اللغة العربية

الوقفة الثَّانية عشر مع مجدي حفالة

 «وصفه فترة الأربع عقود الماضية بالمظلمة»


الحمد لله حقَّ حمده، والصَّلاة والسَّلام على أشرف الأنبياء والمرسلين،
سيدنا محمَّد وعلى آله وصحبه أجمعين، وبَعْدُ:-

فأقولُ مستعينًا بالله العظيم:-
إنَّ من الظلم بمكان أنْ يتعدَّى الإنسان مع غيره فيظلمَهُ؛
ولو كان كافرًا يهوديًا، ولو كان نصرانيًا أو بوذيًا، أو كان على أي ملَّة.

وإنَّ التَّنكُّر لنعم الله -تبارك وتعالى- وما فيه العبد من خير ونعمة،
ليست من شِيَمِ الكرام.

وإنَّ إطلاق العبارات الباطلة من أجل إرضاء طائفة من النَّاس،
وتبرير مواقفك ليست طريقة أهل السُّنَّة.


إنَّ مِمَّا ابْتُلِيَ به مجدي بن ميلود في أشرطته:
إطلاق العبارات حمَّالة الوجوه!

فإذا أُنْتِقد قال:-
أنا أقصد كذا! وأعني كذا!
وعندي عبارات أخرى تُبَيِّن المقصود؛ كما فعل فيما أُنْتِقد عليه مؤخَّرًا.

يريد هو أنْ نحمل مُجْمَلَ كلامه على مفصَّله!
وهذه العبارات التي سوف يسمعها القارئ يتبيَّن له:
مجاوزة الحد في الوصف مع ما فيه من الباطل المخالف لمنهج السَّلف.


قال مجدي بن ميلود:-
-وهو يتكلَّم على مرحلة النظام السَّابق-

لقد عشنا عقودًا أربعًا مظلمة؛
ليس فيها أثر نور هدى، العلماء قُتِلُوا شُرِّدُوا، طلبة العلم قُتِلُوا عُذِّبُوا،
المُتَمَسِّكون بالسُّنَّة سجوا بهم في السُّجون، ماذا أبقى هذا الطَّاغية؟

أبقى المتردية والنَّطيحة وما أكل السَّبع،
ترك للمسلمين الدَّجَّالين والمشعوذين والجهَّال والنفعيين.

أمَّا اليوم -ولله الفضل والمنَّة- آن الأوان لبلدنا أن تتنوَّر بنور العلم النَّافع،
آن لبلادنا أن يكون بها علماء وطلَّاب علم، آن للدَّجَّالين أن يستتروا ويختفوا،
كم قد جهلوا من المسلمين،سَلْ أباك عن أركان الإسلام،
سَلْهُ عن أركان الإيمان، سَلْهُ عن معنى لا إله إلا الله؛
بماذا سيجيب! لقد جهلوا المسلمين.
وأي داء أدوء من الجهل والله -عزَّ وجلَّ- أمر بالتَّعلُّم ﴿فَاعْلَمْ أَنَّهُ لَا إِلَٰهَ إِلَّا اللهُ﴾
==> ●●الكلام بصوته من هنا●●


قلت -أبو الفضل محمَّد بن عمر- :-

هذه العبارات على ما فيها من الكلام غير الصَّحيح بهذا الإطلاق؛
فقد نفى أثر النُّور، فضلاً عن النُّور أصلاً! ومن مخالفاته في كلامه هذا:-

1- وصفه للحكم السَّابق أنَّه أربع سنين مظلمة.
2- ليس فيها أثر نور هُدَى.
3- قتل العلماء وتشريدهم.
4- قتل طلبة العلم وتشريدهم.
5- لم يبقَ سوى النَّطيحة والمتردية وما أكل السَّبع.

وبَعْدُ هذا الوصف المبالغ فيه من القتل والتَّشريد للعلماء وطلبة العلم؛
غفل فلم يستثني نفسه!
فقال:- (ما بقي إلا النَّطيحة والمتردية وما أكل السَّبع!)


وإلى كل منصف:-
هل ما قاله مجدي بن ميلود صحيح؟
أنَّها أربع عقود مظلمة؟ وليس فيه أثر نور هُدَى؟

فوالله إنَّه لباطل وليس بصحيح البتَّة!



فإنَّ مَنْ مَدَحَ الدَّعوة في ليبيا قديمًا؛
إنَّما مدحها خلال هذه السنين المظلمة التي تقول عنها!

عندما كان الشَّباب مرتبطون بالكتاب والسُّنَّة ومنهج السَّلف،
ويسيرون خلف علماء أهل السُّنَّة الأقحاح.

ولكن عندما أصبح المرجع عند بعض الشَّباب طلبة العلم؛
حصل ما حصل من الخلط الذي نراه اليوم!


فهذا من التَّعدي والظلم، أنْ تُوصَفَ تلك المرحلة أنَّها مظلمة بإطلاق!
بل كان هناك الخير الكثير في تلك المرحلة من النَّشاط في الدَّعوة،
على ما فيها من ظلم وتعدي على أهل السُّنَّة وسجنهم وتعذيبهم؛
ومع ذلك لم ينطفئ نور الهُدَى!
﴿بَلْ هُوَ آيَاتٌ بَيِّنَاتٌ فِي صُدُورِ الَّذِينَ أُوتُوا الْعِلْمَ﴾ [العنكبوت: 49].

وكانوا مع سجنهم، لم يغيبوا على نور النُّبوَّة،
ولم تغب عنهم ولن تغيب أبدًا -بإذن الله- ؛
بل كانوا يتدارسون العلم على ما عندهم من القليل وثبتوا على فرج الله عنهم.

وكانت المآذن تُرْفَعُ بالآذان، وكان الحجُّ قائمًا والعمرة أيضًا،
والزَّكاة وشرائع الإسلام ظاهرةً.


ثم قارنْ -أخي الفاضل- بين كلام مجدي بن ميلود،
وبين قول ربك -جلَّ وعلا- وقول رسولك -صلَّى الله عليه وسلَّم-

﴿قَدْ جَاءَكُم مِّنَ اللهِ نُورٌ وَكِتَابٌ مُّبِينٌ﴾ [المائدة: 15]
فهل يمكن لهذا النُّور أن يختفي أربع عقود!

﴿يُرِيدُونَ أَن يُطْفِئُوا نُورَ اللهِ بِأَفْوَاهِهِمْ﴾ [التَّوبة: 32]
هل يستطيعون إطفاء هذا النُّور!

﴿ نُّورٌ عَلَىٰ نُورٍ ۗ يَهْدِي اللهُ لِنُورِهِ مَن يَشَاءُ﴾ [النور: 35]
هل يمكن لهذا الذي يهدي به الله أن يُطْمَسَ أربع عقود!

﴿وَمَن لَّمْ يَجْعَلِ اللهُ لَهُ نُورًا فَمَا لَهُ مِن نُّورٍ﴾ [النُّور: 40]
هل يمكن أن يندثر هذا النُّور!

﴿أَفَمَن شَرَحَ اللهُ صَدْرَهُ لِلْإِسْلَامِ فَهُوَ عَلَىٰ نُورٍ مِّن رَّبِّهِ﴾ [الزمر: 22]


●●فَصْلٌ●●

قال الله -عزَّ وجلَّ- :-
﴿أَوَمَنْ كَانَ مَيْتًا فَأَحْيَيْنَاهُ وَجَعَلْنَا لَهُ نُورًا يَمْشِي بِهِ فِي النَّاسِ،
كَمَنْ مَثَلُهُ فِي الظُّلُمَاتِ لَيْسَ بِخَارِجٍ مِنْهَا كَذَلِكَ زُيِّنَ لِلْكَافِرِينَ مَا كَانُوا يَعْمَلُونَ﴾ [الأنعام: 122].

هذا مَثَلٌ ضربه الله للمؤمن الذي كان ميتًا، أي:
في الضَّلالة، هالكًا حائرًا؛ فأحياه الله، أي:
أحيا قلبه بالإيمان، وهداه له ووفَّقه لاتباع رسله.

﴿وَجَعَلْنَا لَهُ نُورًا يَمْشِي بِهِ فِي النَّاسِ﴾
أي: يهتدي به كيف يسلك، وكيف يتصرَّف به.
والنُّور هو القرآن، كما رواه العَوْفِيُّ وابن أبي طلحة، عن ابن عبَّاس،
وقال السُّدِّيُّ: الإسلام. والكلُّ صحيح.
[تفسير القرآن العظيم جـ 3 صـ 330]


وقال الله:-
﴿أَوْ كَظُلُمَاتٍ فِي بَحْرٍ لُجِّيٍّ يَغْشَاهُ مَوْجٌ مِنْ فَوْقِهِ مَوْجٌ مِنْ فَوْقِهِ سَحَابٌ
ظُلُمَاتٌ بَعْضُهَا فَوْقَ بَعْضٍ إِذَا أَخْرَجَ يَدَهُ لَمْ يَكَدْ يَرَاهَا،
وَمَنْ لَمْ يَجْعَلِ اللهُ لَهُ نُورًا فَمَا لَهُ مِنْ نُورٍ﴾ [النُّور: 40]

وقوله:-
﴿وَمَنْ لَمْ يَجْعَلِ اللهُ لَهُ نُورًا فَمَا لَهُ مِنْ نُورٍ﴾ أيْ:-
مَنْ لم يهده الله فهو هالك جاهل حائر بائر كافر، كما قال تعالى:-
﴿مَنْ يُضْلِلِ اللهُ فَلا هَادِيَ لَهُ﴾ [الأعراف: 186] [تفسير القرآن العظيم جـ 6 صـ 71]




وقال تعالى:-
﴿يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آَمَنُوا اتَّقُوا اللهَ وَآَمِنُوا بِرَسُولِهِ
يُؤْتِكُمْ كِفْلَيْنِ مِنْ رَحْمَتِهِ وَيَجْعَلْ لَكُمْ نُورًا تَمْشُونَ بِهِ﴾ [الحديد: 28].

اختلف أهل التَّأويل في الذي عنى به النُّور في هذا الموضع،
فقال بعضهم:- عنى به القرآن.

ذِكْرُ مَنْ قال ذلك:- 
حدَّثنا أبو عمار المروزيُّ، قال: ثنا الفضل بن موسى، عن سفيان،
عن عطاء بن السَّائب، عن سعيد بن جبير، عن ابن عبَّاس:
﴿وَيَجْعَلْ لَكُمْ نُورًا تَمْشُونَ بِهِ﴾ ، قال:-
الفرقان، واتِّباعهم النَّبي -صلَّى الله عليه وسلَّم-

حدَّثنا ابن حميد، قال: ثنا مهران، عن سفيان، عن عطاء بن السائب،
عن سعيد بن جبير، عن ابن عبَّاس: ﴿وَيَجْعَلْ لَكُمْ نُورًا تَمْشُونَ بِهِ﴾ قال:-
الفرقان، واتِّباعهم النَّبي -صلَّى الله عليه وسلَّم-
وقال آخرون:-
عني بالنُّور في هذا الموضع: الهدى.ذِكْرُ مَنْ قال ذلك:-
حدَّثنا محمَّد بن عمرو، قال: ثنا أبو عاصم، قال: ثنا عيسى؛ وحدثني الحارث،
قال: ثنا الحسن قال: ثنا ورقاء جميعًا، عن ابن أبي نجيح، عن مجاهد،
في قوله:- ﴿وَيَجْعَلْ لَكُمْ نُورًا تَمْشُونَ بِهِ﴾ قال: هدى.وأولى الأقوال في ذلك بالصَّواب أنْ يُقَالَ:-
إنَّ الله تعالى ذكره وَعْدَ هؤلاء القوم أنْ يجعل لهم نورًا يمشون به،
والقرآن مع اتِّباع رسول الله -صلَّى الله عليه وسلَّم- نور لِمَنْ آمن بهما وصدَّقهما،
وهدى؛ لأنَّ مَنْ آمن بذلك، فقد اهتدى.
[جامع البيان في تأويل القرآن جـ 23 صـ 213]


وقال تعالى:-
﴿أَفَمَنْ شَرَحَ اللهُ صَدْرَهُ لِلْإِسْلَامِ فَهُوَ عَلَى نُورٍ مِنْ رَبِّهِ﴾ [الزمر: 22]فقوله:- ﴿فَهُوَ عَلَى نُورٍ مِنْ رَبِّهِ﴾ :
بيانٌ لشرح الصَّدر للإسلام كما أنَّ ضيق الصَّدر، دليل على الضَّلال.
[أضواء البيان في إيضاح القرآن بالقرآن جـ 8 صـ 573]وقال تعالى:-
﴿يُرِيدُونَ أَنْ يُطْفِؤُا نُورَ اللهِ بِأَفْواهِهِمْ وَيَأْبَى اللهُ إِلاَّ أَنْ يُتِمَّ نُورَهُ وَلَوْ كَرِهَ الْكافِرُونَ)
قَوْلُهُ تَعَالَى:- ﴿يُرِيدُونَ أَنْ يُطْفِؤُا نُورَ اللهِ﴾ أي:-
دلالته وحججه على توحيده، جَعَلَ البراهين بمنزلة النُّور لِمَا فيها من البيان،
وقيل: المعنى نور الإسلام، أي أن يخمدوا دين الله بتكذيبهم.
[الجامع لأحكام القرآن جـ 8 صـ 121]



قال تعالى:-
﴿هُوَ الَّذِي أَرْسَلَ رَسُولَهُ بِالْهُدى وَدِينِ الْحَقِّ؛
لِيُظْهِرَهُ عَلَى الدِّينِ كُلِّهِ وَلَوْ كَرِهَ الْمُشْرِكُونَ﴾ [سورة التَّوبة: 33]

قوله تعالى:- ﴿هُوَ الَّذِي أَرْسَلَ رَسُولَهُ﴾
يريد مُحَمَّدًا -صلَّى الله عليه وسلَّم- ﴿بِالْهُدَى﴾ أَيْ:- بالفرقان.

﴿وَدِينِ الْحَقِّ لِيُظْهِرَهُ عَلَى الدِّينِ كُلِّهِ﴾ أَيْ:- بالحجَّة والبراهين،
وقد أظهره على شرائع الدين حتى لا يخفى عليه شي منها.

عن ابن عبَّاس وغيره، قيل: (لِيُظْهِرَهُ) أَيْ:-
ليظهر الدين دين الإسلام على كل دين.

قال أبو هريرة والضَّحَّاك:-
هذا عند نزول عيسى عليه السَّلام، وقال السدي:-
ذاك عند خروج المهدي، لا يبقى أحد إلا دخل في الإسلام أو أدَّىَ الجزية.

وقيل:- المهدي هو عيسى فقط، وهو غير صحيح.
[الجامع لأحكام القرآن جـ 8 صـ 121]



وقال -أيضًا- :-
﴿يُرِيدُونَ أَنْ يُطْفِئُوا نُورَ اللهِ بِأَفْوَاهِهِمْ وَيَأْبَى اللهُ إِلَّا أَنْ يُتِمَّ نُورَهُ وَلَوْ كَرِهَ الْكَافِرُونَ،
هُوَ الَّذِي أَرْسَلَ رَسُولَهُ بِالْهُدَى وَدِينِ الْحَقِّ؛
لِيُظْهِرَهُ عَلَى الدِّينِ كُلِّهِ وَلَوْ كَرِهَ الْمُشْرِكُونَ﴾ [سورة التَّوبة: 33].

يريد هؤلاء الكفَّار من المشركين وأهل الكتاب ﴿أَنْ يُطْفِئُوا نُورَ الله﴾ أَيْ:-
ما بعث به رسوله من الهدى ودين الحق، بمجرد جدالهم وافترائهم،
فمثلهم في ذلك كَمَثَلِ مَنْ يريد أنْ يطفئ شعاع الشَّمس، أو نور القمر بنفخه!

وهذا لا سبيل إليه، فكذلك ما أرسل الله به رسوله لا بدَّ أنْ يتمَّ ويظهر؛
ولهذا قال تعالى مقابلاً لهم فيما راموه وأرادوه:-
﴿وَيَأْبَى اللهُ إِلا أَنْ يُتِمَّ نُورَهُ وَلَوْ كَرِهَ الْكَافِرُونَ﴾ [سورة التَّوبة: 33].

والكافر هو:- الذي يستر الشَّيء ويغطيه، ومنه سُمِّيَ الليل (كافرًا)؛
لأنَّه يستر الأشياء، والزَّارع كافرًا؛ لأنَّه يغطي الْحَبَّ في الأرض كما قال:-
﴿أَعْجَبَ الْكُفَّارَ نَبَاتُهُ﴾ [الحديد: 20].

ثمَّ قال تعالى:- ﴿هُوَ الَّذِي أَرْسَلَ رَسُولَهُ بِالْهُدَى وَدِينِ الْحَقِّ﴾ فالْهُدَى:-
هو ما جاء به من الإخبارات الصَّادقة، والإيمان الصَّحيح، والعلم النَّافع ودين الحق.

هي الأعمال [الصَّالحة] الصَّحيحة النَّافعة في الدنُّيا والآخرة؛
﴿لِيُظْهِرَهُ عَلَى الدِّينِ كُلِّهِ﴾ أَيْ:- على سائر الأديان.

كما ثبت في صحيح مسلم، عن رسول الله -صلَّى الله عليه وسلَّم- أنَّه قال:-
«إِنَّ اللهَ زَوَى لِي الأَرْضَ مَشَارِقَهَا وَمَغَارِبَهَا، وسَيَبْلُغُ مُلْكُ أُمَّتِي مَا زَوَى لِي مِنْهَا»

وقال الإمام أحمد: حدَّثنا أبو المغيرة، حدَّثنا صفوان، حدَّثنا سليم بن عامر،
عن تميم الدَّاري -رضي الله عنه- قال:-
سمعتُ رسول الله -صلَّى الله عليه وسلَّم- يقول:-
«لَيَبْلُغَنَّ هَذَا الأَمْرُ مَا بَلَغَ اللَّيْلُ والنَهَارُ، وَلاَ يَتْرُكُ اللهُ بَيْتَ مَدَرٍ وَلاَ وَبَرٍ
إِلاَّ أَدْخَلَهُ هَذَا الدِّينَ، بِعِزٍّ عَزِيزٍ، بِذُلِّ ذَلِيلٍ، عِزَّاً يُعِزُّ اللهُ بِهِ الإِسْلاَمَ،
وَذُلاً يُذِلُّ الله بِهِ الْكُفْرَ» [صحَّحه الألباني] [تفسير القرآن العظيم جـ 4 صـ 136]



قال الحافظ ابن كثير -رحمه الله- :-
﴿ثُمَّ تَكُونُ عَلَيْهِمْ حَسْرَةً﴾ أَيْ:- ندامة.

حيث لم تُجْدِ شيئًا؛ لأنَّهم أرادوا إطفاء نور الله وظهور كلمتهم على كلمة الحق،
والله مُتِمُّ نوره ولو كره الكافرون، وناصر دينه، ومُعْلِن كلمته،
ومظهر دينه على كل دين.

فهذا الخزيُّ لهم في الدُّنيا، ولهم في الآخرة عذاب النَّار،
فمن عاش منهم، رأى بعينه وسمع بأذنه ما يسوءه،
ومن قُتِل منهم أو مات، فإلى الخِزْي الأبدي والعذاب السَّرْمَدِيّ؛ ولهذا قال:-
﴿فَسَيُنْفِقُونَهَا ثُمَّ تَكُونُ عَلَيْهِمْ حَسْرَةً ثُمَّ يُغْلَبُونَ،
وَالَّذِينَ كَفَرُوا إِلَى جَهَنَّمَ يُحْشَرُونَ﴾ [الأنفال: 36].
[تفسير القرآن العظيم جـ 4 صـ 53]



ثمَّ قال:-
﴿يُرِيدُونَ لِيُطْفِئُوا نُورَ اللهِ بِأَفْوَاهِهِمْ﴾ [الصَّفُّ: 8] أَيْ:-
يحاولون أن يَرُدّوا الحقَّ بالباطل، ومثلهم في ذلك:
كمثل من يريد أن يطفئ شعاع الشَّمس بفيه.

وكما أنَّ هذا مستحيل كذلك ذاك مستحيل! ولهذا قال:-
﴿وَاللهُ مُتِمُّ نُورِهِ وَلَوْ كَرِهَ الْكَافِرُون، هُوَ الَّذِي أَرْسَلَ رَسُولَهُ بِالْهُدَى وَدِينِ الْحَقِّ
لِيُظْهِرَهُ عَلَى الدِّينِ كُلِّهِ وَلَوْ كَرِهَ الْمُشْرِكُونَ﴾ [الصَّفُّ: 8-9]

وقد تقدَّم الكلام على هاتين الآيتين في سورة براءة، بما فيه كفاية،
ولله الحمد والمنَّة. [تفسير القرآن العظيم جـ 8 صـ 112]



●●فَصْلٌ●●

إنَّما تقع الظلمة لِمَنْ أعرض على الكتاب والسُّنَّة؛
فيتخبَّط في ظلمات الجهل والهوى، أمَّا صاحب الحق والسُّنَّة فلا.

قال شيخ الإسلام ابن تيميَّة -رحمه الله- :-
وهذا حال من أعرض عن نور السُّنَّة التي بعث الله بها رسوله؛
فإنَّه يقع في ظلمات البدع، ظلمات بعضها فوق بعض.
[منهاج السُّنَّة النَّبويَّة في نقض كلام الشيعة القدريَّة جـ 6 صـ 315].

قال ابن القيم -رحمه الله- :-
فإنَّ السُّنَّة بالذات تَمْحَقُ البدعة ولا تقوم لها،
وإذا طلعت شمسها في قلب العبد قطعت من قلبه ضباب كل بدعة،
وأزالت ظلمة كلَّ ضلالة؛ إذْ لا سلطان للظلمة مع سلطان الشَّمس،
ولا يَرَى العبد الفرق بين السُّنَّة والبدعة ويعينه على الخروج من ظلمتها
إلى نور السُّنَّة إلَّا المتابعة والهجرة بقلبه كلَّ وقت إلى الله،
بالاستعانة والإخلاص وصدق اللجوء إلى الله،
والهجرة إلى رسوله بالحرص على الوصول إلى أقواله وأعماله وهديه وسنَّته؛
(فَمَنْ كَانَتْ هِجْرَتُهُ إلى اللهِ ورسُولِهِ فَهِجْرَتُهُ إلى اللهِ ورسُولِهِ)
ومَنْ هاجر إلى غير ذلك فهو حظُّهُ ونصيبه في الدُّنيا والآخرة والله المستعان.
[مدارج السَّالكين جـ 1 صـ 374].



قلتُ -أبو الفضل محمَّد بن عمر- :-
ثُمَّ على ما فعل لم يستطع طمس نور السُّنَّة،
وأهلها باقون إلى قيام السَّاعة وتذكَّر قوله -صلَّى الله عليه وسلَّم- :
«لاَ تَزَالُ طَائِفَةٌ مِنْ أُمَّتِي عَلَى الحَقِّ ظَاهِرِينَ»

فَمَنْ نتَّبع: الصَّادق المصدوق، أم مجدي بن ميلود !

(فَمَنْ أشرقت في نفسه نور السُّنَّة فهو في نور)،
قال ابن القيم -رحمه الله- :
ولا يُقِرُّ لنا بهذا إلا عارف قد أشرق في باطنه نور السُّنَّة المحمديَّة،
فرأى ما النَّاس فيه وما أعزَّ ذلك في الدُّنيا وما أغرَّ به بين الخلق وبالله المستعان.

فالصَّادقون في أنوار معارفهم وعباداتهم وأحوالهم ليس إلَّا،
وأنوار ذات الرَّب -تبارك وتعالى- وراء ذلك كله، وهذا الموضع من مقاطع الطَّريق.

ولله كم زَلَّتْ فيه أقدام وضَلَّتْ فيه أفهام وحارت فيه أوهام،
ونجا منه صادق البصيرة تامُّ المعرفة، علمه متَّصلٌ بمشكاة النُّبوة وبالله التَّوفيق.
[مدارج السَّالكين جـ 3 صـ 56]



قال شيخ الإسلام ابن تيميَّة -رحمه الله- :-
ومثل هذا لا يردُّ على المسلمين؛
فإنَّه لم يزل ولا يزال فيه طائفة قائمة بالهدى ودين الحق ظاهرة بالحجَّة والبيان،
واليد والسَّنان إلى أن يَرِثَ الله الأرض ومن عليها وهو خير الوارثين؛
كما ثبت في الصحاح عن النَّبي أنَّه قال:-
«لَا تَزَالُ طَائِفَةٌ مِنْ أُمَّتِي قَائِمَةً بِأَمْرِ اللهِ لَا يَضُرُّهُمْ مَنْ خَذَلَهُمْ،
وَلَا مَنْ خَالَفَهُمْ حَتَّى تَقُومَ السَّاعَةُ» [أخرجه مسلم]

وفي لفظ:- «لَا تَزَالُ طَائِفَةٌ مِنْ أُمَّتِي ظَاهِرَةً حَتْي يَأْتِيَ اللَّهُ بِأَمْرِهِ».
[في الجواب الصَّحيح جـ 5 صـ 92]


وقال -رحمه الله- :-
وثبت عنه في الصَّحيحين أنَّه قال:-
«لَا تَزَالُ طَائِفَةٌ مِنْ أُمَّتِي ظَاهِرِينَ عَلَى الْحَقِّ لَا يَضُرُّهُمْ مَنْ خَالَفَهُمْ،
وَلَا مَنْ خَذَلَهُمْ حَتَّى تَقُومَ السَّاعَةُ».

وهذا أَخْبَرَ به حين كانت أمَّته أقلَّ الأمم؛
فانتشرت الأمَّة في مشارق الأرض ومغاربها وكان كما أخبر به.

فإنَّ هذه الأمَّة ولله الحمد والمنَّة لم يزل فيها طائفة ظاهرة بالعلم،
والدين والسَّيف لم يصبها ما أصاب من قبلها من بني إسرائيل وغيرهم؛
حيث كانوا مقهورين مع الأعداء.

بل إنْ غُلِبَتْ طائفة في قُطْرٍ مِنْ الأرض، كانت في الْقُطْرِ الآخر أمَّةً منصورة،
ولم يسلط على مجموعها عدوًا من غيرهم ولكن وقع بينهم اختلاف وفتن.
[في الجواب الصَّحيح جـ 6 صـ 121-122]



وقال أيضًا -رحمه الله- :-
فقد قال صلَّى الله عليه وسلَّم:-
«لاَ تَزَالُ طَائفَةٌ مِنْ أُمَّتي ظَاهِرينَ عَلَى الحَقِّ لَا يَضُرُّهُمْ مَنْ خَالَفَهُمْ،
وَلا مَنْ خَذَلَهُمْ؛ حَتَّى تَقُومَ السَّاعَةُ» وهذا الحديث في الصَّحيحين.

فقد أخبر الصَّادق المصدوق أنَّه لا تزال طائفة ممتنعة من أمَّته على الحق، أعزَّاء،
لا يضرُّهم المخالف ولا خلاف الخاذل،
فأمَّا بقاء الإسلام غريبًا ذليلاً في الأرض كلها قبل الساعة؛ فلا يكون هذا.
[مجموع الفتاوى جـ 18 صـ 295-296].



ثمَّ الأحاديث الصَّحيحة التي فيها أنَّه هناك طائفة من هذه الأمَّة منصورة،
تردُّ على مجدي بن ميلود الذي يقول:- ليس فيها نور هُدَى!

أم أنَّ هذه الطَّائفة ليست موجودة في ليبيا!
فإذا كانوا موجودين فقطعًا إنَّ هناك نور النُّبوَّة الذي نفاه مجدي!

فهل سوف يقول أنا قصدتُ كذا وكذا!
أم سوف يجنح الى أسلوبه الرَّاقي في التَّهكُّم!
والطَّعن بالكلام البذيء، والتَّعالي العري عنه!


●●فَصْلٌ●●
(بعض الأحاديث التي تبين أنَّ هناك طائفة ظاهرة)

قال البخاريُّ:-
-باب قول النَّبي -صلَّى الله عليه وسلَّم-
«لاَ تَزَالُ طَائِفَةٌ مِنْ أُمَّتِي ظَاهِرِينَ عَلَى الحَقّ يُقَاتِلُونَ وَهُمْ أَهْلُ العِلْمِ».
[صحيح البخاري]

وعن المغيرة قال:-
سمعت رسول الله -صلَّى الله عليه وسلَّم- يقول:-
«لَنْ يَزَالَ قَوْمٌ مِنْ أُمَّتِي ظَاهِرِينَ عَلَى النَّاسِ؛
حَتَّى يَأْتِيَهُمْ أَمْرُ اللهِ وَهُمْ ظَاهِرُونَ». [أخرجه البخاري ومسلم].

وعن معاوية -رضي الله عنه- قال:-
سمعت النَّبيَّ -صلَّى الله عليه وسلَّم- يقول:-
«لَا يَزَالُ مِنْ أُمَّتِي أُمَّةٌ قَائِمَةٌ بِأَمْرِ اللهِ لَا يَضُرُّهُمْ مَنْ خَذَلَهُمْ،
وَلَا مَنْ خَالَفَهُمْ حَتَّى يَأْتِيَهُمْ أَمْرُ اللهِ وَهُمْ عَلَى ذَلِكَ».

قال عمير: فقال مالك بن يخامر: قال معاذ: وهم بالشأم، فقال معاوية:-
هذا مالك يزعم أنَّه سمع معاذًا يقول: وهم بالشَّأم. [أخرجه البخاريُّ ومسلم]

ومن حديث ثوبان -رضي الله عنه- قال:-
قال رسول الله -صلَّى الله عليه وسلَّم- :-
«لَا تَزَالُ طَائِفَةٌ مِنْ أُمَّتِي ظَاهِرِينَ عَلَى الْحَقِّ لَا يَضُرُّهُمْ مَنْ خَذَلَهُمْ؛
حَتَّى يَأْتِيَ أَمْرُ اللهِ وَهُمْ كَذَلِكَ». [أخرجه مسلم (1920)]

وعن جابر بن سمرة -رضي الله عنه- عن النَّبي -صلَّى الله عليه وسلَّم- قال:-
«لَنْ يَبْرَحَ هَذَا الدِّينُ قَائِمًا يُقَاتِلُ عَلَيْهِ عِصَابَةٌ مِنْ الْمُسْلِمِينَ حَتَّى تَقُومَ السَّاعَةُ»
[أخرجه مسلم (1922)]

وعن جابر بن عبد الله -رضي الله عنهما- قال:-
سمعتُ رسول الله -صلَّى الله عليه وسلَّم- يقول:-
«لَا تَزَالُ طَائِفَةٌ مِنْ أُمَّتِي يُقَاتِلُونَ عَلَى الْحَقِّ ظَاهِرِينَ إِلَى يَوْمِ الْقِيَامَةِ».
[أخرجه مسلم (1923)]


عن عمران بن حصين قال:-
قال رسول الله -صلَّى الله عليه وسلَّم- :-
«لَا تَزَالُ طَائِفَةٌ مِنْ أُمَّتِي يُقَاتِلُونَ عَلَى الْحَقِّ ظَاهِرِينَ عَلَى مَنْ نَاوَأَهُمْ؛
حَتَّى يُقَاتِلَ آخِرُهُمْ الْمَسِيحَ الدَّجَّالَ» [أخرجه أبو داود وصحَّحه الألباني]

وعن معاوية -رضي الله عنه- قال:-
سمعت رسول الله -صلَّى الله عليه وسلَّم- يقول:-
«لَا تَزَالُ طَائِفَةٌ مِنْ أُمَّتِي قَائِمَةً بِأَمْرِ اللهِ، لَا يَضُرُّهُمْ مَنْ خَذَلَهُمْ أَوْ خَالَفَهُمْ؛
حَتَّى يَأْتِيَ أَمْرُ اللهِ وَهُمْ ظَاهِرُونَ عَلَى النَّاسِ». [أخرجه مسلم (1037)]



وفي هذه الأحاديث الْبِشَارَة لهذه الأمَّة المحمديَّة،
ببقاء واستمرار وجود طائفة من هذه الأمَّة على الحق إلى أنْ يأتي أمر الله،
لا يضرُّهم خلاف المخالف، ولا خذلان الخاذل.

قال الحافظ ابن حجر فيما نقله عن الطبري:-
المراد بالذين يكونون ببيت المقدس الذين يحصرهم الدجال إذا خرج؛
فينزل عيسى إليهم فيقتل الدَّجَّال، ويظهر الدين في زمن عيسى،
ثُمَّ بعد موت عيسى تهبُّ الريح المذكورة، فهذا هو المعتمد في الجمع.
[فتح الباري جـ 13 صـ 294].

قال الإمام النَّوويُّ -رحمه الله- :-
وأمَّا هذه الطَّائفة، فقال البخاريُّ:- هم أهل العلم.
وقال أحمد بن حنبل:- إنْ لم يكونوا أهل الحديث فلا أدري مَنْ هُمْ.

وقال القاضي عياض:-
إنَّما أراد أحْمَدُ أهل السُّنَّة والجماعة ومَنْ يعتقد مذهب أهل الحديث.


قْلُتُ -أي الإمام النَّوويُّ- :-
ويُحْتَمَلُ أنْ تكون هذه الطَّائفة مفرقة بين أنواع المؤمنين،
منهم شجعان مقاتلون، ومنهم فقهاء ومنهم محدِّثون ومنهم زهَّاد،
ومنهم آمرون بالمعروف وناهون عن المنكر، ومنهم أهل أنواع أخرى من الخير.

ولا يلزم أن يكونوا مجتمعين، بل قد يكونون متفرقين في أقطار الأرض،
وفى هذا الحديث معجزة ظاهرة.

فإنَّ هذا الوصف ما زال -بحمد الله تعالى- من زمن النَّبى صلَّى الله عليه وسلَّم
إلى الآن ولا يزال قائمًا؛ حتَّى يأتى أمر الله المذكور فى الحديث.
[المنهاج في شرح صحيح مسلم بن الحجاج جـ 13 صـ 66-67]


ثُمَّ مَنْ هم العلماء الذين قتلهم النظام السَّابق!
ومَنْ هم العلماء الذين شُرِّدُوا!

فَلْيُسَمِّهِمْ مجدي بن ميلود لنا!

هذا وصلَّى الله على نبينا محمَّد وعلى وآله وصحبه أجمعين،
وبالله التَّوفيق والسَّداد.

كتبه/
أبو الفضل محمَّد بن عمر الصُّويعيُّ.
يوم الأربعاء 04 شعبان 1437 هـ

‫10 تعليقات

    1. بارك الله فيكم وسدد خطاكم ، قال الرسول صلى الله عليه وسلم : ما تزال طائفة من أمتي على الحق ظاهرين إلى قيام الساعة صححه الشيخ الألباني

  1. بارك الله فيكم ونفع بكم وسددكم على الحق ، يقول رسول الله صلى الله عليه وسلم : لا تزال طائفة من أمتي ظاهرين على الحق حتى تقوم الساعة ؛ صححه الشيخ الألباني في صحيح الجامع

  2. ويُحْتَمَلُ أنْ تكون هذه الطَّائفة مفرقة بين أنواع المؤمنين،
    منهم شجعان مقاتلون، ومنهم فقهاء ومنهم محدِّثون ومنهم زهَّاد،
    ومنهم آمرون بالمعروف وناهون عن المنكر، ومنهم أهل أنواع أخرى من الخير.
    ولا يلزم أن يكونوا مجتمعين، بل قد يكونون متفرقين في أقطار الأرض،
    وفى هذا الحديث معجزة ظاهرة.
    فإنَّ هذا الوصف ما زال -بحمد الله تعالى- من زمن النَّبى صلَّى الله عليه وسلَّم
    إلى الآن ولا يزال قائمًا؛ حتَّى يأتى أمر الله المذكور فى الحديث.
    [المنهاج في شرح صحيح مسلم بن الحجاج جـ 13 صـ 66-67]

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى