَ عَلَى نَبِيِّنَا مُحَمَّدٍ وَعَلَى آلِهِ وَأَصَحَابِهِ أَجْمَعِينَ.


تحميل الإصدار PDF

تحميل الإصدار مضغوطًا ZIP

‫5 تعليقات

  1. السلام عليكم شيخنا محمد سعيد الرسلان ابوعبدالله موفق ان شاء الله فيما تؤلفه من رسائل وكتب تخدم المجتمع المصري والامة الاسلامية فجزاك الله عنا وعن السلفية كل خير والسلام عليكم اخوكم أبوعمر المقري الجزائري

  2. بارك الله في شيخنا أسد السنة الشيخ رسلان حفظه الله و متعنا به و بعلمه
    و قاتل الله الخوان المفلسين فقد شابهوا المنافقين بحسدهم المصريين انجازهم هذا……….<> ال عمران 120

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى